صار واضحا الان أكثر من أي وقت مضى أن المحاصصة بإشكالها كافة هي الخصم اللدود لمشروع الدولة العراقية الوطنية ، و إن جولات الصراع بين مشروع الدولة الوطنية الذي لا زل إلى ألان يتصف بالضعف مع المحاصصة ، هو العنوان العام لكل ما يجري برلمانيا و حكوميا ، و المحاصصة لديها من الأساليب و الحيل ما يُمّكنها من إجهاض أي مشروع وطني ، فضلا عن كونها تقدم نفسها بعناوين منمقة بما فيها الوطنية ، إلا أن تقدما ملحوظا كشفته تداعيات و تجاذبات المطالب الاصلاحية التي نادت بها المرجعية الدينية و كذلك مواطنين تظاهروا من أجل توفير الخدمات و محاسبة الفاسدين بما يرتبط بحجم المشاكل التي تتسبب بها المحاصصة المعتمدة في العمل السياسي بإشكاله و مستوياته المختلفة ، و هذه حالة صحية على الرغم من كون نتائجها ليست واضحة فضلا عن أنها جاءت متأخرة ، إلا أن ما نريد أن نشير له في هذه الحلقة هي عملية التحايل الاخيرة التي تسعى لها بعض الاطراف التي تعتمد المحاصصة طريقا لتحقيق مصالحها الخاصة ، ففي الفترة الاخيرة صار البعض يتحدث عن ضرورة أن يتم تجاوز المحاصصة الحزبية لإنها كما يرى سبب البلاء السياسي و الامني و الاقتصادي و الاداري ، و أن المساعي ينبغي أن تتحرك في إجراء تغيير وزاري و في المناصب العليا بطريقة لا تعتمد بها المحاصصة الحزبية ، و صار الحديث عن هذا كأنه الحل السحري الذي سيغير حال البلد الى أفضل حال و يقضي على المشكلات كافة ، و هذه خدعة جديدة لفئة من رجال المحاصصة دون غيرهم ، و تتضمن أنها تريد أن تصور أن مفهوم المحاصصة هو ( الحزبية ) فقط ، و هذا أمر غير صحيح ؛ فالمحاصصة في العراق ثلاث مستويات :
أ: الاثنية
ب: الطائفية
ج: الحزبية
و هذه الاصناف الثلاث تشكل مستويات المشكلة الجوهرية ، فتجاوز واحدة منها لا يعني إلا التقليل من حدتها و ليس حلها ، لإن الصنفين الاولين سيعيدان الثالثة حتما ، و في النهاية سيكون العمل مجرد إجراءات عبثية لا قيمة لها ، الدولة الوطنية هي التي تحمي الهويات و التنوعات الفرعية كإنتماءات دون الانتماء الوطني ، و أن لا تأخذ هذه الانتماءات الفرعية أكثر حجمها التراثي و الثقافي ، و هذا لن يكون إلا بجماعات وطنية تمارس التشريع و العمل و السلوك و الخطاب الوطني ، و هو عين التشريعات و العمل و السلوك و الخطاب الذي دأبت عليه السلطة القضائية على طول تجربتها المعاصرة بعد التغيير في العام الفين و ثلاثة .