الدولة الحديثة هي الكيان الذي يكتبه المفكرين و العلماء ، و يقوم بتحويل هذه الكتابات الى مشروع المتعلمين الخبراء الصالحين ، فالعالم لم يعد كما كان يتسم بالبساطة كما كانت المجتمعات التي بإمكان حكماء القوم أن يديروا شؤون الرعية ، و يوفر الخيرين حاجات المعوزين كما كان ، فالانسانية بلغت من التطور الشيء المذهل ، و التطور هذا مثلما له إيجابيات كذلك له تعقيدات تفضي الى صراعات و خلافات متنوعة ، في السابق كان بإمكان أي مشرع يتمتع بالحكمة بمعنى معرفة تجارب القوام و الامم السابقة و يوظفها في صياغة القوانين و طرائق العمل ، هذا الامر جميل كتراث لإجدادنا و من حق الجميع أن يفخروا به ويستأنسوا بقرأته ، إلا أنه لم يعد ينفع لحياتنا الراهنة … فالعالم المتطور لم يشهد تطورا في التكنولوجيا و وسائل الطاقة فحسب ، بل تطورت كل الشرور الانسانية ، كل ما كان يقترفه الانسان من القتل و السرقة و الظلم و غيره ، اليوم متواجد بإشكال معقدة و غامضة و مختلفة عن كلها السابق ، لم يعد اللص هو ذلك الذي يقوم بسلب قوافل المسافرين وسط الصحراء أو ذلك الذي يسطو على البيوت في جنح الظلام ، ألان السرقات المصرفية و التجارية و السياسية ، أسمها سرقات لكنها بإشكال متطورة ، و هكذا جرائم القتل و الظلم ، و من اجل هذا تنامت العلوم و اتسعت لتستوعب كل هذا التغير و التطور ، فلم يعد القاضي هو الرجل الوحيد الذي يقوم بالتصدي للمجرم و يحاسبه ، بل أن المجرم صار موضوع علماء النفس و الاجتماع و الانسان و الاقتصاد و السياسية و الطب ، لذا نجد في المكتبة الانسانية علوم من قبيل ( إجتماع الجريمة ، أنثروبولوجيا الجريمة ، علم النفس الاجرامي ، أقتصاد الجريمة ، بايلوجيا الجريمة و الخ ) ، هذه العلوم ليست ترفا معرفيا ، بل أنها ضرورة فرضها تطور الجريمة على المستويات كافة ، و هكذا في كل حقول الحياة ، لا يمكن إنكار مدى التقصير الذي تقترفه الحكومات في العراق في عدم الاستفادة من البحوث و الدراسات التخصصية الامبيريقية و التأملية منها ، في صياغة المنظومة التشريعية و التنفيذية للدولة العراقية ، و هذا من أكبر الأسباب أن المؤسسات في الدولة العراقية تقف في الكثير من المجالات عاجزة عن وضع حلول تتناسب مع حجم المشكلات التي تواجهها