يشوب قوانين الانتخابات في العراق الكثير من الاخطاء والنواقص لان عملية اعدادها كانت على وفق ماتشتهي الاحزاب المسيطرة التي تبحث عن مصالحها الفئوية قبل كل شيء وتتمسك بتبريرات وحجج واهية للابقاء على هذه القوانين والانظمة.وكان تبديل نظام القائمة المغلقة في الانتخابات البرلمانية الى نظام القائمة المفتوحة قد جاء بعد مخاضات عسيرة داخل مجلس النواب وتحت ضغط ديني واعلامي وشعبي واضح وليس بناءا على رغبة تلك الاحزاب التي حاولت الابقاء على نظام القائمة المغلقة .
وهنالك عقدة رئيسية في قانون الانتخابات تسبب الفوضى والارتباك والجمود والصراع في العملية السياسية في العراق وتجعل المكوناتية هي الحاكمة عليها والعقدة هي حق تشكيل كتلة برلمانية بعد اعلان نتائج الانتخابات حيث تدفع هذه الحالة القوائم التي تنتمي الى مكون معين مذهبي كان ام قومي الى تشكيل كتلة برلمانية جديدة داخل البرلمان من القوائم التي تمثل ذلك المكون للمحافظة على امتيازاتها والوقوف بوجه القوائم الاخرى وهذه العملية تجعل العراق اسيرا للصراعات الطائفية والقومية مما يعني ان سلبيات التوافقية تترسخ وتتكرر في كل دورة برلمانية وبالتالي يبقى الشعب العراقي محروما من الخدمات بمختلف صورها بل محروما من الانتفاع بخيرات بلده التي لايجني منها الا الخراب والدمار والاذى المعنوي والمادي والفقر والتخلف بينما يكون الرابح الاكبر هو الاحزاب المسيطرة وشخصياتها الفاسدة اداريا وماليا.
اضافة الى ذلك فان حق تشكيل كتل برلمانية بعد الانتخايات قد يعني في احدى صوره مصادرة اصوات الناخبين العراقيين، فاذا ماحصلت قائمة انتخابية معينة على اكثرية الاصوات (35% مثلا) فان حقها الدستوري بتشكيل الحكومة بموجب المادة (76) اولاً من الدستور التي تنص على (يكلف رئيس الجمهورية، مرشح الكتلة النيابية الاكثر عدداً، بتشكيل مجلس الوزراء…) والمستند ديمقراطيا على حق الشعب بمنح ثقته واصواته في الانتخابات للقائمة التي يرغب يتلاشى في حالة تشكيل القائمتين التاليتين لها في عدد الاصوات كتلة برلمانية جديدة بجمع مقاعدهما البرلمانية (25% + 20% مثلا) ليكون عدد مقاعد الكتلة المشكلة بعد الانتخابات هو (45% ) مايعني ان حق تشكيل الحكومة تحول الى الكتلة الجديدة بموجب نفس المادة الدستورية ويكون رئيس الوزراء من القائمة التي حصلت على نسبة (25% من الاصوات كما في المثال ) وليس من القائمة التي حصلت على اكثرية اصوات الناخبين (35% كما في المثال ايضا) واذا كانت هذه العملية تجري على وفق سياقات دستورية فانها مخالفة لمبادىء وروح الديمقراطية ولرغبات الشعب.
ومن جهة اخرى فان هذه الالية اذا كانت متبعة وبنجاح في عدد من الدول فان ذلك ليس دافعا حتميا لتطبيقها في العراق اذ ان الاوضاع الاجتماعية والتركيبة المكوناتية للشعب العراقي وما خلفته السنوات العجاف بعد الاحتلال الامريكي في 9/4/2003 يدفعنا للتفكير في نموذج عراقي يتلائم مع هذه الخصوصية بحلوها ومرها وان الوطنية العراقية ومصلحة الشعب اسمى واهم من قياسات ومفاهيم نظرية او حتى عملية مستوردة لاتلائم الواقع العراقي.
والذي نعتقد انه ملائم لهذه الصورة هو الغاء هذا الحق دستوريا وقانونيا واعتبار القائمة التي تفوز باكبر عدد من مقاعد مجلس النواب بعد حصولها على اكبر عدد من اصوات الناخبين هي صاحبة الحق بتشكيل الحكومة وبالتالي فان صورة الحكومة ستكون محسومة لقائمة معينة قبل البدء في جلسات البرلمان مما يزيل الكثير من اسباب النزاعات ويوفر الانسابية للعملية السياسية ويسرع بشكيل الحكومة وهو مطلب اساسي للجماهير
ان تقليل عدد القوائم التي يحق لها الاشتراك في الحكومة كما ذكرناه في الفقرة السابقة والتحديد المسبق للقائمة صاحبة الحق بتشكيل الحكومة يقلل عدد الاطراف التي تتفاوض على تشكيلها ويمنع القوائم الكبيرة من التسابق نحو القوائم الصغيرة لقلب الموازين تحت قبة مجلس النواب وبالتالي يقصر فترة المفاوضات ويقلل فرص المساومات والتنازلات وتوزيع المناصب الحكومية بين القوائم وفق الانتماءات المكوناتية والاصطفافات المصلحية التي تصاحب عادة عملية تشكيل الحكومة في حالة حرية تشكيل الكتل بعد الانتخابات.
* هذه المقالة مستلة من كتابي (الديمقراطية التوافقية العراق انموذجا ) الذي صدر عام 2011 في بغداد