إن من فرط الخلاف في المشهد العراقي حتى ليظن المرء أن لا أمل للإنفرج و تجاوز للأزمات يلوح بالأفق ، أهكذا حقا ان تراكمات السوء بلغت من الحد ما يعصى على المعالجة ؟ نعم لا يمكن لإحد ان ينكر ان الأخطاء و بسبب تراكمها بلغت من التعقيد ما جعل مجرد تفكيكها يفتح النار على مصراعيه ، ليس هذا تصور متخيل ، فإن الاختناق الحاصل الان بدأ من مجرد مطالبة الناس بحقوقها البسيطة مثل الطاقة الكهربائية ، و قد يكون هذا المطلب هو كل ما دفع الناس للتظاهر قبل عام من يوم ، إلا ان عدم إمكانية الحكومة العراقية من توفير الكهرباء بسبب الفساد الذي يضرب بكل جوانبها ، فتح هذا الباب لتطور المطالَب و توسعها ، و صار واضحا ان البناء الهش و السيء للنظام السياسي لا و لن يستطيع ان يلبي للناس الي مطالبهم او ان يحقق لهم اقل أشكال الحياة الكريمة ، و صار لأول مرة الحديث عن حتمية الاصلاح و على ان يكون جوهريا و شاملا ، و هنا اتضح مدى سوء نهج المحاصصة الذي اعتمد في بناء المؤسسات و انتهج خطابا للتثقيف الاجتماعي ، و صارت الناس بما فيها العامة تنادي بإنهاء منهج المحاصصة باشكالها كافة ، إلا ان حركة التظاهرات المطالبة بالحقوق و الإصلاحات و على الرغم من تأييد المرجعية الدينية لها و مساندتها ، و كذلك تبني الحكومة لمشروع اصلاحي معين ، إلا أن هذه المساعي و بدل ان تسهم في حل المشكلات و الأزمات ، تسببت تداعياتها بإحداث اصعب أزمة سياسية عاشتها السلطتين التشريعية و التنفيذية في العراق منذ العام ألفين و ثلاثة ، بلغ الحال تعطل لعمل المجلسين و لا زال قائم الى اليوم … و السؤال الحرج هنا ، لماذا حتى مساعي الاصلاح هي الاخرى تحدث كل هذه الأزمات !؟ مؤكدا ان الاصلاح لم يتحقق ألا عن طريق إلغاء المحاصصة و هذه الاخيرة تعني أطراف كبيرة في العملية السياسية ، أي ان وجودهم في تحقيق المصالح و الامتيازات مرهون بالمحاصصة ، فعملية إلغاءها يعني إلغائهم و هؤلاء بطبيعة الحال لن يسمحوا بذلك ، و سيقومون بمحاربته و التصدي له ، و هم يملكون من القدرة ما يجعلهم يواجهون اي جهد اصلاحي حقيقي . بيد ان المساعي الإصلاحية هي الاخرى تعاني من مشكلات بنيوية ابرزها العمومية و عدم القيام بالعمل الأمثل بطريقة متخصصة ، فرغم كل ما حصل لا زال القانون الغير مناسب للانتخابات هو القائم ، و أن العملية الإصلاحية من غير تشريع قانون على يد مختصين وطنيين يعتمد نظام الدوائر المتعددة ، كأعتماد دوائر على أساس المجالس البلدية ، من أجل تحقيق تمثيل حقيقي للناخب و إيقاف هيمنة زعماء القوائم على نوابهم ، و سنكمل في الحلقة القادمة باقي الإجراءات المفترضة للإصلاح .