الدول إما مضيئة أو معتمة , وأبناء الدول هم الذين يقررون ذلك , فالدول المعتمة تمتص أشعة الضوء , ولا تمتلك القدرة على عكس شعاع واحد منها , وتعيش خامدة هامدة , وفي موضات هذا الزمان المتأسد صارت تسمى بالدول الفاشلة أو المحطمة , وإن شئت الدول المقهورة المستلبة المستعبدة المحكومة بالدمى.
الدول المعتمة لا تنتج طعامها ولا تصنع حاجاتها ولا تبتكر أسلحتها , وتبقى عالة على الدول الأخرى في كل شيئ حتى تقرير مصيرها , فهي بلا سيادة ولا قيادة ولا حاضر ولا مستقبل , إنها دول متحللة تدور في مراجل الإتلاف الحضاري والخراب الإمحاقي.
وهذه الدول كعجينة يتم تشكيلها وفقا لإرادة المصالح والمطامع , والتطلعات والبرامج والمشاريع المرسومة في غياهب موائد الإفتراس اللذيذ المتوحش , الموشحة بالمُثل والقيم الإنسانية , وعليها يُلتَهم الأحياء بلا رحمة أو رأفة.
والعجيب في الدول المعتمة أنها لا تستطيع التمييز بين ما يضرها وينفعها , وتتحرك وفقا لردود أفعالها السقيمة المكلوبة لتحقيق أهداف وتوجهات المفترسين.
وفي العتمة الموجود يتعفن ويتفسد وتفوح منه روائح كريهة مقرفة , وهذا ما يدور في رحاب الدول المعتمة , التي تأسّن وتعفن فيها ما يمت بصلة إليها.
أما الدول المضيئة فتشع وتتوهح وتسعى نحو إنارة أكبر مساحة حولها , وتبعث الأشعة الضوئية وتعكسها ولا تمتصها , وفيها قدرات عالية لتوليد الأنوار , وإضاءة دياجير الخيال وزوايا الوجود الخابتة.
إنها دول قوية متقدمة , مخترعة مبتكرة لا تحتاج لغيرها بل الغير بأمس الحاجة إليها , ويعتمد عليها في بقائه والشعور بتواصله مع العصر.
إنها الدول التي تقرر مصير المسيرة البشرية , وتحدد معالم المستقبل , وترسم خارطة الصيرورة الأرضية بثقة وشجاعة وإقدام.
إنها دول متوثبة متحفزة , تملك إرادتها ومصيرها وطعامها وسلاحها وعقولها , وتستثمر في الطاقات الموجودة عندها , وتستولدها قدرات أصيلة ومبتدءات كبيرة ذات قيمة حضارية سامقة.
هذه الدول المضيئة تصنع الحياة , وتؤسس لآفاق المستقبل والرجاء , وتمنح بعض أنوارها للدول المعتمة , التي لا تعرف إلا الإمتصاص , وتعجز عن الإنعكاس الضوئي والإنبعاث التنويري.
وبين الدول المعتمة والمضيئة مسافات رمادية , يحاول الضوء أن يتسلل إليها , لكن المستلطفين للعتمة يشعرون بالتهديد والخطر , فيجابهون كل نور حميد.
ولا يمكن للدول المعتمة أن تمارس الحياة , إلا عندما تتعلم التعايش مع النور وتعشق الشمس , وتؤمن بأنها منبع أكون!!