9 أبريل، 2024 5:17 م
Search
Close this search box.

الدولة المدنية ،والدولة الدموية ،ودولة الرسول وعلي

Facebook
Twitter
LinkedIn

لقد قرأت مراراً وتكراراً وبحث كثيراً في تاريخ الأنبياء والمرسلين الذين أرسلهم الله تبارك وتعالى والبالغ عدد (124) ألف ،وهم المصلحين والمخلصين الذين يحققوا العدل والوئام بين سائر البشر ،وفتشت بسيرهم ونهجهم لم ولن أجد فيهم من دعا لحكومة دينية تغيب وتقصي باقي الأقليات في المجتمع او الأمة المعنية ,الذين أرسلوا اليها ،فجلهم لم يحملوا منهج الإقصاء والتهميش واستبعاد الآخرين من العيش بحرية وممارسة شعائرهم وطقوسهم ،بل كانت رسالتهم تؤكد على البناء الإنساني والروحي للإنسان والسمو بنفسه وبذاته وعلوها فوق الكثير من المسميات ولذلك تعامل الباري مع الانسان ليس بشكله ونوعه ودينه ومعتقده ،وإنما تعامل معه بنفسه التي تدفعه لسلوك معين ،فهنالك النفس الأمارة بالسوء وهي التي يغلب عليها هوى الشيطان وتكون منقادة لأفعاله وتنفذ ما يريدها منها من آثام وشرور ,وهي موطن الفساد،وهنالك النفس اللوامة والتي تعيش حالة الصراع بين عمل الخير والشر،وعندما تقدم على فعل الشر فان الضمير هو من يحاسبها ويؤنبها على ما ارتكبت ،والنفس الراضية والمطمئنة هي تلك التي تصل لمستوى الرقي وتكون معصومة من الانحراف والسلوك غير الحسن وتختص هذه بالرسل والأنبياء والأولياء ,ان بناء الدولة المدنية هي من صنع الإنسان وفكره ,وقوانينها من وحي المجتمع الذي تعيشه كل أمة ,والدين والصلاة والصوم هي علاقة روحية بين العبد وخالقه ،فالرسول الأكرم سنته كلها رحمة وعدلاً وأخلاقا هي امتداد لرسالة السماء السمحاء ، ولكن الله اوجب الوفاء بالعهد وحرم الغدر،وقول الباري (وأوفوا بالعهد أن العهد كان مسؤولا) وقول الرسول (ص) (أد الأمانة لمن ائتمنك ،ولا تخن من خانك ) وقوله (ألا أخبركم بخياركم ؟ خياركم الموفون بعهدهم ) وفي وصيته للإمام علي (ع) (إياك والغدر بعهد الله والاخفار بذمته ،فان الله جعل عهده وذمته أمانا أمضاه بين العباد برحمته ،والصبر على ضيق ترجو انفراجه ،غير من غدر

تخاف أوزاره وتبعاته سوء عاقبته ) فأن اول خطوة قام بها الرسول (ص) بعد ان دخل المدينة المنورة هي إصدار وثيقة المدينة والتي تعتبر أول وثيقة لحقوق الانسان في العالم وكان هدفها لتنظيم العلاقات بين المهاجرين والأنصار, وفق المنهج الذي يؤمن بالدولة المدنية التي تكفل لرعاياها من مسلمين وغير مسلمين التمتع بكل الحريات الاساسية ،وبجميع الحقوق الانسانية التي تحفظ للمواطن إنسانيته وكرامته ،وكحقه في لحياة،وحريته في التفكير والاجتماع والتدين والضمير وممارسة الشعائر والطقوس التي يمارسها كل تجمع او امة ، فقد واعد بالوثيقة اليهود وعاهدهم فيها ،واقرهم على دينهم وأموالهم ،وشرط لهم،واشترط عليهم ،فهي توضيح لطبيعة السلطة السياسية التي يرجع لها عند الاختلاف ، فقد جاء بالوثيقة في التعامل مع اليهود (اليهود ينفقون مع المؤمنين ما داموا محاربين ،وان يهود بني عوف أمة مع المؤمنين، لليهود دينهم ،وللمسلمين دينهم ،مواليهم وأنفسهم ،آلا من ظلم وأثم ،فانه لا يوتغ (يهلك) ألا نفسه وأهل بيته ) هذا الجزء يشير ,على ان الرسول حمل برسالته ثقافة الحب والتسامح ولم يصدر أية فتوى بقتل الأقليات أو طردهم من المدينة ،فاحترام العهد جزء أساسي ومهم من بناء الدولة وقوتها لأنه سيضفي الطمأنينة في نفوس المواطنين ،وقول الرسول (ص) (من قتل معاهداً ،لم يرح رائحة الجنة ) وجاء في عهد النبي لأهل نجران انه قال (لا يؤخذ منهم رجل بظلم آخر) وقوله (من اذى ذمياً فأنا خصمه يوم القيامة ) ان مواطني دولة الإسلام يمكن ان يكونوا غير مسلمين أذا تعهدوا بالخضوع لقوانينها والتزاماتها وينخرطوا في صفوفها وبالتالي هم مواطنين من الدرجة الأولى ,وبعكس ما يفرضه الطغاة والمستبدين بتصنيف المجتمع لعدة طبقات وألوان ودرجات وعندها يصبح المجتمع تسدوه ثقافة الأحقاد والكراهية وان تلك الطائفة والمكون أفضل من غيرها ،هذه الفوضى الطبقية هي من مقومات الدولة الدموية التي تنتهج طريق المحرقة وقتل أولاد الوطن وتحت أوجه ومسميات مختلفة ،ولقد تجلت أروع الحكومات المدنية بعد الرسول في حكومة الامام علي (ع) وذلك عن برهان وشواهد ومنها في وصيته لمالك الاشتر عندما أرسله لمصر فقد جاء في باب

الرعية (، وأَشْعِرْ قَلْبَكَ الرَّحْمَةَ لِلرَّعِيَّةِ ، والْمَحَبَّةَ لَهُمْ ، واللُّطْفَ بِهِمْ . ولا تَكُونَنَّ عَلَيْهِمْ سَبُعاً ضَارِياً ، تَغْتَنِمُ أَكْلَهُمْ ؛ فَإِنَّهُمْ صِنْفَانِ : إِمَّا أَخٌ لَكَ فِي الدِّينِ ،وأما نظير لك في الخلق) وحادثة أخرى وهي قصة درعه ,والتي مفادها انه كان ماراً بالسوق فرأى نصرانياً يبيع أدرعا فكان من ضمنهم درعاً له فقال الامام هذا :درعي وبيني وبينك قاضي المسلمين (شريحاً) فقال شريح ما تقول يا نصراني ؟فقال النصراني :ما اكذب أمير المؤمنين الدرع درعي .فقال شريخ مارى ان تخرج من يده فهل من بينة ؟فقال الأمام صدق شريح .فقال النصراني :أما انا فاشهد ان هذه أحكام الأنبياء وأمير المؤمنين يجيء الى قاضيه ,وقاضيه يقضي عليه ،هي والله درعك يا اميرالمؤمنين .اتبعتك وزالت عن جملك الاورق فأخذتها ,فاني اشهد أن لا اله الا الله وان محمداً رسول الله ,ان قضية الدرع وباب الرعية يقدمان في مضمونهما رسالة واضحة المعاني والدلالة ،ان الأمام كان يحكم باسم العدل ليضمن الحقوق لكل أطياف المجتمع وألوانه ،وان سلطة القضاء عندما تكون مستقلة عن السلطات الأخرى يتحقق لأفراد المجتمع الامان والاستقرار ويشعرون أنهم متساوون جميعاً أمام القانون ،فهو الأب والراعي والضمان لهم في أوقات الرخاء والشدة ، ثم حادثة اخرى عن عيسى بن عبد الله الهاشمي عن ابيه عن جده قال (أتت علياً امرأتان تسألانه عربية مولى لها ،فامر لكل واحدة منها بكر من الطعام وأربعين درهماً ،فأخذت المولاة الذي أعطيت وذهبت ،وقالت العربية يأ ميرالمؤمنين تعطيني مثل الذي أعطيت هذه وأنا عربيه وهي مولاة ؟ فقال لها علي :اني نظرت في كتاب الله عزوجل فلم أرفيه فضلاً لود إسماعيل على ولد اسحاق عليهما الصلاة والسلام) هذا يعني ان خراج الدولة هو ليس للمسلين دون غيرهم ،أوالمسلمين لا يحصلون على المال اكثر من غيرهم ، فالتساوي بالمال بما يأخذ علي ويأخذ غيره اي كان دينه يعطي انطباعاً باحترام الدولة ،وان خطها هو الخط المدني ،فالتمرد على قوانين الدولة والدستور وتشريع قوانين لفئة معينة من المجتمع كان تكون سياسية او جماعات الضغط للحصول على بعض الامتيازات سواء أراضي ورواتب عالية ودور سكن فارهة (فيلات) وسيارات مصفحة تستبدل كل وقت وحين ،وغض

النظر عمن يسرق من المسؤولين والمتنفذين في صنع القرار في الحكومة ليوصل رسالة بالاستخفاف بهيبة الدولة الى أفراد المجتمع ,وحرق الأخضر واليابس معاً للتمويه عن فسادهم ،هكذا تدار الدولة التي تحملنا أوجاع الطغاة وظلمهم لأكثر من (4)عقود ،ما لفائدة من إصدار وتشريح قوانين جديدة وتعليمات تتماشى مع طبيعة المرحلة ؟ لغرض أنصاف المواطنين والموظفين الذين ينقضي راتبهم عند بداية كل شهر،وهنالك من يتسلط على تنفيذ القرار هو غير مؤتمن وغير مؤهل لأن يكون في هذا المنصب وغيره لأنه ينظر بعين الاستخفاف والاستحقار للمجتمع ويعتبر المنصب غنيمة او منجم من الذهب يدر عليه الأموال دون النظر بأنها خدمة إنسانية ووطنية واجتماعية، لقد احترم الرسول كل المواثيق التي قطعها مع الناس لأنه يطمح ان يعيش الجميع في حياة تنعم في ظلها كل المكونات ، لقدم تحمل الآلام المشركين وعذابهم ولم يستبد برأيه ويصادر أراء الآخرين ،اليوم هنالك من يدعون بالكلام انهم على خطى الرسول هم الارهابين و(إرهابهم ) ولكن فعلهم أكثر شراسة من الذئاب المفترسة ,هناك من يبيع الفتاوى وهناك من يشتريها بالأموال ليدفع عنه شبح التغيير وبقاء سلطته ،وتزهق ألأرواح البريئة, هل أوصى الرسول بتكفير الآخرين وقتلهم لأنهم ينتمون لطائفة أخرى وهم مسلمون ؟ لقد قال غاندي محرر الهند قولاً ضل يهز صدى التاريخ عن دولة الرسول بقوله :(لقد اقتنعت أكثر من أي وقت مضى بحقيقة أن السيف لم يكن هو من فاز بالمكانة للإسلام في تلك الأيام في برنامج الحياة، بل كانت البساطة الصارمة، والمحو الذاتي التام للنبي، والاحترام الدقيق للعهود، والتكريس العظيم تجاه أصدقائه وأتباعه، وجراءته، وقلة خوفه، وثقته التامة بالله وبرسالته. هذه الأمور وليس السيف وسخرت كافة العقبات أمامهم)هل المدنية تعني ان نبيح أعراض الناس ونستبيح أموالهم وأنفسهم لأننا نختلف معهم في الرأي والمعتقد ؟ فإذا كانت كذلك فسلاما على المدنية يوم ولدت ويوم قتلت ويوم تبعث حيا.

مقالات اخري للكاتب

أخر الاخبار

كتابات الثقافية

عطر الكتب