23 ديسمبر، 2024 3:40 ص

الدولة العميقة وخراب العراق

الدولة العميقة وخراب العراق

بعد مرور أكثر من عقد ونصف على تغيير النظام,لا زال حديث العراقيين مرتبط بالفساد والطائفية ومفهوم الدولة العميقة بوصفها المسؤولة عن مآسي الشعب العراق ما بعد الاحتلال الأميركي للعراق عام 2003, ويعود السبب للمحاصصة الطائفية وسيطرة احزاب الاسلام السياسي على إدارة البلاد وقدرتها في التأثير على السلطتين التنفيذية والتشريعية.

الازمة الحالية التي يمر بها العراق الذي تتنازعه الصراعات الطائفية والمافيات الحزبية هي تحصيل لطبيعة النظام السياسي القائم على أساس المحاصصة الذي فرضه الاحتلال الأميركي على العراق, مما خلق حالة من الفوضى والفساد والاحتقان الطائفي بين ابناء الشعب العراقي , مما مكن الأحزاب الكبيرة المتنفذة في السلطة من تأسيس اللبنة الاولى للدولة العميقة.

حسب الدراسات البحثية فإن حزب الدعوة بزعامة نوري المالكي المؤسس الأول لبناء الدولة العميقة , حيث عمد إلى توزيع المناصب الحساسة في مفاصل الدولة العراقية على أساس الولاء الحزبي والعائلي في وزارات ودوائر الدولة , حين أقدم على تعيين الموظفين العراقيين بصفة مدير عام وما فوق خلافا للقانون وتجاوزا على صلاحيات البرلمان, وقام بتعيين اكثر من اربعة الاف مدير عام ووكيل وزارة ومستشار وهو ما يعرف بالدرجات الخاصة ومن ثم تمريرها عبر الأحزاب المتحالفة معه للسيطرة على المناصب الحساسة للدولة العراقية, وقد عملوا بما يرضي الأحزاب التي رشحتهم في عقد الصفقات المشبوهة والاستثمارات والمشاريع الخاصة المرتبطة بهم, علما أن أصحاب هذه المناصب ليس لديهم شهادات علمية ولا كفاءة لقيادة المؤسسات الاقتصادية أو الخدمية,بعدها دخل على خط تعزيز النفوذ والسيطرة على الوزارات منظمة بدر التي يتزعمها هادي العامري,بحيث أصبحت الدولة العميقة على قوتها بعد عام 2008.

يؤكد بعض النواب بأن 75% من امور الدولة والعراقيين تدار عبر مافيات الدولة العميقة بحكم امتلاكها الدعم السياسي والغطاء القانوني, مما مكنها من عقد صفقات الفساد في مجال الأسلحة وقطاع النفط والبنية التحتية, مما انعكس تأثير ذلك على تدمير الاقتصاد العراقي وجعله مكشوفا للسارقين والفاسدين من أحزاب السلطة.

المتتبع للوضع العراقي يرى بشكل واضح الصراع المفتوح بين التيار الصدري وحزب الدعوة والذي يمتد لسنوات ماضية, بحيث أصبح الحديث حاليا كيف استطاع الصدريون على تفكيك شبكة الدولة العميقة لنوري المالكي وتأسيس أخرى تتبع الصدريين, حيث يشار ان هذا الأمر بدأ بعد وصول حميد الغزي المحسوب على التيار الصدري الى منصب الأمين العام لمجلس الوزراء عام 2019 الذي تولى فعلا مهمة تفكيك الكثير من مراكز قوة حزب الدعوة بطرق مختلفة و تدريجية في ظل حكومة مصطفى الكاظمي, لكونها حكومة انتقالية مهمتها اجراء الانتخابات والتعامل مع الازمة المالية والصحية التي تعصف بالبلاد ,ان التغييرات التي جرت في المناصب الحكومية ضمن ما يعرف بالدرجات الخاصة مثل وكلاء الوزارات ورؤساء الهيئات والمديرين والمستشارين وصولا الى قادة الفرق والوحدات الامنية والعسكرية في الدفاع والداخلية والمخابرات بلغ عددها العشرات خلال الأشهر الماضية, كثير من المناصب التي طالها التغيير باتت فعليا بيد شخصيات تتبع التيار الصدري او قربين منه.

وقد أشار نائب ضمن تحالف النصر بأن التغييرات التي طالت المؤسسات في الدولة العراقية هي شخصيات محسوبة على المالكي وتشغل المناصب منذ سنوات وبعضها منذ عام 2007.

الدولة العميقة في زمن التيار الصدري لم تختلف كثير عن الدولة العمية لحزب الدعوة,حيث ادى الدور المتزايد للصدريين في إدارة مؤسسات الدولة الى انتشار الفساد والمحسوبية والانفلات الأمني واستغلال المناصب والمشاريع الخاصة ,واخرها الفشل الكبير في قطاعي الكهرباء والصحة الخاضعة للتيار, مما جعل التيار موضع اتهام مباشر بالفساد والإهمال في فترة حساسة بالنسبة إليه.

مفهوم الدولة العميقة موجود في بعض الدول , لكنه في خدمة بناء الدولة والمجتمع وليس العكس, حيث اصبح في العراق لخدمة مصالح حزبية ضيقة أو خدمة اجندات خارجية.