22 ديسمبر، 2024 7:12 م

الديمقراطية المزيفة في العراق

الديمقراطية المزيفة في العراق

بعد عقدين من الصراعات والمناكفات، استقر الصراع على السلطة في العراق ليكون عهد الديمقراطية غيرالحقيقية طابعا للحياة السياسية وطريقا لدمار البلد من خلال استمرار العنف والدمار الممنهج لجميع جوانب الحياة السياسية والاقتصادية والاجتماعية ، فشهد البلد تراجعا في التشريعات القانونية وحقوق الانسان والقيم الاخلاقية والصناعة والزراعة والتعليم والصحة والبناء والخدمات وتغيرت المفاهيم الثقافية والفكرية الموروثة لتصبح رافدأ يمول طريق الفساد والانحطاط فيسود التخلف والتخبط بدلا من الازدهار والاستقرار. يفلت الجميع من العقاب خصوصا من يكون في موقع السلطة ويرتكب جريمة وليس مخالفة، أو من كان منتميا لجهة سياسية تقف وراءه لتسنده. دائما ما يترك البلد في ازمة انسانية شبه كاملة، حيث اللامبالات وعدم الاكتراث بكرامة الانسان اصبحت ظاهرة طبيعية لدى معظم الذين أمسكوا بزمام الامور وبدون استثناء. تتأخر رواتب موظفي الدولة لاشهر من شمال العراق حتى جنوبه، فتكون نسبة ستين في المائة من العراقيين يعيشون تحت خط الفقر، وأكثر من هذه النسبة يعانون من انعدام الأمن الغذائي.
الطبقة السياسية في العراق محصنة حتى من ان يطالها القانون، لأن السلطات القضائية يمكن ان يشترى معظمها بالمال السياسي أو تتبع هذا التكتل السياسي او ذاك، او لها مصالح مع بعضهم. المحسوبية وانعدام الشفافية والعدالة الاجتماعية والادارة الاستراتيجية خلق تراكما من الفساد لايمكن لأي أجهزة تنفيذية محاربته او القضاء عليه لعقود من الزمن.الفوضى عمت كل شيء حتى باتت عنوانا لحياة بائسة بدون أمل لدى طبقة الشباب قبل الكهول، بل أن البلد يتراجع فيه معدل الاستقرار الامني والمجتمعي فوق ما شهدته نسب معدلات الجريمة في القرن الثالث عشر. إفتقاد العدالة الاجتماعية في بلد مثل العراق اثقل تراكمات الظلم باضعاف في زيادة غير طبيعية من عهود الماضي إلى يومنا هذا، فالحديث عن النظام الإقطاعي في العهد الملكي والظلم الذي طال طبقات الفلاحين والمزارعين والعمال اقل وطأة من توفير فرص العمل لأبناء الطبقة السياسية ومريديهم من اتباعهم وحرمان عموم ابناء الشعب، أو في صرف أكثر من مرتب لشخص لم يقدم أي خدمة للبلد وحرمان الملايين من حقهم في ثروات بلادهم أو حتى عدم شمولهم في كفالة الضمان الاجتماعي التي تقدمها دول لمهاجرين او لاجئين وصلوا الى حدودها بصورة غير شرعية. تضع الطبقة السياسية الموازنات في كل سنة لكي تمول بها حسابات الاحزاب السياسية فيتقاسم اموالها الرؤوساء، وتذهب بذلك المشاريع أدراج المكاتب دون تنفيذ، فلا بناء ولا إعمار ولا تطور في البنى التحتية للبلد ولا أهتمام لصحة الانسان العراقي أو البيئة العراقية او الخدمات الضرورية الاولية. تتهافت العديد من قيادات الاحزاب وراء جني أكبر عدد من الوزارات والمؤسسات في كل حكومة جديدة تتشكل لكي تحصل على اموال تلك المؤسسات المخصصة في الموازنة وتضمن بذلك نفوذها في بسط اليد والسيطرة على إدارات ومنافع تلك الوزارات وما تدره عبر فرض الاتاوات في تعيين المدراء أو العمولات في إبرام اي عقد مع اي شركة تروم التقدم بمشروع ما.
لم يقتصر إنتشار الفساد الاداري والمالي في العراق على مؤسسات الدولة فقط، بل تعدى إلى القطاع الخاص والنقابات المهنية والتي لم يزل يشرف عليها رؤساء من ازلام النظام المقبور وبمباركة ودعم من رؤساء الاحزاب التي شكلت حكومات ما بعد 2003. ولأن تلك النقابات شكلت دعامات لبقاء تلك الاحزاب ممثلة في مجلس النواب، بتجهيزها بزخم انتخابي في ضمان اعداد من اصوات الناخبين في كل انتخابات، فإنها تستمد الدعم المطلق من تلك الاحزاب ماديا ومعنويا على حساب فئآت من المظلومين من ابناء الشعب العراقي الذين حرموا من استحقاقاتهم في تبؤء المكانة المناسبة لخدمة بلدهم أو الحصول على مكاسب لهم يضمنها القانون. قد لا تبدو في الافق القريب ملامح انفراج للخلاص من الوضع القائم المتردي في العراق، خصوصا وان القائمين على رأس السلطات ليس لهم القدرة على وضع حلول لأي أزمة، بل انهم السبب وراء تلك الازمات، إلا أن العراق يمكن أن يتخطى أي أزمة لو كان هناك فيه قائداً يحكم بالعدل ويقدر معاني الانسانية والخوف من الله.