23 ديسمبر، 2024 8:48 م

الدولة الكردية … الامكانات والتحديات (2- 2)

الدولة الكردية … الامكانات والتحديات (2- 2)

يبدو ان ملف تسمية الرئاسات الثلاث في العراق وملف تشكيل الحكومة العراقية الجديدة قد شغِلت مسعود البارزاني عن اطلاق التصريحات النارية التي تعكس إصراره على اعلان دولة كردستان الصغرى تمهيداً لكردستان الكبرى ما قد يُعرض العراق وجيرانه خصوصاً ايران وسوريا وتركيا التي يتوزع عليها الاكراد في المنطقة – اضافة الى جنوب ارمينيا- الى مخاطر استراتيجية كبرى وتحديات غير مسبوقة عمل الكيان الصهيوني على التأسيس لها انطلاقاً من منظور صهيوني مرتبط باستراتيجية كبرى لإسرائيل سيحقق لها عمقاً استراتيجياً واقتصادياً وجيوبوليتيكياً بحسب خبراء صهاينة. وهذا ما يفسر تشجعيها لعشرات الدول الغربية واللاتينية وحتى آسيوية على الاعتراف بالدولة الكردية حال اعلان استقلالها وهو ما أيدته الكثير من هذه الدول.

يقول وزير الأمن الإسرائيلي الأسبق (آفي ديختر) في محاضرة له عام 2008: ” لقد حققنا في العراق أكثر مما خططنا وتوقعنا!” مؤكدا: “أنّ تحييد العراق عن طريق تكريس أوضاعه الحالية يشكل أهمية استراتيجية للأمن الاسرائيلي”. و قوله: “ذروة اهداف اسرائيل هو دعم الاكراد بالسلاح والتدريب والشراكة الامنية من اجل تأسيس دولة كردية مستقلة في شمال العراق تسيطر على نفط كركوك وكردستان”. مشيراً الى أن “استمرار الوضع الحالي في العراق ودعم الأكراد في شمال العراق ككيان سياسي قائم بذاته، يعطي ضمانات قوية ومهمة للأمن القومي الإسرائيلي على المدى المنظور على الأقل”.

وفي حزيران من عام 2004 ذكر “تقرير ويلش” أنه: “كان الهدف من الحرب الاميركية على العراق دائماً تقوية المركز الاستراتيجي الإسرائيلي، ولا شيء آخر. لا النفط ولا الديمقراطية ولا أسلحة الدمار الشامل، كان الهدف هو توسيع مجال التأثير الإسرائيلي، وهذا هو ما يحدث بالضبط!”

من وجهة النظر الأمريكية, فإن انشاء كردستان هو خطوة أولى وحلقة في سلسلة إعادة تشكيل الشرق الأوسط الكبير أي تقسيم المنطقة إلى دويلات صغيرة متناحرة.

تعزيز القدرات العسكرية هو الهاجس الاول اليوم للبارزاني فبحسب موقع “ديبكا” الصهيوني الوثيق الصلة بالدوائر الاستخبارية أن إقليم كردستان اتخذ خطوات عسكرية سرية، لدعم خططه فقد أطلق جيش البيشمركة الكردي حملة تجنيد ضخمة، معلنا أن جميع الرجال الذين تتراوح أعمارهم بين 20-35 سنة سيرسلون إلى الخدمة العسكرية، بما يعني التعبئة الكاملة، وكذلك بناء قوة جوية كردية كبيرة.

وبحسب معطيات معهد لندن المتخصص في دراسة ميزان القوى العسكري في الشرق الأوسط ومعهد الأمن القومي الصهيوني فإن هذه القدرة بلغت حتى الربع الأول من عام 2014 ما يلي:

– القوة البشرية بلغت 120,000 من البيشمركة المدربين تدريبا جيدا من قبل مستشارين غربيين وصهاينة.

– أكثر من 1500 دبابة واليات قتال مدرعة وآليات نقل الجنود.

– منظومات أسلحة مختلفة للقوات البرية مدفعية ذاتية الحركة وراجمات صواريخ وصواريخ نوع غراد وأنواع إسرائيلية أخرى من الصواريخ. فضلا عما سيطروا عليه مؤخرا من العشرات من آليات همر ودبابات إبرامس ومنظومات قتالية أخرى.

علاوة على ذلك أبرمت القيادة الكردية صفقة أسلحة مع الكيان الصهيوني تتضمن دبابات روسية T72 المحسنة ودبابات M60 التي أُجريت تحسينات عليها ومنظومات مضادة للطائرات ومدافع متعددة وصواريخ.

التبني الصهيوني للبيشمركة بدأ منذ ستينيات القرن الماضي وتعاظم بعد عام 1991 ليبلغ ذروته بعد احتلال العراق عام 2003 وبحسب الرؤية العسكرية الصهيونية تُعد البيشمركة فيلقا صهيونيا خارج الحدود.

وبحسب موقع “ديبكا” ايضا فإن اجتماعات منتظمة تجمع رؤساء الاجهزة المخابراتية لكل من الكيان الصهيوني وتركيا وكردستان إذ يتقاسمون فيها المعلومة الاستخبارية وينسقون من خلالها الدعم العسكري للأكراد.

القيادات الكردية السورية بدورها اتفقت مع القيادة الكردية العراقية على اندماج مناطقها بإقليم كردستان ديموغرافيا وسياسيا واقتصاديا بما يعزز الواقع الكردي الجديد. أما المعارضة الايرانية وبضمنها الكردية فقد ضاعفت من نشاطها وحراكها بالتزامن مع التطورات المستجدة.

لا يبدو ان المولود الكردي الجديد المحاصر اقليميا سيرى النور فهناك تحديات كبيرة تواجهه أولها رفض الحكومة العراقية لدعاوى الانفصال والتي ستلجأ حتما للخيار العسكري بدعم روسي ايراني سوري اذا لم تنجح لغة الحوار بعد جلاء غبار المعركة مع داعش واستقرار الوضع العام. فضلا عن الرفض الايراني القاطع الذي أكد أننا “لن نسمح ابدا بتحقيق احلام نتنياهو في العراق والمنطقة”، مبينا “أن الحديث عن استقلال كردستان العراق، ستكون نتيجته عودة كردستان الى ما قبل عدة عقود”. أما سوريا فقد تجلى موقفها بدخول الطيران السوري أجواء المعركة في العراق بعد ايام قليلة من التطورات الجديدة. إضافة الى الموقف الروسي المدرك لتداعيات الانفصال الجيوسياسية على الاتحاد الروسي وهو الهدف النهائي للمخطط الصهيو ــ اميركي. دول المنطقة كلها مهددة بمشروع التفتيت الذي بدأ بالعراق وإنشاء “اسرائيل 3” (كردستان) بعد “اسرائيل 2” (جنوب السودان) كما يحلو لبعض الخبراء والقيادات الصهيونية تسميتها!

إذن اندفاعة برزانية قد تصطدم بمعارضة كردية داخلية، وقد لا تصطدم! والسؤال الأهم ماذا اعدت الحكومة العراقية للمواجهة؟ ماذا عن العدة العسكرية والعدة السياسية للحرب؟ تبدو الحاجة ملحة لوضع خارطة طريق فهل نحن بحجم الحدث؟