10 أبريل، 2024 11:15 م
Search
Close this search box.

الدية الشرعية والعرف العشائري

Facebook
Twitter
LinkedIn

الدية الشرعية والعرف العشائري
كثر الحديث حول العرف العشائري في الدية الذي أصبح أي العرف العشائري هو البديل للدية الشرعية المقدرة في كتاب الله وسنة رسول الله “ص” حتى جاز لبعضهم أن يسموه ” بالدية العشائرية ” ويلاحظ أن الحديث يتشعب منطلقا من كمد وحزن وخسارة الضحية ” المقتول ” ولا سيما من جراء حوادث السير التي كثرت ومن جراء الخطأ في أستعمال السلاح وألادوات الجارحة , ومع هذه الحوادث يقع كذلك القتل ” العمد ” وكل هذه الحوادث أصبحت تحسم بالحكم العشائري الذي يسمونه ” العرف العشائري ” ويسمونه ” السانية العشائرية ” .
ومما أود التأكيد عليه هنا ونحن في بداية الحديث عن موضوع هام من مواضيع وأهتمامات المجتمع العراقي الذي أصبح يؤثر على حياة ومستقبل ألآولاد وألارامل الذين يتركهم القتيل لاسيما عندما يكون هو المعيل الوحيد للعائلة , أن هذه ألايقاعات تجري بحسن نية يتوخى القائمون عليها والمشاركون بها التوصل للصلح بين الطرفين الذين يهمهم أمر ” الدية ” , ولكن كما سنرى أن هناك أجحافا بحق القتيل وذريته حيث أصبحت ” الدية ” لاتمثل الحكم الشرعي في مثل هذه الحوادث , وسنرى تفاصيل الحكم الشرعي في القصاص والديات والحدود والتعزيرات , حتى نضع في خدمة القراء والمتابعين شيئا من الثقافة القانونية بمعناها الشرعي في أطار حاجة الناس العصرية للتعامل مع حكم السماء .
ولقد سألني  بعض رؤساء العشائر في مؤتمر عشائري عام 2004 ومنهم الشيخ حاتم نايف الجريان رحمه الله والشيخ ماجد عن صحة مايقوم به رؤساء العشائر من تقدير الدية العشائرية بطلب من الناس في الوقائع والحوادث التي تتسبب في وفاة ألاشخاص  وأغلبها تقع تحت عنوان ” القتل غير العمد ” الخطأ ” .
وقد أجبتهم في وقتها أذا أخذتم بنظر ألاعتبار بيان الحكم ألالهي في تقدير الدية التي سأذكرها مع بيان ما أعطي ولي الدم ” ولي ألامر ” من صلاحية أخذ كامل الدية أو بعضا منها أو العفو والتنازل عنها كليا برضاه فله ذلك لاسيما في القضايا التي تحدث للصبيان وألاطفال الذين لم يتحملوا بعد مسؤولية عائلة .
ثم قلت لهم أن أجريتم ” السانية العشائرية ” أو العرف العشائري ” بعنوان  رضا ولي ألامر بعد تحديد نصاب الحكم الشرعي فلا أشكال في ألامر وعملكم صحيح  ومبرأ للذمة , أما أذا أجريتم ذلك على أنه من تقديركم ورأيكم بناء على العرف العشائري  دون أن تذكروا الحكم الشرعي ونصابه , فعملكم باطل وغير مقبول لآنكم بذلك تعطلون حكما من أحكام الله ؟
ونصاب الحكم الشرعي في كل من :-
1- القتل العمد :  مائة بعير من مسان ألابل , أو مائتا بقرة , أو مائتا حلة من برود اليمن , أو ألف دينار شرعي , والدينار الشرعي ثلاثة أرباع مثقال الذهب ومثقال الذهب أربعة غرامات ونصف الى خمسة غرامات من الذهب , أو عشرة ألاف درهم , وتستأدى في سنة واحدة – شرائع ألاسلام ج8 ص 273 – الشيخ أبي القاسم نجم الدين محمد بن الحسن الهذلي – المحقق الحلي –
2-  دية شبه العمد : ثلاث وثلاثون بنت لبون , وثلاث وثلاثون حقة وأربع وثلاثون ثنية طروقة الفحل ” البالغة ” وتستأدى في سنتين – شرائع ألاسلام ج8 ص 274 –
3-  دية الخطأ  : عشرون بنت مخاض وعشرون أبن لبون  , وثلاثون بنت لبون , وثلاثون حقة , وتستأدى في ثلاث سنين وهي على العاقلة ” أي العشيرة  – شرائع ألاسلام ج8 ص 276 –
ومن الضروري أن يعرف القراء أن القتل في ألاحكام الفقهية التي أستندت الى القرأن الكريم وقد أشرنا اليها في تسع أيات موزعة بين كل من سورة –
1-  سورة البقرة
2-  سورة النساء
3-  سورة المائدة
وكذلك أستندت الى السنة النبوية التي ترجمت معاني القصاص والدية والحدود والتعزيرات ونصاب كل منها لآن النص القرأني ذكر الحكم مجملا والسنة فصلته , كما في الصلاة , وكا في الصيام وفي الحج  والزكاة والخمس .
والسنة النبوية  الشريفة هي التي قسمت القتل الى :-
1-  القتل العمد  : وفيه القصاص
2-  القتل شبه العمد
3-   القتل الخطأ
وسأستعرض ألايات القرأنية الكريمة التي تحدثت عن القصاص وأعتبرت  أن حكم الله في مثل هذه الحوادث هو الذي يجب أن يطبق مصداقا للعدل بين الناس وترجمة للآمانة التي كلف بها الجميع .
 
يا أيها الذين أمنوا كتب عليكم القصاص في القتل الحر بالحر والعبد بالعبد وألانثى بألانثى فمن عفي له من أخيه شيئ فأتباع بالمعروف وأداء اليه بأحسان ذلك تخفيف من ربكم ورحمة فمن أعتدى بعد ذلك فله عذاب أليم ” – 178- البقرة-
ولكم في القصاص حياة ياأولي ألالباب لعلكم تتقون ” – 179- البقرة –
أن الله يأمركم أن تؤدوا ألامانات الى أهلها وأذا حكمتم بين الناس أن تحكموا بالعدل أن الله نعما يعظكم به أن الله كان سميعا بصيرا ” – 58- النساء –
فلا وربك لايؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم ثم لايجدوا في أنفسهم حرجا مما قضيت ويسلموا تسليما ” – 65- النساء –
أنا أنزلنا اليك الكتاب بالحق لتحكم بين الناس بما أراك الله ولا تكن للخائنين خصيما ” – 105- النساء –
يا أيها الذين أمنوا كونوا قوامين للله شهداء بالقسط ولا يجرمنكم شنئان قوم على أن لاتعدلوا أعدلوا هو أقرب للتقوى وأتقوا الله أن الله خبير بما تعملون ” – 8- المائدة –
أنا أنزلنا التوراة فيها هدى ونور يحكم بها النبيون الذين أسلموا للذين هادوا والربانيون وأحبار بما أستحفظوا من كتاب الله وكانوا عليه شهداء فلا تخشوا الناس وأخشون ولا تشتروا بأياتي ثمنا قليلا ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هو الكافرون ” – 44- المائدة –
وكتبنا عليهم فيها أن النفس بالنفس والعين بالعين وألانف بألانف وألاذن بألاذن والسن بالسن والجروح قصاص فمن تصدق به فهو كفارة له ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الظالمون ” – 45- المائدة –
وليحكم أهل ألانجيل بما أنزل الله فيه ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الفاسقون ” – 47- المائدة – 
وبعد أن أطلعنا على سياق ألايات القرأنية  الكريمة والتي عرفنا من خلالها أن من لم بما أنزل الله يكون تحت المعاني التالية من المخالفة :-
1-  الكفر بحكم الله تعالى
2-   الفسق عن حكم الله تعالى
3-  الظلم للنفس وللناس نتيجة عدم تطبيق ما أمر الله به من أحكام .
ثم عرفنا أن الحكم بغير ما أمر الله به ليس فقط في مسائل الحكم بمعنى ” السلطة ”  وأنما بكل شيئ ينتمي الى الحكم بين ألافراد في المسائل التي تخص شؤون حياتهم مثل التعيينات والترقيات والمكافأت وتوزيع الضرائب وتوزيع الثروة , وتقسيم الحصص المائية في المزارعة وحصص العلف للدواجن والمواشي ثم في قضايا القضاء بما يضمن العدل بين الناس .
ومن العدل الذي دعت اليه ألايات القرأنية هو العدل والحكم الصحيح في القصاص والديات والحدود والتعزيرات .
وما يهمنا هنا هو الحكم الشرعي في موضوع دية القتل غير العمد ” الخطأ ” الذي يكثر في حوادث السير , وفي أطلاق الرصاص العشوائي في مناسبات ألافراح مثل الزواج , والمناسبات الوطنية وفوز الفريق الرياضي في ألالعاب الدولية .
وقد بينا نصاب دية القتل الخطأ وغير العمد وهو أغلب مايقع اليوم وتكثر حوادثه .
ولقد نقل لنا أكثر من طرف ممن تعرضوا لفقدان من يتصل بهم بالرحم من ألابناء وألاباء وألاخوة الى حوادث القتل الخطأ كحوادث السيارات وألاطلاق العشوائي للرصاص  أو سوء أستعمال ألالات الجارحة مثل كل من :-
1-  السيف
2-  الخنجر
3-  السكين
4-  بقية ألالات الجارحة
5-  سوء أستخدام المواد السامة
6-  سوء أستخدام ألادوية 
7-  الجراحة الطبية وأخطاؤها
8-  قصف الطيران الحربي خطأ
9-  القصف المدفعي خطأ
وقد يلاحظ البعض أن نصاب الدية في ألاسلام مبالغ فيه ويسبب للجاني حرجا وأرهاقا ماليا ؟
وهذا الرأي مردود للآسباب التالية :
1-  أن دية القتل الخطأ تدفعها العاقلة وليس الجاني
2-  أنها لاتدفع فورا كما يحدث وأنما على ثلاث سنوات
3-   أنها مخففة في نصاب ألابل ففيها كل من :-
أ‌-       عشرون بنت مخاض
ب‌-                      عشرون أبن لبون
ت‌-                      ثلاثون بنت مخاض
ث‌-                      ثلاثون حقة
بينما في القتل العمد كامل عدد ألابل المائة بالغة , وتدفع من قبل الجاني , ولمدة سنة واحدة .
ثم أن الشريعة ألاسلامية في قانونها هذا تراعي أمرين هما :-
1-  تشديد العقوبة حتى لايستهين بها الناس
2-  ضمان مصدر مالي للآطفال وألاولاد غير البالغين وألارامل التي يتركها رب العائلة ” المقتول ”
ولنا أن نعرف أن الدية في العرف العشائري وصلت في بعض الحالات الى مستويات معيبة لاتتناسب مع كرامة ألانسان حيث بلغت بعض الديات  كما أخبرني من حضر وقائعها الى حدود ” مليون ونصف مليون دينار عراقي وهو مبلغ زهيد لايساوي قيمة تكاليف “مجلس الفاتحة  ” .
وسبب هذا التدني في نصاب الدية العشائرية هو كل من :-
1-  ألاعراف العشائرية وهي في أغلبها لاتأخذ بعين ألاعتبار نصاب الدية الشرعية في القانون ألاسلامي ” فقه القصاص والديات ”
2-  غلبة المحسوبيات والمنسوبيات على مجالس حسم نصاب دية القتيل , وهذه المحسوبيات تتمثل في كل من :-
أ‌-     حضور بعض السادة الذين ينتمون بالنسب الى أهل البيت عليهم السلام ثم الى رسول الله “ص” عن طريق فاطمة الزهراء , ورغم أن رسول الله قد قال : أتوني بأعمالكم وليس بأنسابكم ألا أن طغيان هذه الظاهرة في المسائل ألاجتماعية تأخذ مدى يتجاوز الحدود الشرعية أحيانا حتى وصل ألامر ببعض ألاسر أن لاتزوج بناتها لغير السيد في عرفهم وهو حرام من الناحية الشرعية ألاسلامية حيث قال رسول الله “ص” :
” أذا جاءكم من ترتضون دينه فزوجوه ”
ب – حضور بعض رؤساء العشائر وتدخلهم في التنقيص من ” الدية ” معتبرين ذلك من باب الوجاهة لهم  بين الحاضرين ولو على حساب حق من يرث ” المقتول ”
ج – حضور بعض الوجهاء الذين يجلبهم أهل القاتل ” الجاني ” في سبيل التدخل لدى أهل ” المقتول ” للتنقيص من نصاب ” الدية”
التي قلنا نتيجة هذه التدخلات تصبح أحيانا لاتساوي تكاليف مصروفات ونفقات مجلس الفاتحة ؟
وبهذه المناسبة لابد من القول أن مجالس الفواتح عموما يلاحظ عليها مايلي :-
1-  ميل البعض الى ألاسراف بدون مبرر
2-  يطغى على أغلب مجالس الفواتح ألاهتمام بالجوانب المادية والمظاهر الشخصية دون الحرص على الجوانب الشرعية وما ينعكس على روح المتوفي .
3-  لايبدو في الكثير من مجالس الفواتح أحترام خصوصية الموت والميت , فقراءة القرأن لايستمع لها , وينشغل الحاضرون بأحاديث الدنيا بحيث لايصغون الى مايقرأ من القرأن ؟
4-  تصرف فيها أموال كثيرة ربما تكون عائلة المتوفى بأمس الحاجة لها وهذا هو ألانفاق غير المحبب والمرفوض والذي قالت عنه ألاية القرأنية المباركة :
 ”  والذين أذا أنفقوا لم يسرفوا ولم يقتروا وكان بين ذلك قواما ”
ومن الملاحظات التي نقدمها في هذا السياق هو أن الله تعالى الذي فرض هذا النصاب من الدية هو أعرف بخصوصيتها وفوائدها وأسرارها منا لآنه ألاعلم بمستقبل مايتركه الضحية ” المقتول ” من عائلة فيها الصغار وألاولاد والشباب والبنات وماينتظرهم من حوادث ومتطلبات , ومن هذا المعنى لايجوز ألاعتراض على نصاب الدية الشرعية بملاكها التام .
ثم لماذا لاننظر في عصرنا هذا ماتأخذه الدول من أموال كتعويض عن قتلاهم كما جرى في حادثة ” لوكربي ” حيث أجبروا النظام الليبي في وقتها ” أيام معمر القذافي ” من دفع تعويضات لضحايا طائرة لوكربي ” عشرة ملايين دولا للشخص الواحد , وكذلك لو تذكرنا التعويضات التي فرضت على العراق بعد حادثة غزو الكويت وكيف بالغوا فيها مما جعل العراق يئن تحت الفصل السابع الى ألان مع فاتورة ديون طويلة ومكلفة ؟
وفي نفس الوقت أذا تذكرنا كيف كان ألامريكيون أيام ألاحتلال يعوضون ضحاياهم من العراقيين كما جرى في ضحايا أبناء مدينة ” المحمودية ” والذين دفع ألامريكيون تعويضا مهينا لعوائلهم قدره ” 2000 ” دولار للشخص الواحد ؟
أذكر هذه الحوادث والوقائع المؤلمة عما جرى للعراقيين من عدم عدالة وسوء معاملة تخل بكرامة ألانسان الذي هو أكرم مافي الوجود عند الله تعالى .
والخلاصة نوصي جميع أخواننا وعشائرنا ومن يشاركون في مجالس الديات أن يتذكروا حكم الله في مثل هذه الحالات وأن لايجتهدوا بأرائهم الخاصة فيقعوا في ألاثم والمخالفة , ونذكرهم بالقاعدة الفقهية :” لا أجتهاد في مقابل النص ”
رئيس مركز الدراسات وألابحاث الوطنية
[email protected]

مقالات اخري للكاتب

أخر الاخبار

كتابات الثقافية

عطر الكتب