23 ديسمبر، 2024 12:24 م

الدون كيشوت نوري المالكي

الدون كيشوت نوري المالكي

” دون كيشوت هو رجل نحيف طويل قد ناهز الخمسين ،  متوسط الحال يعيش في احدى قرى اسبانيا ابان القرن السادس عشر لم يتزوج من كثرة قراءاته في كتب الفروسية كاد يفقد عقله وينقطع ما بينه وبين الحياة الواقعية ثم يبلغ به الهوس حدا يجعله يفكر في ان يعيد دور الفرسان الجوالين وذلك بمحاكاتهم والسير على نهجهم حين يضربون في الارض ويخرجون لكي ينشروا العدل وينصروا الضعفاء، ويدافعوا عن الأرامل واليتامى والمساكين “.

لا اعرف لماذا تذكرت هذه الرواية و أنا أستمع الى ” خطبة الوداع ” التي أتحفنا به السيد نوري المالكي و شرح لنا قصة الثمان سنوات العجاف التي ستبقى نقطة سوداء في تاريخ العراق و حزب الدعوة .

 لقد  كان متوقعا من السيد نوري المالكي  بعد أن تخلى عنه أقرب الناس اليه في حزبه و بعد أن قالت المرجعية كلمتها بأن لا ولاية ثالثة له و بعد أن قال الولي الفقيه في ايران ” كلا ” كبيرة له و بعد أن تواترت كلمات التأييد و الدعم للمرشح الجديد حيدر العبادي داخليا و إقليميا و دوليا ، كان متوقعا منه احدى الاحتمالين فإما أن يهدم المعبد و يستخدم نفوذه على القيادات الأمنية و العسكرية التي جاء بهم بنفسه و يعمل على تصعيد الأزمة و هذا فيه انتحار سياسي له و لحزبه ، و إما أن يحاول الخروج بأقل الخسائر ، و بعد شد و جذب و تهديد ووعيد إختار الاحتمال الثاني وهو الخروج بأقل الخسائر ، و لكن نرجسيته و غروره بالأصوات الكثيرة التي حصل عليها في عملية تشبه البيعة التي كان يحصل عليها خلفاء بني أمية و بني العباس عندما كانوا يستعملون كل وسائل الترغيب و الترهيب و وعاظ السلاطين من أجل جر الناس الى البيعة ، بالاضافة الى  سذاجته في السياسة جعلته يقع في مطبات كثيرة في خطبة الوداع نبين بعضا منها :

اولاً :

شبه نفسه بالإمام علي عليه السلام في سابقة لم يقدم عليها احد قبله  لتثبت نرجسيته التي قضت عليه .

ثانياً :

وجه الشكر الى العديد من الجهات ، الأمنية منها و العسكرية و غيرها و تجاهل عن سبق إصرار و تعمد  دور أصدقاءه في التحالف الوطني الذين أوصلوه الى منصب لم يكن يحلم بالحصول عليها في يوم من الأيام .

ثالثاً:

تجاهل تقديم الشكر الى المرجعية الذي لولا فتوى الجهاد الكفائي الذي اصدره لكان المالكي الان لاجئاً في إيران و لكانت كربلاء و النجف تحت سيطرة الدواعش ، و هذه إهانة متعمدة من المالكي للمرجعية الدينية ، و لا اعتقد أن هذا التجاهل سيمر مرور الكرام .

رايعاً:

صوّر للشعب بأنه يسحب ترشيحه لرئاسة الوزراء لصالح السيد حيدر عبادي في وقت لم يكن مرشحاً أصلا كي يسحب الترشيح .

خامساً:

دغدغة مشاعر الشارع بإيهامهم بأنه رجل الإيثار و محب للعراق و محافظ على العملية الديمقراطية و بأنه ليس من طلاب المناصب متناسيا عن جهل بأن ذاكرة الشعب ليست بهذا الضعف بحيث تنسى ما قاله في اليومين الماضيين و حالة الهستيريا التي إنتابته و الطاقم النسائي الذي معه ( حنان ، عالية ، مريم ) و إتهاماتهم للعبادي بأنه مرشح الدواعش ، فبالأمس كان العبادي داعشياً و اليوم رفيق درب و نضال فما عدى مما بدى ؟

خرج المالكي وكما يظن بأقل الخسائر و فور خروجه قامت المؤسسة الإعلامية التي يمتلكها على شكل قنوات فضائية و أقلام مأجورة بالتطبيل له و لمناقبه حيث شبهوه تارة بالحسين عليه السلام و بغاندي تارة أخرى و ربما غداً يخرج إلينا من يقول بأنه شاهد صورته في القمر ، و سيخرج إلينا محارباً طواحين الهواء و سيحشر أنفه في تشكيل الوزارة و سيضع شروطاً و ربما بكون قد وضع فعلاً  و  كل هذا يجري على مرآى و مسمع من بقية كتل التحالف الوطني فهل سيقبل المجلس الأعلى و تيار الإصلاح و المستقلون الذين أخرجوا المالكي بأن يقوم المالكي بتشكيل الوزارة بالريموت كونترول الذي هو السيد العبادي ؟ و هل سيقبل بقية الكتل السياسية في المشاركة في حكومة المالكي ( العبادي ) ؟ و هل سترضى دول الجوار الإقليمي و الدولي بهكذا حكومة ؟ و الأهم من كل ذلك هل يقبل ضحايا المالكي و ذويهم بأن يخرج المالكي منتصرا رغم كل ما جرى ؟ أسئلة نترك الإجابة عليها للقادم من الأيام .

أعتقد بأن  حقبة المالكي قد انتهت  و لكن لم ينتهي دوره في التأثير على القرار السياسي في  العراق  مالم يتم محاسبته على الجرائم التي أرتكبت في عهده ، و لا أظن أن تبديل الوجوه كافٍ للخروج من النفق المظلم الذي وضع العراق فيه ما لم يكن هناك تغييراً حقيقيا للنهج و طريقة إدارة الدولة بحيث تكون دولة المواطنة الحقيقية دون إقصاء و تهميش لأي طرف  …