دار حديث في سيارة الأجرة بين أثنين من المواطنين حول أنجاز المعاملات في دوائر الدولة, والروتين والفساد والرشاوى والسماسرة, الحاج حسن متقاعد يراجع دائرة التقاعد العامة, أخذ يروي تفاصيل طقوس الموظفين, وكيف يمارسهم بعضهم إرهابه وغطرسته بحق الأرامل وكبار السن, فالواسطة كفيلة بأن تحمي أي موظف (فإذا كان مسنود), له الحق أن يمتهن كرامة المراجعين ويتسلط على رقابهم.
أشترك في حديث الحاج حسن, أبو يوسف يبدو عليه أنه في الأربعينات من عمره وشرع يروي قصص تشيب لها الرؤوس, في دائرة التسجيل العقاري في الكاظمية ومهارة بعض الموظفين والموظفات, في الهروب من كاميرات المراقبة, وعقد الصفقات, من أجل أستلام البريد فقط أو تسليمه, تحت شعار (تدفع ورقتين لو البريد ميوصل)!
المهم في الموضوع أن الحاج حسن, وأبو يوسف لم يختلفا في شرح طقوس بعض الموظفين, رغم أختلاف الوزارات والخدمات, التي يفترض أن تقدم للمواطنين, فعلى ما يبدو أن المخالفات أصبحت سمة في دوائر الدولة!
تتشابه الطقوس في معظم الدوائر كما يلي, يصل الموظفون الى أماكنهم عن طريق خطوط خصصتها الدولة, المفروض أن يبدأ الدوام الساعة ال 8, أو على الأقل الثامنة والنصف, الا أن بعض الموظفين بمجرد وصولهم يعمدون الى أغلاق النوافذ بوجه المراجعين, من أجل تناول وجبة الفطور الصباحي, حتى الساعة 9 بينما تفتح نوافذ المراجعة في التاسعة والربع ( ربع ساعة حتى يشيلون السفرة)!, هذا ما يحصل بالضبط في التقاعد العامة والتسجيل العقاري, ويبدو أن قرار الفطور الصباحي سيعمم عما قريب!
المهم بعد أن تنتهي وجبة الفطور, تبدأ الموظفة وصلة من الردح والشتائم, بحق الناس من الوافدين من مختلف محافظات العراق, حتى أن أغلبهم يتسمر في مكانه, منذ الساعة السابعة والنصف, في البرد القارس, ليصل الى شباك العجائب, ويطلع على طقوس أعداد الفطور!!
بعد ذلك يشرع بعض الموظفات والموظفين بتبادل أطراف الحديث, عن هواياتهم ثم تنتقل الموظفات الى برنامج الطبخ المعتاد, والوجبة الرئيسية محل النقاش (الدولمة) لتتعلم كل موظفة حديثة العهد بالطبخ إتقان تلك الوصفة.
الملفت للنظر أن كورس الطبخ هذا منتشر بشكل كبير, في معظم دوائر الدولة وبالأخص في التقاعد والتسجيل العقاري, بينما يمتنع مدير التقاعد عن أستقبال الناس لأنه يستمتع بقراءة الجريدة, بعد فنجان القهوة ,بينما يعلو الصراخ والدعوات من المراجعين ( ربي لا يوفقكم عساهة ابحظكم وبختكم)!
أنتهى الفطور وتعلم الموظفين مهارات جديدة , بينما أتقنت الموظفات مهارة الطبخ, ثم أغلقت النوافذ بوجه المراجعين, قبل انتهاء الوقت الدوام, وجمع قسم كبير منهم (المعلوم على ورقتين), وعاد أبناء المحافظات والمراجعين أدراجهم, ليبدأ يوم آخر من معاناتهم, ويوم طبخ جديد وكومشنات جديدة.
الحل الوحيد لتلك الأزمات في دوائر الدولة لا يقتضي إقالة مدير التقاعد, أو محاسبة الموظفين والموظفات, أو اعداد لجنة, تشرف على متابعة الفساد, في التسجيل العقاري في الكاظمية, بل أن الحل الجذري في تلك الحالة هو منع الحديث عن (الدولمة), لأنها تسبب أزمة في دوائر الدولة!!! هذا وينتظر الشعب العراقي بفارغ الصبر قرار الغاء الحديث عن الدولمة, في حزمة إصلاحات رئيس الوزراء المقبلة ويبقى الوضع على ما هو عليه, والحليم تكفيه الاشارة!