الدول العظمى بين سباق التسلح و”مناطق النفوذ..”
ان تعليق العمل باتفاقية الحد من الاسلحة النووية قصيرة وبعيدة المدى من قبل الولايات الامريكية في الاول من الشهر الجاري ولمدة ستة اشهر، تمهيدا للانسحاب الكلي منها اذا لم تلتزم روسيا ببنودها؛ ماهو إلا لجر الصين او الضغط عليها للدخول في مفاوضات جديدة، تنتج معاهدة جديدة تكون الصين طرفا فيها. الصين التى تشكل قلق مستقبلي لإمريكا في سواحل المحيط الهاديء وجنوب شرق اسيا وفي مرحلة لاحقة في فضاءات ابعد..من المؤكد ان روسيا لاتريد الانسحاب من تلك المعاهدة ولكنها ومن الجهة الثانية سوف تجد نفسها مضطرة بعد ستة اشهر للانسحاب منها، حين تنسحب منها امريكا، والتى أكيدا سوف تنسحب منها، لسبب واضح؛ ألا وهو اشراك الصين في الحوار لصياغة معاهدة جديدة، وهذا هو ماتنوي امريكا طرحه في اي مشاروات قادمة، وباصرار لاتقبل بغيره. الصين من جهتها ولو انها لم تصرح بذلك ولكنها وكواقع حال يفرضه عليها وضعها الصاعد الى صف العظميين وتحت مختلف الظروف والضغود ومهما كانت قوتها وفي جميع الاحوال سوف لن تشترك في معاهدة من هذا النوع، لا في الحوار والصياغة ولا في الالتزام بالنتيجة. الصين التى لم تبلغ بعد من قوة الردع الساحقة التى هي في حيازة العملاقين النوويين؛ تخطط وتعمل بجد وهمة عاليتين لبلوغ ما عند الجبارين من قوة للدمار الهائل. لذا، فهي لن تكون طرفا في اي معاهدة، تفرض عليها القيود. من المؤكد، لا روسيا ولا امريكا عندها ذرة خوف، من تعرض ايً منهما لهجمات تقليدية او نووية، يبدؤها أيُ منهما على الاخر، لأن هذا العمل ينتج منه او بنتيجته، سواء في الوقت الحاضر او المستقبلي، سحقهما معا وفي آن واحد. عليه، فان العمل الدؤوب من قبل الدوليتين العظميين على التخطيط والتفنن في تطوير وصناعة اسلحة الدمار الشامل ونواقلها في البر والبحر والجو والفضاء؛ ما هو إلا لتقوية اذرع التخويف والترعيب في الصراع على مناطق النفوذ في كرة الارض. امريكا انشغلت خلال العقدين الماضين في حروب الهيمنة والاستحواذ على مناطق نفوذ جديدة. فقد انفقت ألاف المليارات ولم تصل الى ما تريد او تحكم قبضتها اللصوصية بعد على تلك الدول. خلال العشرين سنة السابقة التى انشغلت امريكا اثناءها، في حروب السيطرة على مقدرات الشعوب والدول، وكما يقول الامريكيون: بان الصين وروسيا وبالذات روسيا، استثمروا ذلك الزمن وطورا او طورت روسيا على وجه التحديد، صواريخ متوسطة المدى وهي بهذا، يقول الامريكيون بانها خرقت المعاهدة. وهذا ما تنفيه روسيا، وهي تؤكد بان الصاروخ المطور لايتجاوز مداه 4900آلف كم. الامريكيون سوف ينسحبون من المعاهدة انفة الذكر لأنهم يخططون على دفع روسيا على الركض وراءهم في البحث والتطوير والانتاج لمختلف وسائل الدمار، لأنهاك روسيا اقتصاديا من جهة ومن الجهة الثانية ضمان تسيدهم على العالم واحتواء الصين او تقييد حركة الصين سواء في الانفاق على التطويروالبحث في التكنولوجيا المدنية لصالح البحث والتطوير والانتاج العسكري، مما يؤدي تاليا وبالنتيجة وكما يرى الامريكيون، التاثير على مستوى التنمية الصاعدة والمذهلة في الصين وعلى مختلف الصعد. ان هذه الاستراتيجية الامريكية الجديدة القديمة فهي لاتختلف عن ستراتيجية امريكا المتبعة قبل عقدين من الان والفرق الوحيد بينها وبين هذه الجديدة، هي ان القديمة كانت بين قطبين اما هذه الحديثة فهي سوف تكون في المستقبل القريب والقريب جدا بين ثلاث اقطاب؛ روسيا، امريكا، الصين. روسيا وبرئاسة بوتين الذي فيه من الدهاء الكثير وبما يؤهل روسيا على اجتراح الخطط الناجحة في احتواء مخطط امريكا والتقليل من تاثيراتها على الاقتصاد الروسي، من قبيل تطوير وصناعة اسلحة غير مكلفة وفي ذات الوقت كافية للردع او لموازنة القوة بما يلغي التفوق الامريكي..الصينيون، موازنتهم العسكرية للعام الحالي والذي لم ينقضي بعد؛ اكثر من 279مليار دولار وقد تم زيادتها بنسبة 6%،في الوقت عينه كانت موازنة امريكا العسكرية اكثر من 750مليار، اكثر قليلا. اذا ما اخذنا بعين الاعتبار ان موازنة امريكا العسكرية تدخل فيها او من ضمن حساباتها، الانفاق على قواعدهم العسكرية والمنتشرة في اكثر من 140دولة بالاضافة الى الانفاق على الناتو،والأكثر انفاقا هو الانفاق على جيوشهم الموزعة على دول المنطقة العربية و القريبة من جوراها، وعلى اصقاع عديدة من دول العالم، وفي بحار ومحيطات الكرة الارضية، بينما الصين ليس لديها قواعد عسكرية سواء قاعدة صغيرة في جيبوتي وليس لديها جيوش موزعة في اركان المعمورة، لذا، تكون موازنة الصين عندها قريبة من موازنة امريكا. اذا ما تم وهذا هو ما سوف يكون وبإرادة امريكية صرفة لهدف امريكي ستراتيجي خبيث جدا، ألغاء معاهدة الاسلحة النووية متوسطة المدى، عند ذلك الوقت، ما مصير اتفاقية ستارت 2؟ والتى ينتهي العمل بها في عام 2020، والتى تعالج مخزون الصواريخ او التى عالجت الصواريخ بعيدة المدى اي قللت عددها الى حد كبير، بالاضافة الى التزام الطرفين امريكا وروسيا بعدم تطوير وانتاج الصواريخ بعيدة المدى، هل يجري وفي خضم هذا الصراع؛ تجديدها او تطوريها وجعلها تشمل مجالات تسليحية اخرى ذات صلة؟..على ضوء هذا التطور وبمخرجاته، التى توضح لنا وبصورة لاغبار عليها؛ ان العالم سائر الى عالم ثلاثي الاقطاب. وهذا هو ما دفع امريكا مرغمة على التخطيط الجدي للانسحاب من المنطقة العربية لجهة التواجد العسكري المكثف ذي الكلفة الباهضة على الاقتصاد الامريكي واستثمار ما سوف يفيض من اموال للبحث والتطوير والاختراع والانتاج لأسلحة الفتك بالبشر. وليس كما يتصور الكثيرون، الانسحاب الكلي فهذا امر مستحيل. فهي سوف تكتفي بقواعد ثابتة لها في دول معينة في المنطقة العربية،في العيديد وفي المنامة( مقر الاسطول الخامس الامريكي..) وفي الكويت وفي ( عين الاسد..) كما بين ترامب اخيرا، للمراقبة والتدخل عند الحاجة والضرورة، للدعم وبما يتسق مع ما ينتجه مخططها المخابراتي حين يحين وقته وظرفه في الوقت القليل المقبل، في دول المنطقة العربية وفي جوارها..