(لبنان والعراق)
اعلن في لبنان عن تشكيل حكومة جديدة تجمع ما بين عرف التحاصص، والحرص على المحافظة على بعضا من اسس الليبرالية من تداول السلمي للسلطة الى المساواة بين الجنسين في تولي المناصب التي بقت في العالم العربي حكرا على العنصر الذكوري، تشكلت الحكومة بعد مرور اكثر من ثمانية اشهر من تكليف سعد الحريري زعيم تيار المستقبل بتشكليها، وبعد شد وجذب بين الكتل السياسية حيث الصراع يدور بعد كل انتخابات نيابية على حجم الاستئزار على اساس عدد المقاعد، وتمثيل الطوائف، صحيح ان لبنان شهد في الفترة الاخيرة انقسام حزبي على اساس سياسي وليس طائفي وتوزعت الاحزاب والتيارات بين فريقين يضم كل فريق مجموعة من الاحزاب المتنوعة ثقافياً ودينياً وطائفياً، وهما تيار المستقبل بزعامة سعد الحريري وهو يشكل العمود الفقري لما يعرف لتحالف14اذار الذي يضم حزب الكتائب بقيادة امين الجميل، والقوات اللبنانية بزعامة سمير جعجع، والحزب الاشتراكي بزعامة وليد جنبلاط ومجموعات اخرى مسيحية وسنية وليبرالية كحركة اليسار الديمقراطي، وحركة التجدد الديمقراطي، ولقاء قرنة شهوان، وحزب الوطنيين الأحرار، والكتلة الوطنية اللبنانية، وقد أخذ اسمه عن التاريخ الذي أقيمت فيه مظاهرة كبيرة في اذار من عام2005، ويصف هذا التحالف بانه تحالف سياسي يتكون من كبار الأحزاب والحركات السياسية التي ثارت على الوجود السوري في لبنان بعيد اغتيال رئيس الوزراء الأسبق رفيق الحريري أو ما سمي بثورة الأرز والتي تلقت الدعم من عدد من الدول بالأخص دعمتها فرنسا واميركا والسعودية والأمم المتحدة.
والفريق الثاني قوى 8اذار وقوامه التيار الوطني الحر بزعامة رئيس الجمهورية اللبنانية الحالي العماد عون، وحزب الله بزعامة السيد حسن نصر الله، وحركة امل بزعامة نبيه بري رئيس مجلس النواب الحالي، وتيار المردة بقيادة سليمان فرنجية، والتيار الارسلاني بزعامة طلال ارسلان كتيار درزي يقابل تيار وليد جنبلاط، واحزاب اخرى كتيار التوحيد، والحزب السوري القومي الاجتماعي، ورابطة الشغيلة، وجبهة العمل الإسلامي، نشأ هذا التيار بعد اغتيال رئيس الوزراء الأسبق رفيق الحريري في شباط من عام2005، وخروج الجيش السوري من لبنان، وذلك عندما أقامت الأحزاب التي تربطها علاقة مع سوريا مظاهرة حاشدة بتاريخ 8 أذار للتعبير عن شكرها لما قدمته سوريا للبنان والمقاومة في دفاعها عن لبنان من الخطر الاسرائيلي، ومثلما كانت سوريا كجزء من الخلاف بين الفرقاء للبنانيين اضافة الى اللاعبين الاقليميين كايران والسعودية، ودور القوى الكبرى كالولايات المتحدة وفرنسا، ونقطة التماس الجيوسياسي المتمثلة باسرائيل.
يسود لبنان منذ اتفاق الطائف في العام1991 الديمقراطية التوافقية التي اصبحت في لبنان عبارة عن ديمقراطية هجينة ما ثلها بعد ذلك الى حدا كبير نمط الديمقراطية في عراق بعد عام2003 حيث تتوزع المناصب الأساسية في لبنان بنسب محددة بين أعلام الطوائف المختلفة، وهو قائم على مبدأ الفصل بين السلطات (التشريعية والتنفيذية والقضائية). وبحسب الدستور اللبناني يختار الشعب ممثليه في البرلمان عن طريق الاقتراع السرّي مرة كل 4 سنوات. ويقوم البرلمان بدوره بإختيار رئيس الجمهورية كل 6 سنوات لفترة رئاسية واحدة لا تمدد. ويقوم رئيس الجمهورية بتسمية رئيس مجلس الوزراء بعد استشارة النواب، ورغم ان العراق لا يوجد فيه وثيقة او بند دستوري ينص على توزيع المناصب العليا في الدولة على اساس التمثيل المكوناني او الحزبي فان تركيبة المجتمع المتعدد والمنقسم على اساس طائفي وقومي جعلت كل فريق يحاول يصدر فريقه على انه ممثل اساسي لهذا المكون او ذاك وطالما لا توجد اغلبية واضحة تستطيع تشكيل الحكومة بعد اجراء الانتخابات البرلمانية فان أي يطرف متصدر للانتخابات مضطر الى يغري الاطراف الاخرى حتى ينال الثقة بتشكيل الحكومة داخل مجلس النواب.
ورغم هشاشة النظام السياسي في لبنان لكنه يدخل النظام الحزبي اللبناني عموماً في إطار النمط التنافسي التعددي، لكن ما يمكن ملاحظته بشأن دراسة الظاهرة الحزبية اللبنانية هو كثرة الأحزاب والتنظيمات التي تعددت وتشعبت بشكل واسع جداً، بفعل عوامل عديدة، تاريخية أو طائفية، عقائدية أو خارجية، إلى درجة يصعب معها وصف النظام الحزبي في لبنان بالتعددية مقارنة بالنماذج القائمة في البلدان الديمقراطية المتطورة، وهذه الاحزاب بقدر ما تتمسك بعرف المحاصصة فانها قادرة على التعاطي بالليبرالية عبر اختيار تمسكها اولا بتداول السلمي للسلطة، واختيار نماذج جديدة وغير تقليدية على المستوى التنفيذي مثلما كان في الطاقم الوزاري لحكومة سعد الحريري اذ اختيرت ريا حفار الحسن كأول امرة وزيرة للداخلية الى جانب ثلاث نساء اخريات في مواقع وزارية مختلفة كممارسة سياسية جديدة من نوعها على مستوى العالم العربي والاسلامي، بالوقت الذي تحرم عدد من البلدان العربية النساء من حق المشاركة في الحياة السياسية تحرص بعض الاحزاب في لنبان على اناطة مسؤوليات كبيرة بالعنصر النسوي كتولي منصب وزير الداخلية، وهذا لم يأتي من فرغ او من ترف او تسويغ وانما يرجع الى خصائص تميز بها المجتمع اللبناني من خاصية المساواة والاعتدال والانفتاح وبالتالي فان لبنان بقدر ما تسوده نظام المحاصصة التوافقية وتقاسم المناصب والتوارث في المواقع الحزبية، وهيمنة الشخوص العائلية على الاحزاب، فأنها تحرص على المحافظة على بعضا من ركائز الليبرالية.