18 أكتوبر، 2024 8:24 ص
Search
Close this search box.

الديمقراطية التوافقية والتجربة الماليزية

الديمقراطية التوافقية والتجربة الماليزية

الديمقراطية التوافقية وفقا لعلم السياسة ، تعني ممارسة السلطة من خلال ائتلاف واسع من السياسيين يمثلون كافة القطاعات المهمة في أي مجتمع تعددي . ولكن ما يحكم هذا الائتلاف ثوابت عامة هي .

اولا …. الفيتو المعطل ، وهو بمثابة صمام الأمان للاقلية المؤتلفة ،
ثانيا ….النسبية باعتبارها المعيار الأساسي للتمثيل السياسي ، وهذا التمثيل النسبي وفقا لقوانين كل الدول الديمقراطية يتحدد بالتمثيل الوزاري ، باعتبار الوزارة منصبا سياسيا لا يلحق به أي منصب إداري ضمانا لانسيابية العمل الحكومي ، أي أن الوزارة هي محل التغيير لا التوابع أو التشكيلات الإدارية.
ثالثا….استقلالية القطاعات الحكومية في مسألة إدارة شؤونها الداخلية ، وعدم تسيس القرارات الحكومية وفقا لقواعد علم الإدارة العامة .
أن الديمقراطية التوافقية جديدة على المواطن العراقي الخارج توا من اوزار الدولة الشمولية وان التطبيق جاء متمترسا وراء الاختلافات الطائفية أو العنصرية أو المذهبية بل وحتى الثقافية ، واخيرا الانتماءات العشائرية ، فكانت توافقية خادجة اعتمدت فقط على الأغلبية القطاعية دون الاحتكام إلى الأغلبية الوطنية ، فوفقا للمنطق ، كان لابد للشيعة وهم الأغلبية أن تكون لهم الريادة ، ولكن كانت ريادة شيعية تسبق الوطنية ، وتلاهم الكرد فكان تمثيلهم قطاعي كردي ينم عن روح الاستقلالية يكون الوطن الأم عندهم بدرجة ثانية ، أما السنة فإن شعورهم بالاضطهاد كان وراء عدم اشتراكهم بشكل فعال في وضع مسودة الدستور وكان صراخهم عاليا بالمظلمة جراء حكم الأغلبية الخاطئ وانغمسوا بالمشاكل الثانوية بعيدا عن مشاكل الوطن الاساسية والتحق الكثير منهم لأسباب متعددة بالأغلبية الشيعية مشكلتين كتلة نيابية كبيرة جدا .
أن مصطلح الديمقراطية مصطلح نسبي ، إذ لا يمكن أن تجد نموذجا واحدا في التطبيق ، لأن الأمر يتعلق بعامل الزمن ومستوى التطور  الاقتصادي في هذا البلد أو ذاك ، واخيرا الانشطارات الاجتماعية وانعكاساتها على التمثيل السياسي . وأنها في العراق تم فهمها في العموم على أنها تعني الحرية المطلقة ، التي تم التجاوز بموجبها على المال العام ابتداءا من سرقة ممتلكات الدولة وصولا إلى الفساد المنظم ، وتم فهم الأغلبية على أنها المطلق الواجب الإتباع بغض النظر عن وجود الأطراف الأخرى ، والسبب واحد لا غير إلا وهو أن المواطن ظل لقرن من الزمان تحت أوامر الدولة الصارمة أو أوامر الدولة الشمولية .أن الديمقراطية كما يرى مارسيل فوشيه في كتابة نشأة الديمقراطية (ص٤٤) لا بد من إعادة وضع الانتقال الى التاريخ في داخل عملية الخروج من الدين ، ذلك أن الدين قواعد إلهية ثابتة لا تقبل التأويل أو التفسير والديمقراطية هي نظام النقاش والمحاكاة والتفسير ، أما الالتصاق القومي فهو عند الكرد صار وجوديا لا يقبل الخضوع الإجمالي لنظام الدولة البسيطة وصارت الفدرالية عندهم كونفدرالية وأصبح للاقليم سياسة خارجية تختلف في الكثير من الأحيان عن سياسة دولة الاتحاد . والسنة تشرذموا وأصبحت لهم عناوين في التبعية لهذه الدولة العربية أو تلك الإمارة الخليجية. وضاعت البوصلة عندهم وصار البعض ينادي بالإقلمة وكان الإقليم سحر الهي يحول المحافظ الفاشل إلى رئيس إقليم فاعل . يقول الكاتب الصحفي الكبير محمد حسنين هيكل في كتابه ( السلام المستحيل والديمقراطية الغائبة ص ٢٠٨ ) أن مشكلة عالمنا الثالث كله أنه في محاولته لعبور تخلفه يقع كثيرا في محظور النقل عن السابقين إلى التقدم بغير استيعاب عميق ، وهكذا يلهيه مظهر التقدم من جوهر التقدم ، وهكذا أصاب الوهن ديمقراطيتنا المنقولة عن ديمقراطية بدأت عام ١٦٨٨ إثر الثورة الجليلة في بريطانيا على الملكية ذات التفويض الإلهي ،
أن التيار الصدري يحاول الخروج إلى فضاءات التوافق الوطني نابذا الانكفاء على الذات الشيعية ، لأن الشيعة أغلبية قطاعية والوطن يطلب أغلبية عمومية ، وان الديمقراطية بطبيعتها فضاء قانوني ولكل مواطن حق الانتماء للأحزاب بغض النظر عن كونه من الأغلبية أو الأقلية ، لأن وجود الشعوب الحر  كما يرى مارسيل فوشيه المصدر السابق ص ١٧٢ كأمم ، ووحدتها الداخلية ، هي القناة التي تلتقي فيها بوحدة الإنسان ، لأن الوطن هو البداية الضرورية لتكوين المجتمعات ، بعبارة ادق،، الوطن قبل الجمع وأنه فوق الجميع ، ومن هذه الحقيقة تشكلت الديمقراطية التوافقية على سبيل المثال في مملكة ماليزيا .
التوافقية التعددية في ماليزيا .
أن من يزور هذه الدولة ، وهي إسلامية ، لا يجد للإسلام مظهرا ماضيا في الحياة اليومية ، إلا في سماعك الاذان ، هنا أو هناك ، لكن الدولة علمانية ، وهنا العلمانية سلوكا لا يتعارض مع الدين  وفي النهاية تعد ماليزيا دولة إسلامية ، الفئة الكبرى فيها هي الفئة المالية ، وتبلغ نسبتها ٥٣ بالمئة ، وافادني أحد المثقفين أنهم ٥٧ بالمئة ، واغلبهم يقطنون ماليزيا الغربية ، أما العنصر الصيني فهم يشكلون ٣٥ بالمئة ، يأتي بعدهم الهنود والباكستانيين ، ويشكلون  ١١ بالمئة ، وتختلف هذه الفئات فيما بينها في الدين والعرق واللغة واخيرا في ثقافة كل منها ، وقد نجحت التعددية جراء ائتلاف تعتددي واقع ناتج عن تحالف واسع لاكبر الأحزاب المالية والصينية والهندية ، وقد كان التحالف قبل عقود جراء اتفاق (القدوة) القادة المالويين والصينيين ، وبعد ذلك التحق بهم القادة الهنود ،وشكلوا تجمعا توافقيا حصل على أربعة أخماس الاصوات الانتخابية منذ أواسط الخمسينات .
أن الاستقرار النسبي السياسي في ماليزيا يعود إلى قوة واستمرار تحالف المختلفين وهو تحالف تجاوز لسنين طويلة الخلافات الجزئية تحت اسم (پارسان ناسيونال) وتكون السلطة الحقيقية فيه بيد رئيس الوزراء وهو من نواب البرلمان الذين يحصلون على أصوات الأغلبية النيابية ، كما وان الوزراء هم من النواب المنتخبين، ، ويتكون مجلس النواب من غرفتين الأولية مجلس النواب أو مجلس الشعب ، وغرفة مجلس الشيوخ أو مجلس الأمة ، وقد كان لرئيس الوزراء مهاتير بن محمد الدور الأهم في وضع سياقات بريكماتية للسياسة والحكم في ماليزيا ، وله الدور الأكبر في الانتقال بهذه الدولة المتخلفة جدا إلى دولة نامية جدا بفضل خططه الاقتصادية التي اعتمدت على الموارد الذاتية للبلاد ، وأقام فيها نهضة صناعية وتكنولوجية وضعتها في مصاف الدول المصدرة ، وانك ترى ذلك متجسدا امامك عندما ترى أن كل شئ صنع في ماليزيا ، وقد كان لاستقلال السلطات بعضها عن البعض الآخر دورا دافعا للتقدم سييما وان القضاء هو المتمتع بالاستقلالية القصوى بسبب النظام القانوني المشترك البريطاني الماليزي .
أن ماليزيا كانت نموذجا لائتلاف واسع ونموذجا لنجاح الديمقراطية التوافقية وان مرد ذلك كما أعلمني أحدهم أنهم وضعوا الانضمام للوطن قبل الانضمام لقبائل الملايو ، أو الانحياز للصين ، أو حتى الاعتراف بالتبعية الهندية ، وان ذلك شكل قاعدة سياسية مفادها ، الائتلاف يعني ترك العناوين لصالح عنوان واحد هو الوطن……

أحدث المقالات