18 ديسمبر، 2024 7:22 م

الدولة تعتبر ناجحة اذا تجاوزت الاخفاقات ومسببات الفشل والتأخر عن المسار الصائب

الدولة تعتبر ناجحة اذا تجاوزت الاخفاقات ومسببات الفشل والتأخر عن المسار الصائب

وعادة ما يستخدم مصطلح الدولة الفاشلة من قبل المعلقين السياسيين والصحافيين لوصف الدولة التي فشلت حكومتها في القيام بمسئولياتها. ولجعل التعريف أكثر دقة، فقد قام صندوق دعم السلام بوضع بعض الخصائص لوصف الدولة الفاشلة:

فقدان السيطرة على أراضيهاأو فقدان الدوله لاحتكار إستخدام العنف القانوني.

ضعف السلطة الشرعية في البلاد.

عدم القدرة على تقديم قدر معقول من الخدمات العامة.

عدم القدرة على التفاعل مع الدول الأخرى عضو فعال في المجتمع الدولي.

وبدأ الاهتمام العالمي بمخاطر الدول الفاشلة، يزداد بعد أحداث 11 سبتمبر من العام 2001، حيث اعتبرت هذه الدول منطلقًا لتصدير المخاطر (الإرهاب الدولي، تجارة المخدرات، الأسلحة غير الشرعيّة، اللاجئين والمهاجرين غير الشرعيين.. ) إلى دول العالم الأخرى، بما فيها الدول الغربية والولايات المتحدة الأمريكية، فأُعطي مفهوم الدولة الفاشلة مجالًا أوسع ليضمّ دولًا عربية يحكمها طغاة ومستبدون يُعادون الحرية والديمقراطية ويصدّرون العنف والجريمة والإرهاب.

ويتّضح من السياق الزمني لظهور المفهوم، ارتباطه بالتغيّر الحاصل في هيكليّة النظام الدولي، ما يُثير في الذهن حملات تقسيم العالم لمصلحة القوى الكبرى إبّان الأحداث العالميّة التي تُعيد تشكيل موازين القوى، ما يستلزم التعامل مع المفهوم بحيطة وحذر، نظرًا للتسييس الشديد له من قبل جهات مختلفة.

يقول د.نسيم الخوري، باحث وكاتب وأكاديمي لبناني، أستاذ محاضر في كلية الإعلام بالجامعة اللبنانية: لم يكن مصطلح أو تعبير الدولة الفاشلة وليد المصادفة، إنما تمّت دراسته بعناية ودقة متناهيتين من قبل جهات سياسية دولية، رسمية وغير رسمية، بحيث أدّت الآلة الإعلامية الأخطبوطية في الغرب ولا تزال، الدور المحوري في تسويق هذا المصطلح الذي يرافق السلوك العام لهذه الجهات، والمتمثل بالجهود السياسية والدبلوماسية والإعلامية، وبالعمليات العسكرية والأمنية والثقافية والنفسية. بالإضافة إلى ذلك، ثمَّة مشكلات تكتنف تعبير الدولة الفاشلة إلى حدّ الإحباط، مثله مثل تعبيري “الدولة الإرهابية” و”الدولة المارقة”.

فالدولة الإرهابية، هي عندما ترعى الحكومات الإرهاب أو تقدّم الدعم له، ضد مواطنيها أو ضد مجموعات أو حكومات أجنبية. أمّا الدولة المارقة، فهو مصطلح سياسي يطبّق على دول لا تعدّ نفسها مقيّدة بالأعراف الدوليّة، أو أنّها تشكّل تهديدًا لجيرانها أو العالم، أو أنّها دولة خارجة على القانون.

ويرى نعوم تشومسكي مؤلف كتاب «الدول الفاشلة» أن هذا المصطلح هو أحد تصنيفات الإدارة الأمريكية للدول التي يُراد التدخل في شؤونها أو التقليل من شرعية سيادتها، بحجة أنها تمثل تهديداً للأمن الدولي، وباعتبارها دولاً غير قادرة على الحفاظ على كينونتها، وبغض النظر عن حقيقة هذا الرأي بصورته التآمرية فإن «العنتريات» الأمريكية الأخيرة وتدخلاتها في سياسات دول كثيرة بالعالم تؤكّد جانباً من أقوال هذا المؤلف.

وللأسف، تأتي في مقدمة جدول مؤشر الدول الفاشلة عام 2015 بعض الدول العربية مثل السودان وليبيا واليمن وسوريا والعراق، التي كانت يوماً ما دولاً مستقرة وتحوّلت إلى فاشلة بسبب التدخلات الدوليّة وما زالت إلى الآن تراوح في مكانها بعد أن «فشلت» أيضاً بعض الدول العظمى بتحويلها إلى مستقرّة.

سعى تشومسكي خلال كتابه إلى أطروحة عنوان الكتاب المتعلقة بالدول الفاشلة، والمقصود هنا هو مصطلح الدول الفاشلة الذي أطلقته الإدارة الأمريكية في عهد الرئيس الأمريكي بيل كلينتون لوصف بعض الدول التي بات فشلها في لعب وظائفها الرئيسية يمثل تهديداً للأمن الدولي.

ويتناول تشومسكي في أماكن مختلفة من كتابه شروط وعلامات الدول الفاشلة، مثل عدم القدرة على حماية مواطنيها وغياب الديمقراطية فيها وتهديد الدولة للأمن الدولي ليثبت أن تلك العلامات تتوفر في الولايات المتحدة.

وهنا يظهر النقد الشديد الذي يحمله الكتاب لسياسات الحكومة الأمريكية، إذ يسعى تشومسكي في أكثر من مناسبة في كتابه إلى المقارنة بين سياسات الحكومة الأمريكية وسياسات الدول والجماعات التي تعاديها أمريكا، مثل العراق في عهد صدام حسين وإيران، وصربيا في عهد سلوبودان ملوسوفيتش، وحركة حماس، لكي يثبت أن أمريكا تمارس نفس السياسات التي تهاجم تلك الدول والجماعات بسبب ممارساتها.

ويسعى تشومسكي إلى البرهنة على أن أمريكا تمثل خطراً على الأمن الدولي والسلام العالمي أكثر من تلك الدول.

ويرى تشومسكي في نهاية الفصل الثاني أن أمريكا بسياساتها الحاليّة تصنع حرب آرمجدون “حرب نهاية العالم” بيديها، وذلك بسبب سياساتها الانفرادية التي تسعى إلى تحقيق الأمن المطلق لأمريكا على حساب أمن دول أخرى عديدة.

ورأى أن ذلك سيدفع تلك الدول إلى حماية نفسها من أمريكا من خلال زيادة التسلح والسعي لامتلاك أسلحة الدمار، ما سيقود العالم تدريجياً إلى مواجهة نووية بشكل مقصود أو عن طريق الخطأ.

فكرة الكتاب الرئيسية تدور حول كون أمريكا دولة إمبراطورية ورثت الإمبراطوريات الكبرى السابقة بسياساتها التوسعيّة الاستغلالية التي تتخفى تحت غطاء من الشعارات البراقة التي تتحدث عن المبادئ والقيم.

ويعبّر تشومسكي عن تلك الفكرة بوضوح في خاتمة الكتاب حين يقول إن: “أمريكا تتشابه إلى حد كبير مع الدول القوية الأخرى، في أنها تتبع المصالح الإستراتيجية والاقتصادية الخاصة بقطاعات مسيطرة داخل الشعب الداخلي على أن يصاحبها خطاب مزدهر عن الالتزام بالقيم”.

وأصل المشكلة في سياسات الدول الإمبراطورية – كما يذكر تشومسكي في العبارة السابقة – هو أن الدول الإمبراطورية لا تطبق الديمقراطية والمساواة تطبيقاً حقيقياً في الداخل، لأن الدولة الإمبراطورية هي في حقيقتها أداة في يد النخب الثرية لحماية نفسها من الأغلبية الفقيرة داخل الإمبراطورية ذاتها.

ويناقش كتاب “لماذا تفشل الأمم.. أصول السلطة والازدهار والفقر” تأليف الباحثين في معهد ماساشوستس للتكنولوجيا دارون أسيموغلو وجيمس روبنسون، الأسئلة المرتبطة بكيفية ازدهار وتطوّر المجتمعات، أو إفقارها وتخلفها، يستند المؤلفان لوقائع تاريخية ودراسة اقتصاديّة للعديد من الدول من مختلف القارات، يتتبع من خلالها مؤلفا الكتاب كيف تطوّرت بعض هذه الدول، وكيف انهارت دول أخرى.

يطرح مؤلفا الكتاب العديد من الأسئلة حول لماذا تتفاوت الدخول من دول إلى أخرى، وما هي القيود التي تمنع الدول الفقيرة من أن تتحوّل لدول غنية ومتظوّرة؟، وهل ظاهرة الفقر في الكثير من أفريقيا وآسيا وأمريكا اللاتنية غير قابلة للتغيير؟.

أكثر ما يميز الكتاب أنه لا يردد الإجابات المكرّرة التي تربط فقر أو تقدّم الأمم بموقعها الجغرافي، أو الاختلاف في العرق، أو الهُوية، أو الثقافة، أو الجهل بأسباب التقدم بالطبع قد تلعب هذه المتغيرات دوراً في تقدم أو تخلف الأمم لكن دورها يظل محدوداً كما يشير مؤلفا الكتاب، في حين تبقى الأسباب الأكثر تأثيرًا مرتبطة بمؤسسات الدولة ونظام الحكم ومدى عدالته وقدرة الشعب على اختيار ومحاسبة النخب الحاكمة.

يشير مؤلفا الكتاب إلى أن كثيراً من علماء الاقتصاد يرون أن أسباب عدم المساواة بين الشعوب والدول تعود لجهل الشعوب الفقيرة والسلطات الحاكمة فيها بالخطط والسبل التي تمكنهم من التطور والتقدم، وفي هذا السياق يتساءل المؤلفان “هل يمكن لفرضية الجهل أن تفسر عدم المساواة التي تسود العالم؟، وهل يمكن أن تكون الدول الإفريقية أكثر فقرًا من بقية دول العالم لأن حكامها يمليون إلى اعتناق نفس الأفكار والرؤى الخاطئة حول كيفية إدارة دولهم”.

المفارقة التي يعرضانها أن معظم الدول الإفريقية لا تتعاقد مع مستشارين وخبراء محليين ودوليين وتحصل منهم على الاستشارة والحلول الأفضل لمشاكلها، وبالتالي الأمر ليس متعلقاً بالجهل أو بالمعرفة ولكن متعلق بخيارات السلطة الحاكمة وانحيازاتها “أن الدول الفقيرة تعد فقيرة لأن أولئك الذين يستحوذون على السلطة يتبنون اختيارات تعمل على إحداث الفقر؛ ليس عن غير قصد أو نتيجة للجهل وإنما عن عمد”.

ويشكل الفساد تهديداً للديمقراطية والتنمية الاقتصادية في العديد من المجتمعات، وهو ينشأ من الطرق التي يسعى من خلالها الناس إلى الحصول على الثروة والسلطة والطرق التي يستعملونها بها، ومن قوة أو ضعف الدولة والمؤسسات السياسية والاجتماعية التي تعزّز هذه العمليات أو تقيّدها.

وفي كتاب “متلازمات الفساد” يجادل “مايكل جونستون” بأن الاختلافات في هذه العوامل تؤدي إلى ظهور متلازمات للفساد، أسواق النفوذ، ومنظمات النخبة، والمسؤولين الحكوميين، ويستعمل جونستون الإجراءات الإحصائية لتحديد المجتمعات التي تنتمي إلى كل فئة، كما يستعمل حالات دراسية: ليظهر أن المتلازمات المتوقعة تظهر دائماً.

تتضمن البلدان موضع الدراسة كلاً من الولايات المتحدة، واليابان، وألمانيا (أسواق النفوذ)، وإيطاليا، وكوريا، وبوتسوانا (منظمات النخبة)، وروسيا والفلبين، والمكسيك (العائلات)، والصين، وكينيا، وأندونيسيا (المسؤولون الحكوميون)، ثم يستكشف الفصل الختامي، الإصلاح، مؤكداً على كيفية تطبيق الإجراءات المألوفة – أو الأحجام عن تطبيقها، خشية أن تحدث ضرراً – مع التأكيد على قيمة “التحوّلات الديمقراطية العميقة”.

والحقيقة أن الفساد الموجود في ديمقراطيات السوق الغنية مثل الولايات المتحدة الأمريكية واليابان ليس هو الفساد الموجود في الصين أو في كينيا، كما أنه بالتأكيد ليس هو الفساد نفسه الموجود في المملكة العربية السعودية، ففي ظل الأنظمة الديمقراطية يتم تطوير مقاربات سهلة لمحاصرة الفساد لا تخرج عن منطق اقتصاد السوق ورعاية المنافسة، غير أن مضمون الفساد ونوعيته تختلف باختلاف البيئات السياسية والاقتصادية، وهو ما يستلزم التفكير في مقاربات مختلفة للتصدي لظاهرة الفساد.

فحينما تتحول الرشوة والاحتكار مثلاً إلى جزء من بنية السلطة الحاكمة في بلد ما، فإننا نكون أمام نوع مختلف من أنواع الفساد وهو الفساد السياسي.

وفِي ظل هذا النوع من الفساد، فإن أي استراتيجية لمكافحة الفساد خالية من عناصر واضحة لإصلاح النموذج السياسي وآفاق جديدة للديمقراطية وحرية الرأي والتعبير تصبح نوعاً من اللغو المُمنهج للإلهاء السياسي.

يُمَثِّل مدى قدرة الدولة على الوفاء بوظائفها اهتماماً أكاديمياً وسياسياً كبيراً، ويَرجِع بالأساس إلى ما تُشكلهُ الدولة من فاعل محوري في إدارة العلاقات الدولية، حتى مع ظهور منافسين جدد لها من الفاعلين الدولييِّن من غير الدول. فمن أهم وظائف السلطة السياسية وواجباتها؛ توفير السلع السياسية لمواطنيها (كتنظيم الحقوق والحريات المدنية، العناية الصحية والطبية، توفير بنى تحتية ذات كفاءة عالية، توفير نظام مؤسساتي إقتصادي ناجح يستطيع المواطنون من خلاله أن يسعوا إلى تحقيق أهدافهم ومشاريعهم؛ ولعل تحقيق الأمن والأمان في قمة هرم تراتبيّة السلع السياسية، الذي يضمن توفير والتمتّع بالسلع الأُخرى).

إلا أنَّ زيادة حدّة صراعات القوى الكبرى في النظام الدولي على استقطاب الدول، في محاولة من أحد أطراف الصراع الدولي لللإمساك بزمام الأمور في التعامل مع الوحدات الصغيرة والمتوسطة، والإستفادة من الخلل في موازين القوى الدولية لمصلحتها من جانب، وتقصير حكومات بعض الدول وانتشار الفساد وسوء الإدارة من جانب آخر، جعل بعض الدول تنهار وتفقد السيطرة على الحكم، ليحكمها بعد ذلك ملشيات مسلحة أو ماشابه من أمراء الحروب مُخلفين من ورائها معاناة ؛إنسانية، سياسية، إقتصادية، ثقافية، أمنيّة كبيرة، الأمر الذي وَلَّدَ الرغبة لدى الباحثين في البحث عن مفهوم ومُسبّبات فشل الدول.

يُعْتَبَرْ مفهوم الدولة الفاشلة كظاهرة قديم الوجود، فهي صفة تلازم الدول التي تعجز عن القيام بوظائفها عامة، أمّا مصطلح الدولة الفاشلة؛ فقد بدأت أدبيّات السياسية تتناوله في أوائل التسعينيات من القرن العشرين وتحديداً عند بداية انهيار الحكومة الصومالية، الأمر الذي دعى الباحثين والمفكرين للبحث في ماهيّة فشل الدولة ومحدداتها بل وتبعاتها، التي تفاقمت مخلّفة من ورائها كوارث إنسانية. فظهرت دراستان لعبتا دوراً أساسياً في تشكيل مفهوم الدولة الفاشلة، كانت الدراسة الاولى لـ “جيرالد هيرمان Gerald B. Helman – ستيفن راتنر Steven R. Ratner” عن الدولة الفاشلة ونُشرت في مجلة السياسة الخارجية الامريكية عام 1993، أما الثانية فهي لـ “وليام زارتمان William I. Zartman” عن الدولة المنهارة عام والتي كانت في عام 1995..

أشار كلاً من “راتنر و هيرمان Helman & Ratner” في دراستهما إلى أنّ مفهوم الدولة الفاشلة يمكن أن يُختصر”بتلك الدول التي لا تستطيع أن تلعب دوراً ككيان مستقل.” وضربا المثل بهايتي، يوغوسلافيا، والاتحاد السوفياتي، السودان، ليبيريا، وكمبوديا.

في حين أشار “زارتمان Zartman ” في دراسته حول الدول المنهارة، بأنها “تلك الدول التي لم تعد قادرة على القيام بوظائفها الأساسية” وضرب مثالاً على ذلك بالكونغو في الستينيات من القرن العشرين، وتشاد وغانا وأوغندا في أواخر ثمانينيات القرن نفسه، والصومال وليبيريا وإثيوبيا مع بداية تسعينيات القرن العشرين.

ورأى آخرون أنّ الدولة الفاشلة؛ هي الدولة التي تحكمها الملشيات المسلحة. فيما عبّر بعض الباحثين وقالوا بأنها: تلك الدولة التي تفقد السيطرة على وسائل العنف الخارج عن الإطار القانوني. ومن ثم تكون عاجزة عن تحقيق السلام والاستقرار لشعوبها، وفي فرض السيطرة على أراضيها أو جزء منها، وعليه لا تستطيع ضمان النموّ الإقتصادي، أو أي توزيع عادل للسلع الاجتماعية، وغالباً ما تتميز بانعدام المساواة الإقتصادية والمنافسة العنيفة على الموارد.

إن معظم التعاريف السابقة تتمحور حول قدرة الحكومة على القيام بواجباتها السيادية على ما تملك بأكمل وجه، وأنه كلما ما ضعفت وتفككت وكانت على وشك انهيار حكومي، كلما باتت الدولة أقرب إلى الفشل.

وفي هذا السياق، تبلورت مقاربة كمية رقمية تحت مسمى “مقياس الدول الفاشلة Fragile States Index”، والذي يصدر عنه قائمة بترتيب الدول، حسب درجة إخفاقها، وفقاً لمؤشرات إقتصادية، واجتماعية، وسياسية، وأمنية، بحيث أصبح هذا المقياس السنوي يحظي باهتمام وسائل الإعلام العالمية، ودوائر صنع القرار في الدول الكبرى، بما يعيد تشكيل الخطاب السياسي، وتوجهات السياسات الدولية بشكل عام فضلاً عن اتجاهات تأثيره في السياسات الدولية.

متى يمكن القول عن الدولة أنها دولة فاشلة؟

وقد حددت خصائص رئيسية للدول الفاشلة تمثلت بـ:

فقدان سيطرة الدولة على أراضيها أو جزء منها، أو فقدان إحتكار الإستخدام المشروع للقوة والسلطة داخل أراضيها.

تآكل السلطة الشرعية، لدرجة العجز عن إتخاذ قرارات موحدة.

عدم القدرة على توفير الخدمات العامة.

عدم القدرة على التفاعل مع الدول الأخرى كعضو كامل العضوية في المجتمع الدولي.

كما وضع صندوق السلام (Fund For Peace) وهناك مجموعة من المعايير وفق آلية علمية تستخدم برامج معقدة ومتطورة تقوم بمسح عشرات الآلاف من المصادر الإخبارية لجمع المعلومات وتحليلها، ومن ثم تأطيرها ضمن 12 مؤشراً فرعياً وهم ( الضغط الديموغرافي، اللاجئين والنازحين، انتشار الظلم، حق السفر والتنقل، الناتج الإقتصادي المتفاوت، الإنحدار الإقتصادي، شرعية الحكم، الخدمات العامة، جهاز الأمن، الفصائل والطوائف المختلفة، التدخل الخارجي)، وتتراوح قيمة كل منها بين (0-10)، وكلما حازت الدولة علامات أعلى كلما تصدرت قائمة تصنيف الدول الفاشلة. وللتسهيل سنقسمهم إلى مؤشرات رئيسية لتوضح في كيفة الحكم على فشل الدولة:

المؤشرات السياسية:  وأهمها يتمحور بمدى درجة شرعية ومصداقية نظام الحكم، تراجع قدرة الدولة على تقديم الخدمات العامة، تعطيل أو تعليق تطبيق حكم القانون وانتشار ممارسات انتهاك حقوق الإنسان، تنامي حالة من ازدواجية المسؤولية الأمنية بحيث تتمتع جهة بسلطة تضاهي سلطة الدولة، وجود حالة من عدم الااستقرار السياسي خاصة على المستوى المؤسساتي، تزايد حدة التدخل الخارجي سواء من جانب دول أو فاعلين من غير الدول.

المؤشرات الإقتصادية:  وأهمها عدم انتظام معدل التنمية الاقتصادية، استمرار تدهور وضع الاقتصاد الوطني بدرجات تدريجية متفاوتة أو حادة، بالإضافة إلى ازدياد معدلات الفساد وانتشار المعاملات العرفية.

المؤشرات الاجتماعية: من ملامحها تصاعد الضغوط الديموجرافية، ويعبر عنه بارتفاع كثافة السكان في الدولة، وانخفاض نصيب الأفراد في المجتمع من الاحتياجات الأساسية، تزايد حركة اللاجئين بشكل كبير إلى خارج الدولة، أو تهجير عدد من السكان في منطقة داخل الدولة بشكل قسري، وجود إرث عدائي لدى أفراد الشعب، انتشار ظاهرة هروب العقول والكفاءات.

وغالبًا ما يأتي فشل الدول على أصعدة متوازية، لا يمكن الإمساك بأيهما السبب وأيهما النتيجة، بمعنى أنه يمكن للفشل على الصعيد الاجتماعي أن يكون مسبباً لفشل على الصعيد الإقتصادي، وعليه تفشل المؤسسات السياسية في تدارك الفشل المترتب على الصعيدين السابقين، لتتصاعد احتمالات تدخل قوى خارجية في الدولة. وقد تبدأ دائرة الفشل بالعكس، بحيث تكون العوامل الخارجية هي نقطة البداية في حلقة الفشل، فإمّا أن تتسبب العوامل الخارجية فيه، أو أن تُعَزِّز عوامل الفشل الكامنة داخل الدولة فتظهر أعراضها الاجتماعية والسياسية والإقتصادية والمؤسساتية، وتعد هذه النظرة نظرة واسعة فضفاضة تتضمن جوانب ومجالات متعددة ومتشابكة مما يضمن الحكم بالفشل على أي دولة، وهو بذلك يصبح لفظًا تحكميًّا غير موضوعي، مما دفع إلى تصميم مؤشرات قابلة للقياس تستطيع تقديم صورة أكثر تفصيلا لحالة الفشل تسمح بالحكم على شكل ودرجة ونمط الفشل الذي تعاني منه كل دولة.

إنّ هذه الخصائص إذا  ما تحققت داخل دولة ما يمكن أن يؤدي إلى ظهور اللاجئين وحركة نزوح لا إرادية من السكان، ترغمهم على النزوح أو اللجوء نتيجة التدهور الإقتصادي الحاد. ووفقاً لنظريات الباحث السياسي “ماكس فيبر Max Weber” التي تقول، “من الممكن أن تكون الدولة ناجحة وأن تبتعد عن معيار وخصائص الدولة الفاشلة عن طريق المحافظة على احتكار الإستخدام المشروع للقوة والسلطة داخل أراضيها، دون السماح لجماعات مسلحة أو أمراء الحرب أو أي تنظيم مسلح من السيطرة على أي جزء داخل الأراضي، بحيث أن تبقى الكلمة الفصل والسلطة للدولة وحدها”. إلا أنّ احتكار الدولة وحدها على القوة والسلطة داخل مناطقها لا يكفي على حسب محددات ومؤشرات صندوق السلام (Fund For Peace)، فتوفير السلع السياسية ،وضمان عدم هجرة العقول وغيره من المحدادات هي أيضاً عامل هام لضمان نجاح الدولة من منظرور صندوق السلام.

وليس هناك إجماع حقيقي حول تعريف “الدولة الفاشلة”، فمنهم من وضَّحَهُ بشرعية الحكم، ومنهم من حدده بقدر احتكار السلطة بيد الدولة وحدها على ما تملك ومنهم من أوعزه بقدرة الدولة على توفير السلع السياسية للمواطنين، فلكل دولة فاشلة طريقتها في الفشل.

تصبح الدولة فاشلة إذا ظهر عليها عددٌ من الأعراض أولها أن تفقد السلطة القائمة قدرتها على السيطرة الفعلية على أراضيها أو أن تفقد احتكارها لحق استخدام العنف المشروع في الأراضي التي تحكمها. وثانيها هو فقدانها لشرعية اتخاذ القرارات العامة وتنفيذها. … ورابعها عجزها عن التفاعل مع الدول الأخرى كعضو فاعل في الأسرة الدولية.

وادناه دراسة في تقييم الدول على بعض المؤشرات المختلفة تتراوح بين الاجتماعي والاقتصادي والسياسي لتستفيد من المحاولات السابقة، وتقدم إطارا أشمل للمعايير التي تقيس درجة الاستقرار داخل الدول. هذه المؤشرات هي:

المؤشرات الاجتماعية

1. تصاعد الضغوط الديمغرافية (زيادة السكان، وسوء توزيعهم، والتوزيع العمري، والنزاعات المجتمعية الداخلية… إلخ).

2. الحركة السلبية والعشوائية للاجئين أو الحركة غير النظامية للأفراد تخلق معها حالة طوارئ معقدة (ينتج الأمراض، ونقص الغذاء والمياه الصالحة، والتنافس على الأرض ومشكلات أمنية للدولة…).

3. الميراث العدائي الشديد يجعل الجماعات المظلومة تنتظر الثأر (عدم العدالة، والاستثناء السياسي والمؤسسي، وسيطرة أقلية على الأغلبية…).

4. الفرار الدائم والعشوائي للناس (هجرة العقول، وهجرة الطبقات المنتجة من الدولة، والاغتراب داخل المجتمع).

المؤشرات الاقتصادية

1- غياب التنمية الاقتصادية لدى الجماعات المتباينة (عدم المساواة في التعليم والوظائف والدخل، ومستويات الفقر، وتزايد النزعات الإثنية لهذه الأسباب…).

2- الانحطاط الاقتصادي الحاد (الدخل القومي، وسعر الصرف، والميزان التجاري، ومعدلات الاستثمار، وتقييم العملة الوطنية، ومعدل النمو، والتوزيع، والشفافية والفساد، والتزامات الدولة المالية…).

المؤشرات السياسية

1-فقدان شرعية الدولة “إجرام الدولة” (فساد النخبة الحاكمة، وغياب الشفافية والمحاسبة السياسية، وضعف الثقة في المؤسسات وفي العملية السياسية ما يكثر مقاطعة الانتخابات وانتشار التظاهرات والعصيان المدني… وذيوع جرائم ترتبط بالنخب الحاكمة…).

2- التدهور الحاد في تقديم الخدمات العامة (ألا تؤدي الدولة وظائفها الجوهرية مثل حماية الناس، والصحة والتعليم والتوظيف، تمركز الموارد بالدولة في مؤسسات الرئاسة وقوات الأمن والبنك المركزي والعمل الدبلوماسي…).

2- الحرمان من التطبيق العادل لحكم القانون وانتشار انتهاكات حقوق الإنسان (الحكم العسكري، وقوانين الطوارئ، والاعتقال السياسي، والعنف المدني، وغياب القانون، وتقييد الصحافة، وخوف الناس من السياسة…).

3- تشتت الأمن قد يخلق دولة داخل الدولة (ظهور نخبة عسكرية داخل الجيش، وهيمنة النخبة العسكرية، وظهور النزاعات المسلحة، وظهور قوة أمنية وتوازي الأمن النظامي للدولة…).

4- تنامي الانشقاقات داخل النخب بالدولة (الانقسام بين النخب الحاكمة ومؤسسات الدولة، واستخدام النخبة الحاكمة لنغمة سياسية قومية تذكر بتجارب وحدوية قومية مثل صربيا الكبرى أو التطهير الإثني…).

5- تدخل دول أخرى أو فاعلين سياسيين خارجيين (التدخل العسكري أو شبه العسكري داخليا في الدولة أو جيشها أو جماعات فرعية بها، وتدخل قوات حفظ السلام والقوات الدولية…). وقد قامت الدراسة بوضع دليل تراتبي يشمل 60 دولة بعد جمع البيانات وتحليلها، حيث يأخذ كل مؤشر 10 نقاط ليكون مجموع النقاط التي تحتسب للدولة 120 نقطة، ويكون أعلى الدول حصولا على النقاط هي الأكثر تعرضا لخطر الفشل

ورأى آخرون أنّ الدولة الفاشلة؛ هي الدولة التي تحكمها الملشيات المسلحة. فيما عبّر بعض الباحثين وقالوا بأنها: تلك الدولة التي تفقد السيطرة على وسائل العنف الخارج عن الإطار القانوني. ومن ثم تكون عاجزة عن تحقيق السلام والاستقرار لشعوبها، وفي فرض السيطرة على أراضيها أو جزء منها، وعليه لا تستطيع ضمان النموّ الإقتصادي، أو أي توزيع عادل للسلع الاجتماعية، وغالباً ما تتميز بانعدام المساواة الإقتصادية والمنافسة العنيفة على الموارد.

إن معظم التعاريف السابقة تتمحور حول قدرة الحكومة على القيام بواجباتها السيادية على ما تملك بأكمل وجه، وأنه كلما ما ضعفت وتفككت وكانت على وشك انهيار حكومي، كلما باتت الدولة أقرب إلى الفشل.

وفي هذا السياق، تبلورت مقاربة كمية رقمية تحت مسمى “مقياس الدول الفاشلة Fragile States Index”، والذي يصدر عنه قائمة بترتيب الدول، حسب درجة إخفاقها، وفقاً لمؤشرات إقتصادية، واجتماعية، وسياسية، وأمنية، بحيث أصبح هذا المقياس السنوي يحظي باهتمام وسائل الإعلام العالمية، ودوائر صنع القرار في الدول الكبرى، بما يعيد تشكيل الخطاب السياسي، وتوجهات السياسات الدولية بشكل عام فضلاً عن اتجاهات تأثيره في السياسات الدولية

 (FFP)  Fund For Peace خصائص رئيسية للدول الفاشلة تمثلت بـ:

فقدان سيطرة الدولة على أراضيها أو جزء منها، أو فقدان إحتكار الإستخدام المشروع للقوة والسلطة داخل أراضيها.

تآكل السلطة الشرعية، لدرجة العجز عن إتخاذ قرارات موحدة.

عدم القدرة على توفير الخدمات العامة.

عدم القدرة على التفاعل مع الدول الأخرى كعضو كامل العضوية في المجتمع الدولي.

كما وضع صندوق السلام (Fund For Peace) مجموعة من المعايير وفق آلية علمية تستخدم برامج معقدة ومتطورة تقوم بمسح عشرات الآلاف من المصادر الإخبارية لجمع المعلومات وتحليلها، ومن ثم تأطيرها ضمن 12 مؤشراً فرعياً وهم ( الضغط الديموغرافي، اللاجئين والنازحين، انتشار الظلم، حق السفر والتنقل، الناتج الإقتصادي المتفاوت، الإنحدار الإقتصادي، شرعية الحكم، الخدمات العامة، جهاز الأمن، الفصائل والطوائف المختلفة، التدخل الخارجي)، وتتراوح قيمة كل منها بين (0-10)، وكلما حازت الدولة علامات أعلى كلما تصدرت قائمة تصنيف الدول الفاشلة. وللتسهيل سنقسمهم إلى مؤشرات رئيسية لتوضح في كيفة الحكم على فشل الدولة:

المؤشرات السياسية:  وأهمها يتمحور بمدى درجة شرعية ومصداقية نظام الحكم، تراجع قدرة الدولة على تقديم الخدمات العامة، تعطيل أو تعليق تطبيق حكم القانون وانتشار ممارسات انتهاك حقوق الإنسان، تنامي حالة من ازدواجية المسؤولية الأمنية بحيث تتمتع جهة بسلطة تضاهي سلطة الدولة، وجود حالة من عدم الااستقرار السياسي خاصة على المستوى المؤسساتي، تزايد حدة التدخل الخارجي سواء من جانب دول أو فاعلين من غير الدول.

إن فشل القيادات السياسية في العراق وسوء إدارتها هو السبب الرئيس في ديمومة الإرهاب وانتشار الفساد، وهذا ما يجعل العراق ماكثا في دائرة تصنيف الدولة الفاشلة. والمشكلة الحقيقية تكمن في ضياع المسؤولية عن حالة التردي التي وصلت إليها البلاد بعد 16 عشر عاما من سقوط النظام الدكتاتوري.

فعلى مستوى الطبقة السياسية التي تدير البلاد، لا تجد فروقات كبيرة في المضمون بين سوء إدارة النظام الشمولي وسوء إدارة قيادات سياسية تعمل بعنوان نظام “ديمقراطي”. فكلاهما يعمل ضمن منظومة سياسية تجتهد لضمان ديمومة بقاءها بالسلطة بغض النظر عن القبول والرضا التي يمكن أن ينعكس عن السياسات العامة للنظام السياسي.

فشل الدولة لا يقف على المستوى المادي، المتعلق بتقديم الخدمات أو ما يعرف بمفاهيم السياسة العامة السلع السياسية political good، فالفساد الإداري والمالي، وسوء الإدارة يمنعان أي منجز سياسي أو خدمي يقدَّم للمواطن.

لكن الأخطر من ذلك هو فشل الدولة في تحقيق الاندماج السياسي والاجتماعي، وإعادة ثقة المواطن بالدولة ومؤسساتها. فتوالي ضياع الفرص من قبل النخب الحاكمة لا يزال يعتمّ الظروف ويحجب أيّ بصيص أمل نحو مستقبل الإصلاح السياسي.

فنوري المالكي أضاع فرصة بناء دولة القانون والمؤسسات، وبداية إعادة الثقة بين المواطن والحكومة التي وفرتها هزيمة القاعدة وخطة فرض القانون في بدايات 2007، ولكن سعي المالكي لتمركز السلطة في شخصه كان كفيلا في تلاشي أي منجز سياسي أو أمني أو خدمي.

وفي السنة الأخيرة من ولايته، لم يستثمر حيدر العبادي إعلان النصر على داعش، إذ انشغل بترتيب وضعه الانتخابي على حساب شعارات سياسية افتتح بها بداية تسلمه السلطة في 2015 برفعه شعار محاربة الفساد والإصلاح. وانتهت فترة حكمه من دون أن يتلمس المواطن إصلاحا حقيقا أو خطوات جدية لمحاربة الفساد.

لا تزال الطبقة السياسية عاجزة أو غير قادرة على استيعاب مسألة انتهاء زمن الشعارات والوعود التي لا تتلاءم مع نظام سياسي يعتمد الانتخابات مدخلا لمنحه الشرعيّة. فما يوحّد الجمهور في العراق هو المعاناة وتزايد الشعور بفقدان الثقة بالأحزاب والطبقة السياسية الحاكمة. ويبدو أن هناك ملامح تحرر في وعي الجمهور من المخاوف المرتبطة بالهويّة وقلق العلاقة مع الآخر المختلف في المذهب والقومية، هذه المخاوف التي كانت تخدم الخطاب السياسي التبريري للطبقة الحاكمة.

يحتاج العراقيون في مرحلة ما بعد داعش، إلى زعيم أو نخب سياسية حاكمة تستمد شرعيتها من المنجز، ولا تتبجح بالاستحقاق الانتخابي لتشكيل الحكومة ومن ثم تنصرف لتوزيع مغانم السلطة. ويجب أن يكون هناك إجماع سياسي على أن ما يهدد العراق ليس تنظيم داعش أو الجماعات الإرهابية مهما اختلفت عناوينها وتسمياتها، بل أن التهديد الأكثر خطورة هو بقاء وتمدد الدولة الفاشلة في العراق.