أن بناء الدولة الدولة المدنية لا يعني بالضرورة (بدلة وربطة عنق وشعارات رنانة)، بقدر ما تعني العمل بصمت ليتكلم ذلك العمل في احترام وحفظ حقوق الآخرين وصيانة كرامتهم في بناء الدولة العراقية المدنية المعاصرة وفق الأسس الدستورية والقوانين والمعاهدات الدولية الخاصة بالحقوق المدنية والاجتماعية والثقافية والاقتصادية والسياسية للفرد والمجتمع.
ومن يظن بحسن نية أن مصالحه ومصالح الوطن ترتبط بأقوال السلف أن يدركوا أن هذا الظن لن يؤدي إلا إلى الاضطراب.ويشهد العراق في الفترة الحالية والمقبلة حراكا سياسيا عاليا. وعلى أساس هذا الحراك الذي لا يمكن التنبؤ بنتائجه، سيتحدد مستقبل الوطن لمراحل طويلة قادمة، إما أن تنهض علي أرض العراق دولة عصرية بكل المعاني، وإما أن يتراجع عن المكتسبات التي حققها الشعب خلال العقد الماضي، إذا ما فشل (لا سمح الله) في إقامة هذه الدولة المدنية العصرية. واعتقد ان لا أحدا يجهل أن أي تصور لهذا المستقبل يخالف ما هي مؤهلة له بحكم التاريخ والجغرافيا، سيشكل نكسة فادحة، خاصة أن تراكمات الماضي الحافل بالأخطاء تعتبر قوة جذب إلي الوراء، من الصعب الخروج منها أو مقاومتها.ومن هنا على أهل الدراية والثقافة والتشريع ان يعبئوا أسلحتهم الفكرية ويطرحوا أفكارهم لبناء دولة مدنية حقيقية بعيدة عن الشعارات (والبدلة وربطة العنق)، دولة تحترم فيها جميع الأديان والمذاهب، قريبة من الدين في الحياة الاجتماعية بعيدة عنه في الحياة السياسية، ونطالب التكنوقراط بان يتركوا (البدلة وربطة العنق) وينظروا الى من يرتدي البنطلون الذي سعره مع (التي شيرت) بسعر ربطة عنق قد يرتديها أصحاب البيروقراطية،ولكنه تجده يطرح رؤى حقيقية لبناء الدولة العصرية التي يتطلع إليها المجتمع العراقي. وما علينا الا العمل على تقييم نظام الحكم ومؤسسات الدولة وخطط الإنتاج فيها، حتي لا نعود مرة أخري إلي الصوت الواحد، وإلي البدع والمظالم التي لم تكن تسفر إلا عن الأخطاء الجسيمة.وبذلك يجب ان نوقف مزايدة المزايدين الذين يريدون أن يفرضوا الماضي على الحاضر، وتقاليد البادية على الحضارة، والنقل على العقل.كما انه ليس من السهل تحديد أبعاد الدولة المدنية الحديثة التي تمنع الاستغلال، وتفصل الدين عن الدولة، وتتساوي فيها قوة المعارضة مع قوة السلطة، وتتبنى فيها قيادات الدولة المدنية القيم الجديدة التي تري أن القواعد المقيدة للشر مصدر للحرية، يزيل الصدع بين الضرورة الإنسانية والضرورة الطبيعية.
ان من يريد إن يعمل بجد وإخلاص في بناء الدولة المدنية عليه أولا عدم التعارض بين الفرد والمجتمع وبين القومي والإنساني وبين الديمقراطية والدين، كمان ان التحرر الكامل بالوعي وبالإرادة من المذهبية والعرقية الضيقة التي تغلق على نفسها أبواب المحدودية ولا تتفاعل مع الثقافات البشرية المتجددة، والتعامل على تأسيس المدنية التي لا تضع حدودا للحياة والفن، لأنهما أكثر غنى من كل تحديد، والسير في التنمية الدائمة وفق الاستراتيجيات العلمية الشاملة، لا وفق التعاويذ والرقي السحرية.ومهما تعرض البلد فلن يتخلي عن مسئوليته التاريخية إزاء المجتمع .وظروفنا الراهنة التي يقف فيها العراق ، تحتم التغيير نحو بناء مؤسسات الدولة المدنية الحافظة للحقوق والتي تصون كرامة الأديان والمذاهب دون ان تتعكز عليها، ويجب ان لا يكون تغييرا شكليا أو صوريا، أو مجرد كلمات بلا رصيد، تكتب علي ورق يابس.بل نعمل على دولة مدنية حقيقة وليس شعار.
ومن يريد ان نضع يدنا بيده للعمل المخلص فنحن حاضرون لاننا نناضل نضالا مدنيا لتحقيق الدولة المدنية بمؤسساتها ومجتمعها ضمن الدستور والقوانين التي تشرعها السلطة التشريعية.