مما يؤسف له اننا في العراق “الجديد” اليوم الذي كان “العظيم” بالامس نبحث عن “صرفة” لشكل الدولة والحكومة والمواطنة وكيف يجب ان تكون وعلى اي الاسس لابد ان تبنى. يحصل هذا في وقت تجاوزت الامم هذه المفاهيم منذ نهايات القرن التاسع عشر عندما استقرت الدولة القومية في اوربا. وحتى بعد الحرب العالمية الاولى وماحصل اثناءها وبعدها من نظام انتداب وغيره فان من تحرر من الشعوب استقر على نمط معين من العلاقة السياسية والمجتمعية و.. ومشت الحال بين دولة ديمقراطية هنا ودكتاتورية هناك, ملكية هنا وجمهورية هناك. الا نحن فقد اضعنا كل “المشيات” ماظهر منها ومابطن. ومن بين اهم “المشيات” التي اضعناها بامتياز هي العلاقة بين مفهومين وان كانا متضادين وهما الدولة والعشيرة ومابينهما. ومع ان هذا الموضوع قد يكون واسعا وشائكا الا ان الجزئية التي احاول التطرق اليها الان قد تكون هي الاهم. ولعل مما يلفت النظر انه في الوقت الذي يبدو فيه نظام القبيلة او العشيرة “متخلفا” عن نظام الدولة لاسباب لاحصر لها, في المقدمة منها ان الدولة تقوم على مفهوم للمواطنة عابر لكل الفرعيات القومية والدينية والمذهبية والجهوية والحزبية. كما انها تعتمد دستورا مكتوبا هو بمثابة عقد اجتماعي بين كل الناس بدون تفريق او تمييز. اما العشيرة فتعتمد على الاعراف غير المكتوبة التي يطلق عليها “السواني”. ومع ان الدولة في العراق خصوصا خلال العقدين الاخيرين وبالاخص منذ تسعينيات القرن الماضي سعت الى زج العشيرة في العديد من القضايا والمهام ذات الطابع “التعبوي” والذي دخل في تسميات عديدة بين الامس واليوم فان العشيرة مع ذلك احتفظت بواحدة من اهم الميزات التي عملت الدولة على تفكيكها مجتمعيا وهي المذهبية التي سرعان ماتحولت الى طائفية سياسية. فالعشيرة لاتزال تغلب النسب القبلي للفرد على الانتماء المذهبي, لذلك فاننا نجد الان في الحكومة وفي البرلمان وزراء ونواب يحملون القابا عشائرية موحدة ولكنهم ينتمون الى مذاهب وطوائف متباينة. بمعنى ان العشيرة التي يفترض ان تكون قبل نظام الدولة الحديثة هي الان في العراق تتقدم على الدولة التي يفترض ان تكون حديثة لانها لم تلجأ الى تقسيم العشيرة الواحدة مذهبيا بينما اوجدت الطبقة السياسية بعد عام 2003 نظام المحاصصة الطائفية والعرقية. وبموجب هذا النظام فان الطبقة السياسية وبدلا من ان تنقل المجتمع العراقي الى مرحلة اكثر تطورا باتجاه الدولة الحديثة بكل مايتضمنه مفهوم الحداثة من استحقاقات فانها بتقسيمها المجتمع العراقي ـ واقصد هنا تحديدا العربي منه وليس الكردي “المجتمع التركماني ينطبق عليه الى حد كبير نفس ماينطبق على عرب العراق من حيث التقسيم المذهبي” ـ الى شيعة وسنة فانها ارتدت الى مرحلة ماقبل العشائرية التي وحدت المجتمع على مستوى النسب ولم تعير اهمية كبيرة للتقسيمات المذهبية. لذلك فان مسعى الطبقة السياسية على صعيد بناء الدولة لايزال يصطدم بقوة النسيج العشائري العابر للتقسيمات المذهبية بينما احزاب السلطة سائرة نحو مزيد من التفتيت المذهبي والطائفي الذي دفع الناس ثمنه الباهظ ايام العنف الطائفي ولايزالون يتخوفون من دفع اثمان مستقبلية له يتمنى الناس ان تكون العشيرة هي الضامن لعدم حصولها وليس .. الدولة.