23 ديسمبر، 2024 6:00 ص

الديستوبيا في أدبيات الروائي المعاصر” جورج أورويل “!؟

الديستوبيا في أدبيات الروائي المعاصر” جورج أورويل “!؟

توطئة / الدستوبيا تعني التراكم الكمي والنوعي للمخرجات السلبية للحكم الشمولي الدكتاتوري في ظهور بصمة ( المدينة الفاسدة ) وهي عكس اليوتوبيا ( المدينة الفاضلة ) وعُرفتَ آراء هذا الروائي الأسطورة من خلال آراءهِ الثاقبة المتسمة بالواقعية السحرية بروائي القرن العشرين والمعروفة بالمصطلح (الأورويلية )والذي كان لهُ التأثير المباشر على السياسة البريطانية والثقافة الشعبية كألفاظ جديدة وعديدة من أبتكاراته مثل : التفكير المزدوج والحرب الباردة وجريمة الفكر وبوليسية الفكر حيث ظهرت واضحة في روايتيه المشهورتين (رواية 1984والتي نُشرت عام 1949ورواية تحية لكاتالونيا 1938 والتي دافع عن أفكارهِ من خلالهما حيث قدم فيهما صورة مأساوية تبثُ الديستوبيا بتوجه أقتحامي جريء فاضحا الحكم الشمولي الذي يحصي الأنفاس على الأفراد بتهم جاهزة غايته ترويج ثقافة الخوف ربما خوف الزوج من زوجته أو من أمه بعد تخوين أعضاء الحزب وتحويلهم إلى جواسيس على أفراد المجتمع ، وكانت روايات هذا الأديب الأنكليزي أورويل تتأثر بما هو سائد في المجتمع الأنكليزي والأوربي الغربي وحتى عموم جغرافية الشرق أوسطي من أهانة الأنسان وسحق روحهِ ومصادرة حرياته والتعامل معهُ بوليسيا والتي هي من أتعس مخرجات الحكم الشمولي وتكاد تكون (الثيمة) البارزة في رواياته التي هي (الدستوبيا ) ، وأفكاره المعارضة هذه تمحورت إلى ظاهرة عالمية بأمتياز في أدبيات الزمن المعاصر في القرن العشرين والواحد والعشرين للكتابة عن العالم الدستوبي الذي أنهارت فيه القيم الحضارية بسبب القبح المعماري للثقافة الرأسمالية المتوحشة والتي تسيدت بتمحورها بالقطب الواحد بعد غياب دولة الأتحاد السوفياتي ، آراء أورويل الكفاحية أصبحت دافعاً للبحث لأدباء وباحثي عصره وما تلاه عن المدينة الفاضلة ( اليوتوبيا ) في سوسيولوجية المجتمع الأنكليزي ، وتأثر أورويل بما يسود في العالم من سيادة السياسة السلطوية الشمولية وأهانة الأنسان وسحق روحه المعنوية ومصادرة حرياته والحبس بالشبهات فكتاباته الثورية هذه نمت وأخذت تسرع في الأنتشار بأتجاه جغرافية الغرب الأوربي ومناطق الطاقة دول الشرق أوسطي برفض الديستوبيا السياسية والتي أتضحت بثورة تموز 1958 في العراق وثورة 1952 يوليو في مصر ومن السمات الأيجابية لهذا ( المفكر ) الحكيم أصبحت من المظاهر الثقافية للقرن العشرين المعصرن والحداثوي الذي تبناهُ المفكر “أورويل” .
الموضوع : إن صانعي القرن العشرين ( كثيرون ) منهم هتلر ستالين بيكاسو أنشتاين أنور السادات نجيب محفوظ وأم كلثوم وإلى ” جورج أورويل ” ولكن قلّة هم من عبروا عن ضمير القرن العشرين وعلى رأسهم الروائي والكاتب والمفكر” جورج أورويل ” (مقتبس من كتاب شخصيات لها تأريخ للكاتب السوري جلال أمين ) .
فعلا فتح لنا هذا الكتاب مقاربات تأريخية ببصمات قامات سياسية وأدبية وثقافية وفنية في السفر العربي والعالمي وبخط وأنفاس كاتب ومؤلف يحمل من الوطنية وعشق الأنسنة والحرية والكلمة الحرّة وذوشخصية مستقلة متسمة بالحكمة والمنطق السليم حيث أجمع كتاب وأدباء ونقاد الزمن المعاصر للقرن العشرين بتسميته ب ” متنبي الغرب ” حقاً يليق بهِ ( التماهي) بالمتنبي بمحاكاته فلسفيا وأدبياً وحكمة القول ونافلة المعاني وهو يقول في بعض من حكمهِ : كيف يؤكد الأنسان سلطتهُ على أنسان آخر ويجعله يقاسي الألم ؟! ويقول: الأحتفاظ بالسلطة لا يأتي عن طريق التوفيق بين المتناقضات ، وهل يغيب القمر في حكم المتنبي (—- على قدر أهل العزم تأتي العزائمُ ).
ومن سيرته الثورية وتوجهاتهِ اليسارية مثّل الغرب الأوربي من قبل حزب العمال الماركسي البريطاني اليساري كمتطوع وهو القائل : جئت إلى هنا لأقاتل الفاشية الفرانكوية ، حيث وضعته صحيفة التايمز البريطانية في قائمة أعظم 50 كتاب بريطاني منذ عام 1945في كتابهٍ تحية لكاتالونيا يصف فيه ممارسات الحكم الأستبدادي والشمولي (بتسليع) الأنسان وسلب إرادتهٍ والتي أنتشرت تأثيراتها الثقافية الحداثوية في الثقافة البريطانية والعالمية ( ويحكي الكتاب حياة كاتب بريطاني يرتدي جلباب التقدمية والدفاع عن آدمية البشر في تجليات التطوّع الشخصي لمحاربة الفاشية ألا هو ” جوج أورويل ” المتواجد في كاتالونيا تلك البقعة الساخنة ليصرح بوضوح الحرف { أني جئتُ لأحارب فرانكو وأعوانه } ، وأنظم ” أورويل ” لاحقاً ألى ثكنة لينين الأكثر سخونة في برشلونه وأخترقت رصاصة قناص عنقه وحينها أفقدت صوته ، وعولج في مشفى الأحزاب الشيوعية في جبهة ( أراغون ) ، وكانت لهُ صلات وعلاقات ودية لتلك المشتركات والمقاربات الفكرية اليسارية الثورية في محاربة الفاشية ودحر التعصب الأثني ، وشهدت له خنادق سرسقطة ولوسمناجروس بمنطقة أراجون ، شمال شرق أسبانيا من عام 1936 .
– وخلدتهُ روايته” 1984 ” بتأليفها عام 1946التي ( أرخنت ) تلك الموجة الثقافية ( الأورويلية ) بأمتداد تأثيراتها متجاوزة الزمكنة البريطانية نحو مساحات جغرافية واسعة من العالم وشخصنت هويته وعنوانه لأنه وضع فيها سيناريو مرعب عن تغلغل الأنظمة الدكتاتورية على حياة وواقع الأنسان ،وأنها أصبحت مرافعة قانونية ضد الطغيان وأحتجاج صارخ ضد أهدار كرامة الأنسان ، وأثبت ” أورويل ” أنه ليس فقط روائي وكاتب بل “مفكر” سياسي يؤكد بعد 38 سنة مستقبلية قادمة يتنبأ بنبوءة زمكنية متكاملة مذهلة لما سوف تؤول أليه الحياة بسوسيولجية جمعية سوداوية ظلامية مشؤومة بحكومات الطغيان والأستبداد ، محتقرة للعقد الأجتماعي لروسو ، والحيثيات القانونية للمجتمع الدولي ، وفعلا عاش العراقيون جمهورية الخوف ومحارق الحروب القسرية العبثية ، والمقابر الجماعية وأحواض التيزاب , ذلك الحكم البعثي الشمولي والذي دام ل35 عاما وسميت بالحقبة الصدامية ، ولم تكن البلاد العربية أحسن حالا بل عانت المزيد من الظلامية وكم الأفواه ، وأحسن من وصف هذا العهر السياسي العربي هو شاعر الياسمين والسكين ” نزار قباني ”
مواطنون — دونما وطن
مطاردون كالعصافير على خرائط الزمن
مقتلعون نحنُ كالأشجار من مكاننا
عيوننا تخافُ من أصواتنا
مسافرون في سفينة الأحزان
وشيخنا قرصان
مسافرون خارج الزمان — والمكان
وخبزنا مبلل بالخوف والدموع
معتقلون داخل النص الذي يكتبه حكامنا
معتقلون داخل الدين كما فسره أمامنا
مراقبون نحن في المقهى — وفي البيت
وفي أرحام أمهاتنا
يا وطني كل العصافير التي تحترف الحرية
فهي تموت خارج الأوطان
————————————–
أديب وباحث عراقي مقيم في السويد
في كانون أول 22
مصادروهوامش البحث
-جورج أورويل – روايته 1984ترجمة الحارث النبهان
– جورج أورويل-روايته الحنين إلى كاتالونيا 1938- ترجمة وتحقيق عبدالرحمن حسن – دمشق –وزارة الثقافة السورية
– كتاب شخصيات لها تأريخ / للكاتب السوري جلال أمين