نكتب عن الأفضل والأصلح والأقوى , ونمعن بمقاييسنا العاطفية والإنفعالية والفردية والفئوية , وغيرها من إبداعات التسمي بما لذ وطاب للآخرين.
ونتناسي التكامل الوطني الجاد المترافق مع العطاء الأمثل والمتوافق مع خطوات العصر , الذي تتجمع فيه القدرات وتتفاعل من أجل صيرورات كبرى , ذات تأثير إنساني وإقتصادي وثقافي متنامي ومتجدد.
فالمنطوق الوطني بعَقده الإجتماعي المُحقق للمصالح المشتركة , لا يتفق وسلوك المفاضلة , وإنما تتحقق الذات الوطنية بجوهرها الإنساني وفقا لعقيدة التكامل الفعّال ما بين أبناء الوطن الواحد , لأن التكامل هو قانون الحياة الصالحة للبقاء والتطور , والتفاضل قاهرها.
فالتكامل يحثنا على تبادل الأدوار والتفاضل على تماحقها.
وفي المجتمعات القوية , يتم العمل بمناهج التكامل , وفي المتأخرة تتسيّد منطلقات التفاضل , التي تؤدي إلى إستنزاف شديد لطاقات المجتمع , وتفريغ مروّع للوطن من قدراته.
إنّ السعي وراء ترسيخ مفاهيم التفاضل , ودحر إرادة التكامل , يُعد سلوكا تراجعيا ومنطقا متخلفا, بعيدا عن آليات العصر الجديد العاصف بالقرن الحادي والعشرين. وإنهيار فكري وأخلاقي , وتسويغ لمشاعر عدم المسؤولية , ورفض للتعايش الإنساني الحافظ لحقوق الناس والمُراعي لوجودهم , بكل ما يحمله من خصوصيات ومميزات ثقافية.
وفي قاموس الديمقراطيات المعاصرة , لا توجد مفردات “هو الأفضل” , و “هو الأوحد” و غيرها , لأن منطوقها يُوجب إستعمال المفردات الدالة على التكامل , والجد والإجتهاد في تقديم الأحسن للوطن بشعبه وأرضه , وكل إنسان له الحق في التعبير عن دوره في العطاء , والمساهمة في تقوية وتعزيز الوجود الوطني والمجتمعي.
ولا يمكن لفرد أو حزب أو فئة أن تستحوذ على الأدوار , وتمنع الآخرين من المساهمة الحرة الصادقة في مسيرة البناء والتقدم والرقاء , وإلا تتحول الديمقراطيات إلى دكتاتوريات فئوية وحزبية وربما فردية , وهذا يعني أن السلوكيات المناهضة للديمقراطية تتبرقع بها كشعار ومنطوق إعلامي وتسويقي , لتحقيق أجندتها المناهضة لجوهر سلوكها ومنطلقاتها.
وهكذا فأن التركيز على مفاهيم الأفضلية , يُعد ضربة قاصمة توجّه للديمقراطية في أي مجتمع , وتتسبب في تداعيات أخلاقية وسلوكية ذات تأثيرات سيئة , ومدمرة لجميع عناصر التفاعل السياسي والثقافي والإقتصادي.
وعدم الإنتباه لهذه التوجهات , سيؤدي لمتواليات دمار هندسية المنحى والتفاعلات.
وما على المجتمعات الديمقراطية الناشئة , إلا أن تدرك مفاهيم التكامل وتعززها , وتبتعد عن منطلقات الإستئثار والتفاضل , لكي تصنع وجودها المتكامل النافع للوطن والشعب بأسره.