تقدمة كلمات موجزة : بالأصل كتبت هذه المقالة في العام الماضي كجواب على تساؤلات بعض الأصدقاء على صفحة التواصل الإجتماعي ، أو كجواب على مثالية بعض الأصدقاء الآخرين وخيالهم الواسع وحلمهم الجميل حول سهولة قيام الدولة المستقلة للشعب الكردستاني لقضية بالغة التعقيد والتشابك من جميع أوجهها ، وهي القضية الكردية ، وفي منطقة أيضاً هي بالغة التعقيد والخطورة والأهمية والإستراتيجية إقليمياً وعالمياً ، وهي منطقة الشرق الأوسط .
فالقضية الكردية ، كما هو معلوم ليس قضية واحدة ، وإن كانت بالأساس قضية واحدة ، بل أصبحت تتعلق بأربعةِ أجزاءٍ مختلفةٍ لكردستان ، حيث تتقاسمها كل من تركيا ، ايران ، العراق وسوريا ، أي إن هذه الأجزاء الأربعة من كردستان أضحت من أهم قضايا الأمن الوطني للدول المذكورة وسيادتها الوطنية ، وذلك من خلال السياسة الدولية التي هي كانت وراء منحها الشرعية الرسمية الدولية لكل ماورد .
تأسيساً على ما ذكر ولعوامل داخلية للكرد كذلك تعثَّرت وآنهارت جميع الثورات والحركات والإنتفاضات الكردية في جميع أجزاء كردستان ، وليس في القرن العشرين وحسب ، بل في القرن التاسع عشر أيضا ، حيث الدول العثمانية والصفوية والروسية القيصرية كانت بالمرصاد من قيام الدولة الكردية وآستقلال كردستان . ذلك إن مصالح الدولة القيصرية الروسية وغيرها في ذلك القرن تقاطعت وآتفقت وآلتقت مع الدولتين العثمانية التركية والصفوية الإيرانية ، لا مع قيام كيانٍ كرديٍّ يُخلق جديداً . أما اليوم فإننا نعلم ونشاهد بأن المصالح والسياسة الدولية لها نفس المنحنى والسياسة والرؤية والموقف والإستراتيجية إزاء القضية الكردية ، أي رفض تأسيس وقيام الدولة الكردستانية ، وما القضية الكردية بالحقيقة إلاّ ورقة سياسية لدى السياسة الدولية لا أكثر ! .
إذن ما العمل ، وما هو الحل للقضية الكردية ، والمأساة الكردية ، بخاصة اذا ما علمنا إن الفشل دوماً هو من نصيب الحركات والثورات الكردية في الماضي والحاضر بسبب الحصار الجيوسياسي المطبق على كردستان ، وكذلك بسبب الحظر الدولي لقيام كيان سياسي مستقل للكرد ، وهذا بحد ذاته بحاقة الى وقفة أخرى ..؟
فيما يلي نص أجوبتي :
1-/ كما قلتَ أنتَ [ < اذا > تقاطعت مصالح الدول الكبرى ] . أما الواقع والتاريخ لأكثر من مئة سنة ولحد اليوم لم تتقاطع مصالح الدول الكبرى ومنافعها في العالم ، وبأيِّ شكل من الأشكال مع قيام وتشكيل دولة كردستانية . ثم إن الأدوات النحوية ، مثل [ اذا ] و[ لو ] ليس لها محلٌّ في الإعراب التاريخي وليست لها قيمة على الإطلاق ، وذلك لتناقضها مع الواقع الدالِّ على نتيجة واضحةٍ ومعلومةٍ سلفاً ، وهي عدم تقاطع المصالح والمآرب للدول الكبرى في مختلف المراحل التاريخية المذكورة مع الحلم الكردي العادل .
2-/ إن حالات ، مثل تيمور الشرقية وكوسوفو وجنوب السودان ليست كحالة كردستان إطلاقاً ، فكردستان تجزأت الى أربعة أجزاءٍ ، ثم تم توزيع كل جزءٍ منها رسمياً وقوانونياً بحسب التوافقات والشِرْعة الدولية ، وبحسب السياسة الدولية على كل دولةٍ جارةٍ لكردستان . أما البلدان المذكورة فقد تم تقطيعها من بلدانها الأصلية بعكس كردستان ، ومن ثم بسبب تقاطع المصالح السياسية الدولية تم الإعتراف بتلكم الكيانات السياسية الحديثة النشوء ككيانات مستقلة ، ولها هويتها الوطنية الجديدة المستقلة على الصعيد العالمي .
هنا يمكن أيضاً إضافة إسم [ بنغلادش ] المستقطعة من الباكستان والإعتراف بها كدولة رسمية مستقلة دولياً عام 1971 من القرن الماضي ، وهذه الحالة لا تتشابه مع كردستان ، لأن بنغلادش كانت معها ووراءها دولة كبرى كالهند في الإستقلال والإنفصال عن الباكستان ، مضافاً الى بريطانيا التي أيدت ووقفت مع الهند في إستقلال بنغلادش .
عليه ، إننا نجد حالات تيمور الشرقية وكوسوفو وجنوب السودان وبنغلادش تختلف كلياً عن حالة كردستان ، لأن البلدان المذكورة الحديثة الإستقلال كانت مشكلتها وإشكاليتها مع دولة واحدة فقط . أما كردستان فهي مشكلتها مع أربعة دول ، حيث إثنتان منها كبيرتان ، وهما تركيا وايران اللتين لهما ثقلهما وأهميتهما على المستوى الإقليمي والعالمي . لهذا فإن قيام الدولة الكردية يستوجب تغيير حدود دوليةٍ لأربعةِ دولٍ في المنطقة ، وهذا ما تتحاشاه السياسة الدولية من الإقدام عليها كما هو واضح أشد الوضوح .
لقد ثبت لنا جميعاً ، وللعالم كله بأن المصالح الدولية والقوة ، هي المعيار والمحرِّك والفيصل في حسم القضايا ، ثم رأينا وثبت لنا كيف آتفقت السياسة الدولية على عدم قبول ، أو عدم الإعتراف بالإستفتاء الذي جرى في الخامس والعشرين من سبتمبر لعام 2017 ، وقد رأينا كم جرَّ هذا الإستفتاء سلبيات وخسائر وأضراراً فادحة بشرية وجيوسياسية على إقليم كردستان – العراق . إذ لو كان رواد عملية الإستفتاء المذكورة على دراية عميقة بالسياسة الدولية لَمَا أقدموا قط !؟ .
في خضم هذا المعترك الإستفتائي التراجيدي نتساءل : هل من المعقول لم يكن رواده على بينَّةٍ ودرايةٍ بالسية الدولية وموقفها إزاء إستقلال كردستان ، بخاصة رئيس الإقليم السابق مسعود بارزاني الذي هو مَنْ قاد عملية الإستفتاء ..؟
اذا كان الجواب بنعم إذن ، فلماذا أقدموا على عملية الإستفتاء ، واذا كان الجواب بالنفي فتلك مصيبة أخرى أصابوا بها الشعب الكردي في إقليم كردستان – العراق والقضية الكردية بشكل عام بالعمق والصميم ..؟
جديرٌ بالقول حول فشل الإستفتاء ، هو نحن لا نقول الآن بعد عامين من فشله ، بل قلنا ذلك قبل نحو شهرين من إجراءه ، حيث توقعنا كما توقع العديد من المثقفين والكتاب والشخصيات الكردية وغير الكردية أيضاً ، وذلك عبر مقالٍ نشرناه بعنوان : [ حول الإستفتاء القادم لإقليم كردستان ] المنشور في العديد من المواقع الإلكترونية ، في 19 / جون / 2017 .
إن جميع الشواهد والأدلة تذهب الى إن الهدف من وراء عملية الإستفتاء المذكورة في إقليم كردستان – العراق كان لأجل هدفين ذاتيين لا أكثر ، وهما : تثبيت رئاسة الإقليم لمسعود بارزاني لإقليم كردستان / العراق لمدى الحياة ، ومن ثم لنجله مسرور والعائلة البارزانية بشكل عام من خلال التوارث العائلي السياسي ، وقد دفع الشعب الكردي الكثير من الخسائر جرَّاء هذا الطموح الذاتي المتناقض مع قيم العدالة الإجتماعية ومباديء الديمقراطية ! .
3-/ مُذْ تقسيم كردستان على الدول المجاورة لها قبل قرن ، أو يربو عليه وترسيم الحدود الدولية في منطقة الشرق الأوسط إتفقت السياسة الدولية على إقامة حظرٍ دوليٍّ لعدم قيام دولة كردية في كردستان . بالحقيقة لذلك تم تقسيم كردستان وتقطيعها وتوزيعها وحصرها بين أربعة دول ، وذلك معناه ومغزاه إسقاط كردستان جغرافياً وعدم إمكانية إستقلالها مهما حاول الشعب الكردي القيام بثورات وحركات وآنتفاضات ومهما ضحى . ذلك إن الخلفية التاريخية لنحو قرن من الثوارات الكردية في مختلف أجزاء كردستان ، هو أبرز وأوضح إثبات وأسطع برهانٍ عينيٍّ تاريخيِّ على صحة ما ذهبنا اليه في متابعتنا التاريخية للقضية الكردية .
كيف تتأسس الدولة الكردية وشروطها ..؟ : سوف نضربُ كشحاً هنا عن الأوضاع الداخلية لكردستان ومناطق الرخو فيها ، كما نغض الطرف أيضاً عن تركيا وإيران والعراق وسوريا التي سوف تعمل المستحيل لعدم قيام الدولة الكردية ، بخاصة تركيا وإيران ، نشير الى أن قيام الدولة الكردية بأمس الحاجة الى آتفاق وموافقة الدول العظمى العملاقة في العالم ، في مقدمتها الدول الخمس صاحبة حق الفيتو ، وبشكل أخص الولايات المتحدة الأمريكية ، وهذا من المستحيل أن يحدث مثل هذا الإتفاق والتوافق بحسب قرائتي للسياسة الدولية في ماضيها وحاضرها وفهمي لها . فقيام الدولة الكردية هو بحاجة قطعية الى تغيير الحدود الدولية الحالية وتبديلها بحدود دولية جديدة أخرى ، وهذا ما لا يتم الآن ولا في المدى المنظور أيضاً .
4-/ منذ قرنٍ والى يومنا هذا إن كردستان بجميع أجزائها تعرَّضت الى التآكل والتناقص ، والى التقلص على الصعيد الجغرافي والسكاني ، وذلك بسبب سياسات التعريب والتفريس والتتريك والتشييع المذهبية والتهجير والتطريد للكرد من مناطقهم وأماكن سكناهم في كردستان ، فمثلاً : هناك كثرةٌ من المناطق والمدن في كردستان لا تعود الى كردستان بأيِّ نحوٍمن الأنحاء . علاوة على ذلك إن بعض المدن والمناطق في كردستان ، هي ذات طابعٍ إستراتيجيٍّ في السياسة الدولية ، مثل كركوك وغيرها من المدن ، أو المناطق التي هي حساسة بالنسبة للسياسة الدولية .
5-/ بحسب قرائتي للسياسة الدولية بعد آنهيار القطبية الثنائية التي كانت تحكم العالم ، وذلك عقب آنهيار الإتحاد السوفيتي عام 1989 من القرن الماضي ، ثم بعد الهجمات الإرهابية في الحادي عشر من أيلول لعام 2001 ربما تفكر السياسة الدولية في إحلال إتفاقية محل إتفاقية سايكس – بيكو القديمة المنعقدة عام 1916 من القرن الماضي وغيرها من الإتفاقيات الدولية أيضاً ، فتلك الإتفاقية وغيرها كذلك قضت بترسيم الحدود الجغرافية والسياسية والسكانية للبلدان والشعوب في منطقة الشرق الأوسط . في هذه الحال ربما ستكون للسياسة الدولية في إتفاقياتها الجديدة < الإفتراضية > إلتفاتةٌ نحو كردستان في حالة تغييرها للحدود الدولية بالمنطقة في الشرق الأوسط وترسيمها من جديد لأجل أن تفتح المجال لحالة جديدة أخرى ، وهي كردستان والكرد في سماحها لقيام دولة كردية . أما كيف سيكون ذلكم الكيان الكردي المستقل جيوسياسياً ، فذلك أمرٌ بالغ التعقيد وله فرصته الخاصة قد نتعرض اليها ونحاول الغوص في دقائقها ..؟
لكن مع هذا كله علينا الأخذ بنظر الإعتبار جميع النقاط الهامة والأساسية المذكورة التي تطرقنا اليها حول إمكانية قيام الكيان السياسي الكردي المستقل الجديد – الإفتراضي ضمن الإتفاقية الجديدة الإفتراضية أيضاً ، أي إن المدن والمناطق الإستراتيجية الكردستانية ، مثل كركوك ووأمثالها سوف لا ترجع الى الوكن الأم كردستان برأيي ، أو على الأقل إن السياسة الدولية هي التي تقرر مصيرها وفق مصالحها .