بكل الصراحة والوضوح ودون مواربة، أعلن رئيس إقليم كردستان العراق مسعود بارزاني، أن الدولة الكردية المستقلة قادمة من دون شك، وعلى أساس أن إعلان الاستقلال هو حق طبيعي للشعب الكردي، غير أنه وبحنكة السياسي المجرب، شدد أن بلوغ هذا الهدف يجب أن يتم عبر الحوار وبعيداً عن العنف، وبطريقة سلمية وديمقراطية، وأكد أن شعبه لايريد الدخول في صراعات دموية مع أي جهة، لكن مسألة الاستقلال هي حق للشعب الكردي، ولا يجب التعامل معها وكأنها تهمة معيبة.
لاينطلق البارزاني الساعي لإقرار حق طبيعي لشعبه من تعصب قومي، وإنما استجابة لواقع أن وحدة العراق أضحت أمرا افتراضياً، وأن الحكومة المركزية ليس لها سلطة على أغلب مناطق العراق، ولأن التطورات التي تشهدها المنطقة جاءت لتصحح اتفاقات دولية وإقليمية، ولتجاوز أخطاء جسيمة في رسم حدود البلدان والأقاليم، وشدد أن الوقت الحالي هو الأنسب لمعالجة أخطاء اتفاقية سايكس بيكو، وأنه يجب أن تتخذ شعوب المنطقة قرارها بشأن الوضع الراهن غير المقبول.
ضحّى الكرد في العراق أكثر من غيرهم، وحققوا مكاسب كثيرة لكنها أقل كثيراً من حقوقهم، ووضعهم اليوم في إقليمهم أفضل كثيراً من وضع أبناء أمتهم الموزعين في إيران وسوريا وتركيا، لكن فشل التجربة الفدرالية يؤكد أن عليهم البحث عن صيغة مختلفة، ربما تكون التوجه إلى الدولة الكونفدرالية، بمعنى قيام اتحاد بين دولتين إحداهما الدولة الكردية، إن تأكد فشل الصيغة الراهنة، التي لايمكن استمرارها بدون الالتزام الحرفي بالدستور الذي يحدد الحقوق والواجبات.
يعرف الجميع وإن حاولوا إغماض أعينهم أن الكرد خاضوا لعدة عقود كفاحاً مريراً، ضد كل الديكتاتوريات التي عاشوا تحت حكمها، وأنهم ظلوا الأمة الوحيدة التي تعيش على أرضها دون أن يكون لها دولتها، غير أن التطورات الأخيرة في عالمنا فتحت أعين العالم على مأساة الأمة الكردية، التي نأت بنفسها عن أي عداوات مع بقية شعوب العالم، وظلت أقرب إلى العلمانية، ما يعني إمكانية المراهنة عليها في لعبة المصالح السياسية، كشريك سياسي موثوق في منطقة استراتيجية غنية بالعديد من المصادر، لمواجهة تعاظم دور الإسلام السياسي بحركاته “الجهادية” التي تتجه بثبات نحو الإصطدام مع الآخر وهو هنا الغرب.
لاشك مطلقا في أن تداعيات “الربيع العربي” صبّت بمجملها في مصلحة الأمة الكردية، ووضعت قيادتها أمام فرصة لن تتكرر بسهولة، لانطلاق الخطوة الأولى على طريق بناء الدولة القومية، إضافة إلى أن الموقف الدولي اليوم لم يعد مشابهاً لما كان سائداً حين أنشئت دول في المنطقة، برسم حدودها على خرائط الدول المستعمرة المنتصرة على الخلافة العثمانية، والتي يتضح اليوم أن هدفها كان إبقاء المنطقة في دوائر التوتر، التي تسيدت حتى بين مجتمعات المظلومين على أساس المصالح الشخصية، بديلاً للمصلحة الوطنية.
حلم إعلان كردستان العراق دولة مستقلة أقرب اليوم إلى الواقع من أي وقت مضى، ذلك أن الشروط الداخلية مكتملة والدولة قائمة بحدودها وجيشها وتشريعاتها واقتصادها، ونعرف أن القومجيين العرب سيزاودون حتى على أنفسهم وهم يرفضونها، وربما تلقى خطوة كهذه رفضاً إيرانياً تركياً، لكن المؤكد أن أي عقبة لن تكون قادرة على الوقوف ضد إرادة أمة تستحق الحياة وتناضل من أجلها.