26 ديسمبر، 2024 4:12 م

الديمقراطية العراقية

الديمقراطية العراقية

من المعروف والمسلم به عالميا” أن الديمقراطية هي حكم الشعب وما يرافقها من حرية وتحرر والتعبير عن الاراء من دون خوف أو توجس, الديمقراطية في المفهوم العالمي هي ديمقراطية التفكير وديمقراطية الممارسة أختزلت في العالم وخصوصا” الغربي منه بالتنافس في الوصول لسدة الحكم والتنافس فيما بين القوى السياسية لتقديم أفضل الخدمات والضمان الاجتماعي والصحي, مع وجود حكومة ظل تتشكل من المعارضة لمتابعة ومراقبة أعمال الحكومة الرسمية ومحاولة أحصاء أخطائها وعرضها على الشعب من خلال البرلمان ، كل ذلك يحدث من أجل ضمان أصوات الناخبين في صناديق الاقتراع ومحاولة تغيير الحكومة بعد أظهار الحقائق لافراد الشعب وأستمالة أصواته للحصول على النسبة الاعلى والتي تمكن ذلك الحزب أو تلك القوة السياسية من تشكيل الحكومة منفردة او مع أحزاب أخرى.
هذه هي الديمقراطية المعروفة في العالم , أما عراقيا” فديمقراطيتنا تختلف أختلافا” جوهريا” وكذلك تختلف في الممارسة والتطبيق، فمجتمعنا العراقي بالتحديد لايعرف ولا يعترف بالديمقراطية, فنحن وعلى مدار 1200 سنة لم نكن في يوم من الايام ديمقراطيين، ولم نمارس الديمقراطية أو حتى تحقيق حدودها الدنيا هذا أولا”, وثانيا” وهذه هي المسالة الاهم المجتمع العراقي وهذا ليس تجنيا” هو في غالبيته مجتمع (أمي) حيث نسبة الذين لايعرفون القراءة والكتابة تتجاوز نصف أو تقريبا” أقل من النصف بقليل, فلا يمكن أن تطلب من شخص لايعي ولايفهم ولا يستطيع القراءة والكتابة بأن يمارس الديمقراطية ، أو أن يستطيع أختيار الاشخاص المناسبين لغرض تمثيله في البرلمان وبالتالي تمثيله في الحكومة, لذلك نرى ونلمس أغلب ميول أفراد الشعب لاختيار ممثليه تكون مذهبية ومناطقية وبعيدة كل البعد عن الكفاءة والنزاهة ونظافة اليد والسمعة الطيبة, لذا ومن خلال أختياره مثل هذه الشخصيات والتي هي بالاساس لاتؤمن بالديمقراطية الحقيقية تكون ديمقراطيتنا عرجاء لاتقوى على السير مع الديمقراطيات الرصينة والعريقة في العالم.
الديمقراطية العراقية حالة خاصة أفرزتها ظروف المرحلة، وقد اثبتت الايام أنها ديمقراطية فوضوية غير خلاقة ، وليس لها أسس وقواعد صحيحة. فكثير من القوى السياسية أنخرطت في تلك العملية وهي لاتتبنى الديمقراطية ولاتعترف بها كمفهوم أساسي للأدارة العمل في الحكومة والبرلمان, فعلى مدار السنوات التي تلت سقوط النظام السابق برزت للوجود الكثير من القوى والاحزاب السياسية القديمة والحديثة الايدولوجية والليبرالية، الاسلامية والعلمانية، فكم من حزب أجرى أنتخابات داخلية لأختيار قيادته ورئاسة له، بالتأكيد الجميع يعرف الاجابة فليس هناك أي حزب أو قوة سياسية أوحتى كتلة حزبية داخل البرلمان أجرت مثل تلك الانتخابات لانها بالاساس وكما اسلفت فيما سبق لاتؤمن بالديمقراطية كممارسة ولا كمنهج، فكيف نطلب من أحزاب وحركات سياسية هي لاتمارس الديمقراطية داخليا” أن تتبناها في البرلمان والحكومة.
الديمقراطية العراقية بنيت على التوافق فيما بين القوى السياسية الاساسية على توزيع المناصب السيادية وغيرها من المناصب أي هي تقسيم الكعكة فيما بين تلك القوى , حيث هنا ينتهي دور الانتخابات,فما دام التوافق هو العنصر الاساسي في توزيع المناصب فما جدوى أجراء أنتخابات يصرف عليها ملايين الدولارات ، أن مثل هكذا ديمقراطية غالبا” ما تكون حبلى في توليد الازمات والمشاكل حيث لايكون هناك رئيس واحد أو قائد وحيد يتحمل المسؤولية بل تتوزع المسؤوليات، والكل يدعي أنه هو صاحب الحل والعقد ، ومن المضحك أن تكون جميع القوى السياسية الممثلة بالبرلمان مشاركة في الحكومة بعدة حقائب وزارية وفي نفس الوقت تكون تلك القوى قوة معارضة لتلك الحكومة، وهذا مالم يحدث في دول العالم الديمقراطية الاخرى.
في الديمقراطية العراقية تتوالى الازمات والمشاكل السياسية بين القوى والاحزاب السياسية بسبب أتهام كل طرف الى نظيره الاخر المشارك له في الحكومة أو في نفس الكتلة بالتهميش والغاء صلاحياته الحكومية، وهكذا تستمر الاتهامات والتصريحات المتشنجة مابين تلك القوى والتي بالتاكيد سوف تلقي بظلالها على الشارع العراقي وتجعله يعيش مع سخونة الاحداث وسخونة الاجواء الصيفية الحارة في أن واحد.
أنها دعوة خالصة لأنقاذ ديمقراطيتنا الوليدة والابتعاد عن الديمقراطية التوافقية وجعل صناديق الاقتراع هي التي تقرر تشكيل حكومة الاغلبية، فمن الافضل للعراق تشكيل مثل تلك الحكومة حيث يستطيع جميع أبناء الشعب والمراقبين السياسين رؤية انجازات واخفاقات تلك الحكومة وتجريدها من شماعة الحجج المسبقة الجاهزة الخاصة بتعطيل أعمالها. وهنا قد يتسأل شخص ما على أن حكومة الاغلبية السياسية تعني تشكيل حكومة من لون مذهبي أو طائفي واحد،لكن يعلم الجميع صعوبة حدوث ذلك أذا ماعلمنا عدد الاصوات التي تحتاجها مناصب الرئاسات الثلاث، لذا ستحتاج الكتلة التي تشكل حكومة الاغلبية الى التحالف مع بعض القوى السياسية الاخرى من طائفة أخرى أو من أحزاب علمانية (غير طائفية) من المشاركة في الحكومة، لان أختيار الرئاسات الثلاثة (الجمهورية والحكومة والنواب) سوف يتم بسلة واحدة.
دعونا نبدأ من جديد في أختيار ديمقراطية حديثة بعيدة كل البعد عن ما فصله المقص الامريكي من ثياب ، فما نرتديه الان من ثياب ديمقراطية بمقاسات كبيرة على حجومنا وفضفاضة في نفس الوقت، جعلنا أضحوكة الى غيرنا من البلدان العشائرية والدكتاتورية، فلنلحق بركاب دول العالم الاخرى قبل أن نضيع الخيط والعصفور.

أحدث المقالات

أحدث المقالات