الدولة القوية تتجمع وتتوسع , والدولة الضعيفة تتفلع , وتكتسب صفة الدولة الفاشلة , عندما تقضي على جيشها ونظامها , وتدوس بسفهها على قانونها , أو تبتدع دستورا يسفّه وجودها , ويعزز فشلها.والجيوش هي العمود الفقري للدول , وما أن ينهار جيش أية دولة , حتى يتبعثر كيانها , وتنشطر قوتها وتتكور وتدخل ي متاهات الإعتراك والتصادم الكروي الذي يزداد تمترسا وشدة وإنعزالا , وتصبح كل قوة أداة مسخّرة من قبل قوى أخرى ذات مصالح إفتراسية في الدولة الفاشلة المثرومة بساطور النزاعات العرقية والطائفية والمذهبية وغيرها.
ويبدو أن للدين دور فعال في صناعة الدولة الفاشلة , وذلك بإجلاس أحزابه على كرسي السلطة , وإطلاق العنان لتطلعاتها العقائدية الضيقة , لكي تمارس دورها في التفتيت والتدمير الفعّال لكيان الدولة.
وقد نتهم قوى وتطلعات متعددة تسعى لأهداف بعيدة وقريبة تؤازرها الدولة الفاشلة إذا تحققت , ولا غرابة في سلوك القوى المتصارعة , لكن الغرابة تتجلى في سلوك أبناء الدول الذين يساهمون في إنشاء مشروع دولتهم الفاشلة , إذا يرتضون تدمير الجيش وحله , والقبول بآليات تفاعلية مرتكزة على رؤى طائفية وإثنية , غير موجودة في دول الدنيا الديمقراطية , كما أنها تتحزب وتتعنصر وتؤسس لمناهج العداء والكراهية ما بين أبناء البلاد , حتى لتثير النعرات الطائفية والصراعات الدامية المحققة لإرادة الطامعين بالبلاد والعباد.
فلا يمكن تدمير دولة وتفتيت شعب بقوة خارجية فحسب , إذ لابد من تواجد القوة الداخلية المؤهلة للقيام بالمهمة بإندفاع وهياج أعظم , ويتم تحضير هذه القوى وبرمجتها على مدى عقود مشحونة بالصراعات ذات الإنفعالية القصوى والقرارات المؤججة للعواطف السيئة , حتى لتصيب البشر بعماء القلب وإستلاب البصيرة , وتأهيله لتبرير أبشع ما سيقوم به مما ينافي ما يؤمن به ويقدسه , حتى لتتحول الجرائم والخطايا والآثام إلى مشاريع وطقوس عبادية من صلب العقيدة والمذهب.
وقد نجحت القوى المفترسة في إعداد وتحضير الآلات البشرية الرخيصة اللازمة لإفشال دولها , وإيهامها بالسلطة والحكم , وتصويرها على أنها نهب لثروات وسبي للعباد , ومشروع إنتقام وتعويض عما فات , لتحقق أفظع الخسران في الدولة , فيوضع على رؤوس أصحابها تيجان الدولة الفاشلة , ويتم إتخاذها ذريعة للتداعيات والتدهورات العاصفة في الدنيا , فتصبح الدول الفاشلة سببا لإعادة إحتلالها والقبض على أعناقها , وإمتلاك مصيرها.
وتلك لعبة صناعة الدول الفاشلة , للوصول إلى ما بعد الخيال من الطموحات والمشاريع الفتاكة , التي عليها أن تسري في بقاع معلومة كالنار في الهشيم , وتلك إرادة الإفتراس الحضاري اللذيذ , ولكل مفترس ضحية , ولكل ضحية إرادة خنوع وإستسلام لمصير تخطه وترسمه أنياب ومخالب المفترسين!!