18 ديسمبر، 2024 7:00 م

في تسجيل بالصوت والصورة ، مدته اقل من دقيقة ظهر المتهم الاول في ارتكاب جريمة سرقة القرن المدعو نور زهير جاسم ،يتحدث فيه بطريقة ساخرة عن لحظات الافراج عنه وقال بانه سيفضح ( الجميع )!!!!!مالم يتم الافراج عنه قبل الاول من كانون الاول ديسمبر .
تسجيل في اقل من دقيقة يستحق الدراسة المستفيضة لما اكتنفته من رسائل مهينة ومذلة للدولة العراقية وللنظام الحاكم وللامة العراقية .
نور زهير افرج عنه بالفعل وتاليا افرج عن ابرز المتهمين الرئيسيين والمتورطين وذلك مع برود القضية ومضيها نحو التمييع .
هذا التسجيل وثيقة في غاية الأهمية لجهة دراسة مدى هشاشة ولامسؤولية وعدم جدارة النظام السياسي ، ومن ثم تحديد دور هذا النظام في تفكيك هيبة الدولة وتهديد وحدتها .
ولما نقول هيبة الدولة نعني بذلك آلية ضبط وانفاذ القانون المستنبطة والمستلهمة من المعايير الاخلاقية التي تحكم دستور الدولة .
الرسالة الواضحة والبسيطة التي اوصلها نور زهير ( مصلح ثلاجات سابقا ) تفيد بان القضاء العراقي افرج عنه بطلب من اللصوص الكبار الذين خافوا ان يفضحهم لاسيما وان قسما منهم يمسك بتلابيب النظام والسلطة ،بحسب تلميحات المتهم.
( وما لم يثبت العكس ) فإن المعنى الاكثر بساطة الذي فهمته الامة العراقية الطيبة ، ان القضاء مجبر وليس مخير حينما ( استأنس ) الحاكم القضائي بالتفسير السياسي وليس القانوني في هذا الموضوع عندما يهدد المتهم نور زهير فيتحقق له ما يريد .
وفي العراق تحديدا ينفرد القضاء بانه وفي القضايا المفصلية ، يذهب الى إستئناس الرأي السياسي والمصلحة السياسية في اصدار الاحكام ، مع ان التفسير السياسي ليس من اختصاصه .
،مثل تفسيره في قضية ( الكتلة الأكبر ) وايضا قضية اتهام رئيس مجلس النواب الاسبق سليم الجبوري بارتكاب جرائم ارهابية حيث تقرر ( سياسيا ) وضع القضية في الدرج لان ( الارهابي ) مطلوب للتحالفات السياسية في الانتخابات التالية .
نعود الى آلية انفاذ القانون المختلة التي انفضحت بوثيقة التسجيل المصور واقول ، ان انكشاف مسؤولية النظام السياسي في الاخلال بآلية انفاذ القانون ، يعد فضيحة القرن الموازية ( لسرقة القرن ) .
ان آلية الانفاذ وفرض وتطبيق القوانين هي في جوهر مفهوم الدولة لانها ضابطة السلوك الاخلاقي، باعتبار ان قبول الجماعة ( الشعب ) بطاعة الدولة منوط بتجسيد وتفعيل القانون ..القانون المستل من الدستور . والدستور المدون على اساس المعايير الاخلاقية.
وعليه فان اي خلل بهذه المعادلة المتسلسلة والمتوالية ، يعني سقوط مفهوم الدولة الاخلاقية .
الدولة الاخلاقية هي كل دولة تلتزم بالدستور وتدير الشعب عبر تطبيق القوانين المنظمة على اساس مواد الدستور .
وقبل 7 الاف و500 عام قبلت مجموعة من البشر كانت تعيش على سفح جبل قره داغ جنوب شرق محافظة السليمانية شمال العراق ، قبلت هذه المجموعة بتشكيل هيئة ادارة لكيانها الموسوم بعنوان ( حكم قرية حسونه ) وهو اول تشكيل بدائي لادارة الجماعة في تأريخ البشرية .
تلك الجماعة قبلت ان يتولى أمرها زعيم او مجموعة قيادية( النظام السياسي ) وذلك للحاجة الى راعي يتولى الاشراف على ادارة هذه المجموعة وفق آلية موحدة تنظم سلوك الفرد والجماعة في اطار الكيان الموحد ( الدولة ).
هذا الابتكار البشري المنبثق عن حاجة الانسان للامن والقانون لتحقيق العدالة والمساواة ، مايزال ساريا ، وقد فشلت امامه جميع البدائل ( الفاضلة ، والمثالية ) التي طرحها افلاطون والفارابي وابو حامد الغزالي الذين عرضوا فكرة حكم مجتمع الفلاسفة ودولة الحكماء وهي دعوات بقيت مثالية وتنظيرية وفي بطون الكتب فحسب .
اذن متى ينفرط عقد الدولة والجماعة ؟
وماالذي يحدث حينما يحصل إخلال فاضح وعلني بالمعايير الاخلاقية الناظمة لسلوك مؤسسات الدولة ؟
الذي يحدث هو أن تسحب الامة لتعهداتها امام تشكيل مؤسسات الدولة . ولم تعد تؤمن بعدالة النظام السياسي .
ولما تسحب الامة تعهداتها وتسقط الاعتراف بالنظام السياسي ، تحصل الفوضى ويعم الهرج والمرج ، فتبدا الامة بالتفكك الى مجموعات صغيرة لان كل مجموعة تريد ان تحمي نفسها بعد ان سحبت ثقتها بعدالة النظام السياسي ( الراعي ) ، ثم تطور هذه المجموعة نظمها فتسن القوانين الخاصة لنفسها ( عشائرية ودينية ومذهبية وقومية )..
وعليه .. تفككت الامة والذي يعني عمليا تفكيك الدولة لان الامة الواحدة هي عماد الدولة ، والسبب ، هو عدم أهلية النظام في انفاذ آلية ضبط وانفاذ القانون . وهذا منطقي ونتاج طبيعي للاخلال بالمعادلة الاخلاقية بعد ان تشكلت الدولة بموجب حاجة الجماعة لادارة تدير آلية الضبط الاخلاقية لتحقيق الامن والامان والعدالة والمساواة .
ولكي لا نتيه في المصطلحات والعناوين . نلخص بمايلي :
القضية هي : سرقة مليارين و500 مليون دولار ( اموال الامة ) من خزائن البنك المركزي العراق ( مؤسسة دولة ) .
المقصر هو ( الحكومة ) التي هي من مؤسسات ( النظام السياسي ) والذي ظهر انه غير مؤتمن على حماية مال الامة ..
الافراج عن الجناة تم من قبل القضاء ( مؤسسة دولة ) ويعني ( عدم الامن والامان ) وذلك بطلب من زعامات سياسية ( النظام الحاكم ) . ما يعني الاخلال في تطبيق الية انفاذ القانون والذي هو الآلية العملية لتطبيق المعايير الاخلاقية الناظمة للدستور .