17 نوفمبر، 2024 9:25 م
Search
Close this search box.

الديكتاتورية والديموقراطية والعلاقة الخفية

الديكتاتورية والديموقراطية والعلاقة الخفية

الديموقراطية هي اداة لتحديد الحاكمية وتقنين واجباتها والمدة المسموح لها بممارسة الحكم …وهي نتاج فكر فلسفي تطور في مجتمع مدني متحضر لكنه وثني لم يكن يعرف مفاهيم التوحيد والحاكمية الالهية …كان ذلك في اليونان وقتها كانت تعتبر طفرة نوعيه في ادارة الحكم المدني ..لكن بالحال فطن الفلاسفة الى موطن الخلل فيها وهو غلبة الكم على النوع عند اتخاذ القرارات خصوصا في مجلس السيناتورات.. هذا ما صرح به ارسطو.
بعدها بدأت اديان التوحيد تنزل تباعا الى الارض وأخذت الحاكمية تأخذ قدسيتها من مواردها الإلهية حاكمية مصدرها الله تعالى ومستخلف عليها الانبياء والرسل والاوصياء الصالحين وعندما غيب هؤلاء وانتهى دورهم قفز الى الحاكمية الأفاكون الدجالون ادعوها لأنفسهم بتكليف إلهي باطل فاستغلوها ابشع استغلال مستفيدين من جهل العامة وخوفهم الفطري من الرب المعبود .لذلك تجد في كل دين سماوي يخرج سامري يقبض قبصة من أثر الرسول. فيخرج لهم جسدا عجلا له خوار فيقول للناس هذا ربكم فاعبدوه..على هذا النمط جرت الحال لدى اليهودية والمسيحية والاسلام…فعانت ماعانت البشرية من احبار اليهود وجهل وظلم الكنيسة والخلافة الاسلامية بعد امير المؤمنين علي…
وعندما احست البشرية بثقل حاكمية الدين الباطلة وليست الحقيقية ..ظهر نوعان من الحاكميات…الاول هو اسر نبيلة قرأت التاريخ بشكل جيد فوجدت انه لابد من مرجعية سماوية يتعاطف معها الناس مع استنساخ للنمط اليوناني في ايجاد مجالس اللوردات والسيناتورات والبرلمان لإضفاء الشرعية لهذه الاسر…هذه الاسر ادعت انها سلالات سماوية فأضفت لنفسها هالة القداسة ثم انشأت جهاز تنفيذي بنموذج انتخابي ديموقراطي محدود بين طبقة النبلاء..او موسع بين افراد الشعب .ومن هذه الاسر ذات النسل السماوي اسرة آل بوربون التي حكمت انكلترا واسبانيا وفرنسا. وآل هوبسبرغ في المانيا والنمسا والمجر وآل رومانوف .في روسيا كل هذه الاسر قيدت نفوذ الكنائس وحبست الدين فيه وأوجدت ديموقراطيات محدودة مسيطر عليها بدكتاتوريات ملكيه مصونة غير مسؤوله لان مصدرها إلهي..أذن النقطة الأساسية فيها هو استغلال الخوف الفطري الاثني لدى جموع الناس من السماء .فالأسر التي اشاعت العدل بين رعاياها ورعت مصالحهم استقرت ديموقراطيتهم وحاكميتهم وعلى قرون كما في بريطانيا والسويد وهولندا والدنمارك وفنلندة…
اما الاسر التي استبدت واشاعت الظلم والاستبداد واستغلت الانسان ابشع استغلال فقد انهارت على ايدي الحركات الثورية في غرب اوروبا والبلشفية في شرقها .لتقام هناك نمط من الديموقراطيات الموجهة اما بدكتاتورية الحزب الراديكالي الواحد كما هو الحال في الدول الشيوعية…او ديكتاتورية رأس المال الذي يحتاج الى ديموقراطية كومبارسيه تنفذ مآربها في السيطرة على الاقتصاد دون ان يعترض عليها احد لأنها جاءت بشرعية صناديق الاقتراع …هكذا اذن وعلى مر التاريخ لابد للديموقراطيات من ديكتاتوريات مبطنه اوظاهره تحميها اوتوجهها…
واذا اردت ان اضرب مثالا للديمقراطيات المحمية والموجهة في الباطن براس المال المتنفذ فاقرب مثالا لذلك هي الديموقراطية الامريكية والايطالية والفرنسية كنمط فيه نوع من الايادي الخفية المتحكمة فيه دوما والمعارض له معرض للتصفية باي شكل كان…..ولا اريد غمط حق ديموقراطيات مضيئة قامت على اسس اسر امبراطورية كديموقراطية اليابان وماليزيا .. وديموقراطية المثل العليا التي قامت غرب اوربا على يد احزاب اشتراكية اعتنقت فكرة عدالة اقتسام الرفاهية في المجتمع الرأسمالي كاشتراكية فرنسوا بوليفار.. والاشتراكية الاسبانية… كما انه لابد لي من الاشارة بمفخرة التجارب الديموقراطية الاشتراكية المسيسة بفكر الحزب الواحد عندما اشير الى ديموقراطية سلفادور اليندي التي ارست مفاهيم العدالة الانسانية في بلد سحقته الرأسمالية ايما سحقه في طرف الارض الجنوبي الا وهو شيلي لكن ابت القوى العظمى المزيفة للديموقراطية ان تتحمل طهر هذه التجربة فوأدتها بمهدها….اذا الفكرة التي اريد ايصالها هنا ان الديموقراطية هي واجهة براقة للحاكمية تبهر الجميع لكن في الواقع هي منفذه لإرادات دكتاتورية محلية او عالمية تجميها وتروجها كإيمان انساني عولمي نحو هدف اكبر …
واعود من جديد فأنوه انه عندما ارادت القوى الخفية السيطرة على العالم كان لابد من تحديد هدف مشروع مقبول للجميع وايجاد الوسيلة المنفذه الفاعلة لبلوغ الهدف… فكان الهدف المشاع هو اقامة العولمة العلمانية لكل اهل الارض بما توفره من امن واستقرار ورفاهية لكل البشر… اما الوسيلة فهو توحيد نظم الحاكمية لجميع بلدان الارض بإرساء مفاهيم الديموقراطية في الفكر المجتمعي…. ولم تكن هناك مشكلة في التنفيذ في الدول الاوربية التي استقرت اوضاعها منذ قرون عدة ثم عانت من حربين كونيتين بسبب انظمة الفرد الواحد المستبدة لذلك فتحت اوسع الابواب لدخول الديموقراطية واعتناقها…… اما المشكلة الكأداء فكانت في المجتمعات الشرق اوسطية ذات التراث الاثني العرقي الضارب في عمق التاريخ…. والتي اعتادت على وجود الحاكم بأمر الله الذي لا يجوز شرعا وعرفا بمخالفته.. لان في ذلك الكفر والخروج عن امر الله
لذلك كان التنفيذ على مرحلتين لإدخال الديموقراطية… الاولى اسقاط الخلافة الاسلامية بإسقاط الدولة العثمانية مع اسقاط الحاكميات التي تنتمي الى نسل رسول الله كالحكم الفاطمي في مصر والادريسي في ليبيا والهاشمي في الحجاز…. ثم ابداله بحكومات فردية مستبدة مقيتة لتخلق ردود فعل سلبية تطبعيه تجاه الحكم الفردي لتكون بعدها الديموقراطية التعددية هي الامل المرتجى لكل الشعوب العربية والشرق اوسطية…. ولكي تشق هذه التجربة لابد لها من حام اممي على شكل مجلس الامن والامم المتحدة وشرطي دولي واحد اوحد يؤسس برنامج القطب الدولي الواحد وهو امريكا… اضف الى ذلك ان رفض الفردية والتعود على كرهها بتجارب تطبيعيه بافلوفية له هدف اخر مستتر اعرج عليه لاحقا
واذا امعنا النظر في ديموقراطيات الشرق الاوسط سنجدها محمية بدكتاتورية الجيش في تركيا ودكتاتورية القضاء في الهند وباكستان ودكتاتورية الاسر الملكية الحاكمة في الكويت والسعودية وقطر والامارات والاردن وعمان والمغرب وديكتاتورية ولاية الفقيه في ايران ان صح التعبير… والسعي جار لحماية ديموقراطية مصر بدكتاتورية الجيش من جديد بعد ان كاد ان ينفرط عقد الدولة على يد دكتاتورية ولاية الفقيه السنية بأيدي الاخوان المسلمين
اما في المجتمعات الاخرى التي خلت الساحات فيها من اي دكتاتورية فاعلة مرشحة لإسناد الديموقراطية فان التجربة تعثرت فيها اي تعثر سواء كان المجتمع متحضرا او متخلفا وليس اقرب من ذلك من ديموقراطية العراق واليمن وليبيا وتونس وموريتانيا وقبلهم جميعا الصومال وحتى لبنان
وفي العراق الذي لا يمكن ان اتهم مجتمعه بالتخلف باي حال لا تعصبا لكن من باب ادراك العمق الثقافي والحضاري فيه دخلت الديموقراطية بحاميها الامريكي على شكل صدمة مجتمعية قوضت الدولة وليس النظام وفتحت الابواب مشرعة للحابل والنابل لفرض اطروحته بالحكم مع خلفية تعدد الولاءات للعرق والدين والمذهب والطائفة والقبيلة ناهيك عن التبعية للأجنبي بشكل مسلوب الارادة… وحتى المتعلمين والعلمانيين اعتنقوا العلمانية بوجهها المسفر المسفهة للدين والعقائد وليس بوجهها المحايد المعتنق للمثل السامية العليا مهما اختلفت الاديان والعقائد فكان مردود نتاجها اسوءا ما يكون على العملية الديموقراطية والمجتمع…. اذن اصل العلة ليس في تخلف المجتمع بل بغياب الديكتاتورية الخفية الحامية للديموقراطية … وحسب النسيج الواقعي المجتمعي للشعب العراقي لايمكن ايجاد مثل هذه الدكتاتورية وترشيحها من جهة الاحزاب او القبائل او المرجعيات الدينية وحتى الجيش ويسري ذلك الى القضاء
خلاصة القول الديموقراطية تحتاج الى دكتاتورية ظاهرة اوخفية لحمايتها… وتحتاج الى اشاعة العدل لديمومتها ولايمكن باي حال من الاحوال القاء اللوم على تخلف المجتمع مادام توفر هذين الشرطين لحمايتها القوة الديكتاتورية باي شكل ووجود العدل
واقول ولايزعل مني اي وطني ان الديموقراطية تعثرت وانتكست في العراق بشكل واضح بعد خروج الامريكان الظاهري من دون ايجاد جيش مستقل لحمايتها او قضاء عادل صارم يحميها ونحن بانتظار ما تتمخض عنه الانتخابات القادمة لتقييم ديموقراطيتنا
واخر مقالتي كما وعدت فان محاربة الحكم الفردي واتاحة المجال للتجارب المريرة له في العراق وليبيا ورومانيا وقبلها لهتلر وموسو ليني وحتى نابليون .. انما هو برنامج اممي خفي يربي المجتمع العالمي الاممي على رفض الفردية من خلال التجارب المريرة ليكون جاهزا وبإصرار لرفض حكم الفرد الواحد عند ظهور المخلص في المجتمع اليهودي والمسيحي الذي يعتقد بعودة المسيح او المسلم المعتقد بالمهدي المنتظر والذي باي مسمى سيقيم دولة العدل الالهي كما تشير النبوءات التلموديه الانجيلية التوراتية والقرآنية… حيث ان هذا المشروع الالهي هو الخطر الحقيقي على دولة العولمة المزمع اقامتها من قبل النورانيين كما يحلو للبعض التسمية …

أحدث المقالات