أغلب زعماء المنطقة كانوا يتوقعون أن يلغي رئيس إقليم كردستان مسعود بارزاني استفتاء الاستقلال في آخر لحظة أو يؤجله نتيجة الضغط الهائل الذي تعرض له من العراق ودول العالم والمنظمات الأممية والدول الإقليمية، ولكنه فاجأ الجميع بإجراء الاستفتاء والخروج بنتائج كانت متوقعة من المراقبين ومراكز الدراسات الاستراتيجية، حيث صوّت أكثر من 92 من الشعب الكردي بنعم للانفصال عن العراق، وفور ظهور النتيجة جُن جنون الدول المجاورة والعراق الذي أخذ حزمة من الإجراءات القاسية ضد كردستان، منها حظر الرحلات الجوية الدولية من إقليم كردستان وإليه، ونشر القوات الحكومية في المناطق المتنازع عليها، والتي تسيطر عليها القوات الكردية، بعد طرد تنظيم “داعش” منه في معارك دموية، وكذلك جرى التنسيق مع تركيا وإيران لـ”إيقاف التعاون مع الإقليم بخصوص المنافذ الحدودية، وتصدير النفط” ووجهت أوامر “للجهات الرقابية والقضائية المختصة لمتابعة الأموال المودعة في حساب الإقليم وبعض السياسيين من واردات بيع نفط الإقليم بعيدا عن الحكومة الاتحادية”، بحسب بيان صادر من الحكومة في بغداد.
أما إجراءات دول الجوار وخصوصا تركيا التي كانت تربطها علاقات سياسية وتجارية ممتازة مع إقليم كردستان ولديها مشاريع استثمارية كبيرة ووصل حجم التبادل التجاري بينها وبين الإقليم إلى أكثر من 10 مليارات دولارات، فقد هددت بغلق المعابر الحدودية ووقف كل العلاقات مع الكرد واستعمال القوة العسكرية في آخر المطاف.
كما جاء في تصريحات الرئيس رجب طيب إردوغان أن كل “الخيارات متاحة أمامنا بما فيها العسكرية لكننا نأمل التوصل إلى الحلول السلمية عبر الحوار”، ومن المؤكد أن الرئيس التركي يقصد بالحوار قبول الطرف الكردي الممثل برئيس الإقليم مسعود بارزاني إلغاء نتائج الاستفتاء وكأنه لم يكن! وهذا ما عناه رئيس الحكومة العراقية حيدر العبادي في آخر تصريح له عندما اشترط على إقليم كردستان “إلغاء نتائج الاستفتاء على الاستقلال الذي أجري يوم الاثنين 25 سبتمبر للدخول في حوار لحل المشاكل العالقة بين أربيل وبغداد”.
وقال خلال جلسة استثنائية للبرلمان العراقي إنه “لا بد من إلغاء الاستفتاء، والدخول بحوار تحت سقف الدستور، لن نتحاور حول نتائج الاستفتاء مطلقا”، ورغم معرفة العبادي وإردوغان وقادة المعارضة للاستفتاء بأن إلغاء نتائج الاستفتاء ليس من صلاحية مسعود بارزاني، بل من صلاحية الشعب الكردي الذي صوّت وقرر، وحتى إن استطاع فمن المستحيل أن يقوم بذلك، لأنه سيضع تاريخه وتاريخ آبائه النضالي في مهب الريح، ولن تقوم له ولا لأحد من عائلته قائمة بعد ذلك. وإزاء إصرار الطرف المعارض على رفض نتائج الاستفتاء قبل أن تتحول إلى أمر واقع وتفضي إلى دولة كردية “إرهابية على حدودنا” وفق عبارة إردوغان، وأمام الهجوم المتواصل للدول الثلاث العراق وتركيا وإيران والإجراءات القاسية التي اتخذتها ضد الشعب الكردي بسبب الاستفتاء، فإن قادة الإقليم فضلوا الصمت وعدم التصعيد، ودعوا الحكومة إلى “حوار جاد، بدل التهديد”، كما جاء في الدعوة التي وجهها بارزاني إلى الحكومة العراقية، ولكن يبدو أن الأطراف المعارضة للاستفتاء رفضت الحوار إلا بشروط تعجيزية، عازمة على إيصال الأحداث إلى ذروتها واستعمال القوة لاجتياح أربيل من ثلاثة محاور، وهذا احتمال مطروح ولكن في خضم حماس هذه الدول لتحقيق هذا الأمر نسيت أن أميركا لن تقف مكتوفة الأيدي إزاء أي عدوان عسكري على الحليف الكردي.
وقد صرحت المتحدثة باسم وزارة الخارجية الأميركية هيذر ناورت بأن واشنطن أعربت عن خيبة أملها من إجراء الاستفتاء غير أنها أكدت في الوقت ذاته استمرار “علاقاتها التاريخية الوثيقة مع إقليم كردستان”، كما رأت “ناورت” أن “تصريحات إردوغان حول إغلاق الحدود ووقف الصادرات النفطية وحرمان سكان الإقليم من المأكل والملبس بمنزلة تهديدات”!