7 أبريل، 2024 3:03 ص
Search
Close this search box.

الديمقراطية العمياء

Facebook
Twitter
LinkedIn

لو كانت الديموقراطية مبصرة لاختارها الله سبحانه نظاما سياسيا لشعوب الارض وحكامهم ، او لذكرها او ما يشبهها بطيب ، لكن الله تعالى ذكر الشورى والبيعة ، وقد كتبت في ذلك سابقا (ويعيبون على الاسلام) ، (الديموقراطية والتحضر ايهما الاولى و الاهم) و لا اريد ان اعيد هنا فأجعله مقالا دينيا ولا اجتماعيا ، بل مغزاه سياسي وغايته الاهتداء ،
قلت ان الله ذكر الشورى والبيعة وحث عليهما وامتدحهما كنظام للحكم وطريقة لضبط الولاء والطاعة و الامتثال والمساندة على الحق والسلام و ادارة الامور ، و الشورى -دون تفصيل- تحصر امر تقرير تنصيب الحاكم و اولي الامر و صلاحية ذلك بأهل الحل والعقد من الناس وعقلاء الناس ورؤسائهم ، وليس كل من هب و دب ، ستقول لي ان الغرب مشى على الديموقراطية منذ قرن ونجح ، ولو ان جواب هذا طويل وكما قلت اني بينته في مقالات خاصة بذلك ، ولكني ارد هنا على عجالة ، فمن قال ان نجاح الغرب ناتج عن الديموقراطية في انتخاب الحاكم ،فكم من حاكم فاشل او فاشي او فاسد او احمق او جاهل او عنصري قد اوصلته الجماهير الغربية عن طريق الديموقراطية الى سدة الحكم ، لكن الذي منع الغربيين من الانزلاق كما ننزلق ، هي المؤسسات التي تدير البلاد بمعزل عن مزاجات هذا الحاكم وتوقفه احيانا وتعزله ، وهذه هي “الشورى والبيعة” بصورتها الاخرى حيث البرلمانات ومجالس الشيوخ هي شورى ، واختيار العقلاء والحكماء من الناس في تلك المجالس من قبل جماهيرهم هي بيعة ،والا لانهدت تلك البلدان ،
وهذا يقودنا الى الشق الثاني ,,
•• الديموقراطية الحمقاء
فلو ان الامور سلمت في اختيار الحكام الى الحمقى والجهلة والسوقة ، لنتج عنها صعود ممثليهم الذين ارتضوهم من نظرائهم الجهلة والفسدة والمنتفعين ، ثم ان مجتمعا مثل مجتمعنا تسوده العشائرية والصنمية المذهبية والتغييب الديني و الانتماءات المناطقية ،لابد ينتج نظاما غبيا احمقا مثله ، تلك الشعوب الواعية التي تمارس الحكم الديموقراطي اليوم ، بالاضافة للمؤسسات التي ذكرتها في الشق الاول ، وكيف تحمي نزاهة وصلاحية اعلى الهرم وتحافظ عليه من المزاجيات والعبث او رغبة الاستبداد ،كذلك فان كثيرا منها يحيل الامر بعد استطلاع راي الشعب وعوامه الى (كلية ناخبين) هم اعلى طبقات الوعي النخبوي والصناعي والتجاري و رجال الفكر والعمل ، ليبتوا اخيرا ويوازنوا الامر قبل التأمين على راي العوام ، ثم ان تلك الشعوب ولو لم يحصل فيها مثل هذا الامر فان عدم وجود المناطقية والمذهبية والعشائرية والصنمية بين افرادها كفيل بتحصين الديموقراطية “عندهم” من عبث الحقى والفاسدين ، وطموحات الجهلة والانتفاعيين.
••• الديموقراطية المهلكة
لذا فوصولا الى الشق الاخير من هذه الرحلة القصيرة ، فان الديموقراطية بشكلها الأعمى الذي ذكرت واشرت و بشكلها الاحمق الذي فصلت وبيّنت ، وهذه تكون في اعلاها و اوضحها في شعوبنا التي ما ان تخرج من الاستبداد العلماني حتى تدخل في التغييب الديني ، ثم الى الاتباع الصنمي ثم الى العاطفة العشائرية ، ثم الى التنافس وحب الاستحواذ والرئاسة من كل طرف وفئة ، ثم حب الثأر للماضي والانتقام ، ثم حب المظاهر والاستعلاء كل على فئة اخرى من بلدها و حتى من داخل قومها ، هنا يختفي صوت العقل الذي تحمله النخب ويطغى صوت الجماهير وروح القطيع و وجوب اختيار فلان لقرابته او فلان لمرجعيته او علاّن لمحسوبيته ، و يختفي أثر التخطيط الذي تحمله الكفاءات ليطغى عليه صوت العنصرية والعصبية و حب الفوز بالغنيمة ، ويختفي صوت الدين الحق او الفكر الحق او الوطنية الحقة ليطغى عليها تقديس فلان وطاعة فلان ،
والجماهير حينئذ-وقد اوكل اليها مورد الامور ، وهي على هذه الشاكلة مما وصفنا جهلا وعمى وحماقة وتعصبا واصطفافا – لاشك لايخرج منها الا الفوضى ، و اذ غابت شورى اهل الحل والعقد وغابت بيعة العقلاء والحكماء ولم يعتبر لرأي المتخصصين الوطنيين غير المؤدلجين ،فلن ينتج جماهير “الديموقراطية غير الناضجة” هؤلاء الا الزلل والخلل والنتائج المهلكة .

مقالات اخري للكاتب

أخر الاخبار

كتابات الثقافية

عطر الكتب