في المقالة السابقة تناولنا عدة طرق وكنت قد أجريت عملية ترقيم على الجزء الاول لكن عند وضع المقالة على الصفحة الرئيسية لكتابات ظهرت المقالة بدون تسلسل فيبدو هناك خطأ فني ليس مني، ونقول:
ثمانية عشر / السرداب :
هذا التعذيب لم أجد له مثيل عندما تصفحت ما كتب عن التعذيب، والسرداب وهي طريقة مبتكرة للتعذيب لا تترك أي اثار على جسد المعتقل، وهو عبارة عن سرداب تحت الارض فيه ماء مجاري(اجلكم الله) ترمى فيه الحيوانات النافقة وبعلو130سم يدخل فيها المعتقل ويترك فيه لحين مناداته للسجان انه جاهز للاعتراف لعدم تحمله، وعند خروجه هناك مجموعة جاهزة وحرفية امامها لابتوب تختار له الجرائم التي عليه الاعتراف بارتكابه لها ويقومون بأفهامه وتنظيم مفردات اعترافه، من مسرح جريمة الى كشف دلالة لمحل الحادث وتفاصيل المجنى عليه وغيرها وحسب نوع الجريمة، وبعدها يتم تهيئته خلال أسبوع لأجل ان يدلي باعترافه امام الهيئة القضائية، او قاضي التحقيق، ويكون قد تم تحفيضه وتلقينه بكافة الوقائع ومضمون اعترافاته، تحت التهديد بالعودة للسرداب، ان هو تناسى او نسي ما متفق عليه، فيكون حديثه امام الهيئة القضائية بطريقة تحتاج الى قضاة ذو خبرة عريقة بالتحقيق وصفحاته، ولديهم خبرة بطرق وأساليب المحققين غير الشرعية، وبسبب الضغوط السياسية وما تم ممارسته إعلاميا والتدخلات في سير التحقيقات، لم يتم اكتشاف طرق التعذيب هذه، وهناك تفاصيل لا اريد ان اذكرها لأنها مؤلمة، واني من انصار عدم التعرض للقضاء بالأعلام وكنت اعبر عن ذلك دائما للسادة نقباء المحامين الثلاث، بالرغم من اني اسمع واشاهد واقرا العديد من التصريحات والتقارير والبيانات التي تشير الى هناك تدخلات بالقضاء وتأثيرات حكومية وحزبية ودينية قد اخذت طريقها في تغير جزء كبير من الدعاوى.
ملاحظة (والله والله لن ازيد كلمة واحدة على هذه الطرق والوقائع ونقلتها وفق ما رويت ومن معتقلين تم إطلاق سراحهم بل تم تجاوز الكثير رفقا بالقارئ وعدم إطالة المقالة)
يقرّ القانون الدولي بكل وضوح مسؤولية الدولة عن ممارسات التعذيب المقامة من طرف موظفيها الرسميين (القائمين بالتحقيق)، وتتحمل جميع الحكومات مسؤولية ملاحقة المخالفين أمام القضاء في إطار نظام الإجراءات الجنائية الخاصة بالتعذيب.
ان منع التعذيب بكل صوره هو في حد ذاته فعل ينبع عن الإرادة السياسية او المهنية، وان الية مكافحته تمتد لتشمل كل أولئك الذين في موقع السلطة ويتحمل القضاة والمدعيين العاميين مسؤولية جوهرية ورئيسية في المساعدة على منع اعمال التعذيب وسوء المعاملة بحكم دورهم في دعم سيادة القانون، وذلك عن طريق التحقيق في ادعاءات التعذيب بشكل فعال وعلى وجه السرعة وعقاب أولئك المسؤولين عنه، بالرغم ما يؤدي ذلك الى مشاكل عديدة وتهديدات خطيرة ولإدارة مجرى العدل عموما، نظرا لان عادة من يرتكبها بعض المنتسبين للشرطة والأجهزة الأمنية والقائمين بالتحقيق وهم مسؤولين بصفة عامة عن حفظ القانون وتنفيذه وهذا يجعل الامر اكثر صعوبة عند التعامل معه مقارنة بأنواع الجرائم الأخرى، ورغم ذلك يتحمل القضاة والمدعيين العاميين واجبا قانونيا في العمل على عدم المساس بنزاهة مهنتهم والعدالة التي يدعمونها بسبب التهاون وغض النظر المستمر في اعمال التعذيب او سوء المعاملة وغيرها، وهناك ظواهر تسهّل ممارسة التعذيب، منها:
أولا : الاعتقال السري (الاعتقال مع منع إخطار ذويه او محام).
ثانيا : صعوبة إيجاد أدلة دامغة ضد المسؤولين عن التعذيب إذ يركنون إلى إخفاء هوياتهم أو اعتماد أساليب لا تترك آثارا مادية، كما يمكن أن يتم التلاعب بالأدلة أو إتلافها، إضافة إلى تحرير تقارير ومحاضر مزورة، هذا مع احتمال وجود تعليمات تفرض التزام الصمت وتمنع البعض من التبليغ عن زملائهم، علاوة على إحراج الشهود أو تهديدهم بأعمال انتقامية مادية أو عبر إجراءات قانونية قسرية.
ثالثا: وجود خلل في أسلوب التحقيق والملاحقة القضائية والأحكام، أو عدم فعاليتها أو جدواها أو تشبّع البعض منها بالفساد.
رابعا: عدم ضمان او إنصاف حق من يتعرض للتعذيب وتعويضه تعويضا عادلا ومناسبا وإعادة تأهيله على أكمل وجه ممكن، وحثه على رفع شكوى يُنظر فيها بنزاهة، وتامين الحماية له من المساس به نتيجة لشكواه.
خامسا: عدم فعالية الادعاء العام في ملاحقة المسؤولين عن التعذيب وإذا وجد مدعي عام من يريد ان يحاسب يتم تهديده واختلاق شتى الفبركات بحقه، منها انه لديه ميول مع المجاميع الإرهابية، وكما حدث مع البعض منهم، غير متناسين انه هناك من رجال الادعاء العام من واجه التعذيب بشجاعة.
سادسا:هناك ضعف بين في استخدام الملاحقات الجنائية ضد ممارسي التعذيب، وفي حقيقة الأمر، من الصعب مباشرة الملاحقات ضد منتسبي الأجهزة الأمنية والشرطة والمراكز التحقيقية، فنجاح الدعاوى يمكن أن يكون صعبا للغاية بسبب قانون الصمت شبه الرسمي المسيطر بين زملاء المهنة والعرف السائد بإخفاء او اعاقة الوصول إلى أدلة واضحة.
سابعا :وجود بعض المحامين مع الأسف الشديد جاهزين (تحت الطلب) لأجل التوقيع على إفادات لمتهمين معترفين تحقيقا وقضاءا وما على المحامي الا ان يضفي المشروعية على الإفادة من خلال توقيعه، لإرضاء للقائمين بالتحقيق ولتعزيز عمله المهني من خلالهم، وهناك محامين يذهبون ليلا للمراكز التحقيقية ويشاهدون المتهم يعتدى على كرامته الشخصية، ويعامل معاملة مهينة ويدلي باعترافه بالإكراه؛ لكنهم لا يعترضون، اما لخوفهم من القائمين بالتحقيق ان هم اعترضوا، يقومون بإدخال اسمهم في اعترافات أي متهم وببساطة، او مشاركين في جريمة التعذيب، حيث بعضهم يقوم بضرب المتهمين وهو بنفس الوقت يكون محاميه؛؛؛ اهناك انتهاك لمهنة المحاماة وقدسيتها اكثر من ذلك؟ (أحد أسباب استهدافي الرئيسية هو بسبب منعي توقيع الافادات من المحامين بدون حضور الاستجواب).
ثامنا: اجراء التحقيق دون تطبيق نص المادة 123 من قانون أصول المحاكمات الجزائية النافذ، من حيث حق الصمت للمتهم وحق اختيار محاميه، واجبار المتهم ضمنا بقبول المحامي المنتدب تحت الخوف والتهديد، لان المحامي الفعلي تكون رعايته لشؤون موكله القانونية منتجة وذات مصداقية، وأكبر خطر يتهدد المعتقل يكون في مرحلة الاعتقال بداية وقبل ان يتمكن من الحصول على محام او عرضه على المحكمة.
تاسعا: ليس هناك إدانة واضحة وحقيقية وصادقة من أعلى مراتب الحكومة لممارسة التعذيب، خاصة المسؤولين عن تنفيذ القانون وإدارة مجرى العدالة، عليهم ان يدينوا علنا التعذيب بكافة صوره أينما حدث ويجب ان يوضحوا تماما بان المسؤولين عن ارتكاب اعمال التعذيب والمسؤولين عن أماكن الحبس والاحتجاز سوف يحاسبوا ويتحملوا المسؤولية الشخصية عن تلك الاعتداءات، ان ذلك يتضمن رسالة واضحة لممارسي التعذيب، ويجب أن ترفق هكذا تصريحات بحملات تحسيسيّة للعموم حول التعذيب.
عاشرا: وجود قوانين تسمح باستخدام الأدلة المنتزعة تحت وطأة التعذيب كأدلّة قاطعة عند المثول أمام القضاء.
احدى عشر:عدم وجود مركز وطني يوثق هذه الانتهاكات ويلتجا اليه المعذب، يقوم بإجراءات قانونية فعالة وتخفي هوية المعذب لحمايته من بطش المسؤول عن تعذيبه، ويتم تنسيق تبادل المعلومات، مع مفوضية حقوق الانسان والبرلمان (لجنة حقوق الانسان) والقضاء، إذ يمكن إنشاء بنك دولي للمعلومات خاص بممارسي التعذيب المعروفين.
اثنا عشر: مضاعفة تنظيم سلوكيات جهاز الشرطة والقائمين على التحقيق ومراقبتها ومن خلال:
أ- إلزام منتسبي الشرطة والأجهزة الأمنية والتحقيقية بإعلام المشتبه فيهم جنائيا، بحقوقهم كحق التزام الصمت، وحق حضور محام في الاستجواب، ومن شأن كل تقصير في أداء هذه الإجراءات، أن يفضي إلى عدم شرعية أي اعتراف يأخذ من المشتبه فيه.
ب- تشجيع الموظفين من منتسبي الشرطة والأجهزة الأمنية والتحقيقية على تسجيل الاستجوابات وغيرها، في جهاز سمعي بصري لإثبات امتثالهم للقواعد الملزمة.
ج- تقليص فترات الاحتجاز التعسفي ومنع الاحتجاز السري، ومضاعفة التدابير الاحترازية أثناء فترة الاحتجاز
د- توفير حق، المحتجز في الحصول على محام، والحق في الإعلام بالحقوق بلغة مفهومة، وحق مراسلة العائلة أو آخرين، وحق التمتع بزيارات.
هـ ضمان حق الموقوفين في العرض المناسب والفعال والمؤثر على المحكمة، ومن خلال تطبيق الدستور والقانون في مراعاة المدد القانونية من ساعة اعتقال المتهم ولحين عرضه على القاضي المختص
و- ضرورة وجود سجل في مقرات الأجهزة الأمنية والشرطة والمراكز التحقيقية، يتم فيه تسجيل كل التحركات المسجلة أثناء فترة الاحتجاز الاحتياطي للمعتقل.
ر- سن مدونة خاصة بسلوكيات رجل الشرطة والامن أثناء الاستجواب، ووجود آليات رسمية وعير رسمية للمراقبة مثل المنظمات المستقلة القادرة على رفع الشكاوى وزيارة أماكن الاحتجاز.
ز-على المسؤولين الكبار تحصين أنفسهم ومنتسب الشرطة والأجهزة الأمنية، لان المواقف والسجون والمعتقلات مليئة بالإغراءات التي لا ينبغي على المسؤولين أن ينساقوا وراءها.
لذا على الدولة اتخاذ إجراءات تشريعية وإدارية وقضائية فعالة أو أية إجراءات أخرى لمنع أعمال التعذيب في أي محافظة او اقليم يخضع لسلطتها القضائية.
وسنكمل مقالتنا في جزئها الأخير