تخلت السلطة الاتحادية عن القضاة الذين عملوا في المحكمة الجنائية العليا، التي حاكمت أركان النظام السابق، ولم تبالِ بإحتمال الثأر للطاغية المقبور صدام حسين، وأركان نظامه منهم.
إلتزام الدولة رجالها مؤشر لرصانتها عن الهشاشة التي تهرأ العراق بعد 2003 في ظل تآكلها.
قضاة المحكمة الجنائية العليا، بعد حلها، أصبحوا رهن إرادة الدولة العميقة.. الكامنة تحت الثرى.. تحكمه من القبر.. بل تصرفت السلطة معهم بلا مقبولية، وهو سر يستعصي على العقل المجرد فك مغاليقه.. بدا الأمر كما لو أنهم مغضوب عليهم او أن تنينا خرافيا نفث ريح كراهيته عليهم.. لأسباب غير معلومة.
الغيظ لحق بالقاضي الراحل محمد العريبي، الذي أحيل على التقاعد، في ريعان شبابه، ممنوعا من القضاء، وحجب عنه اي منصب… والقاضي عبد الله العامري، أقيل مغضوباً عليه، بقضية مفتعلة، بينما القاضي رؤوف عبد الرحمن، إحتمى بإقليم كوردستان؛ فحمته معززا مكرما من القيادة الكوردية وليس من الاتحادية التي لو مكث تحت سلطتها لتنكرت له هو الآخر، ورزكار.. لاذ بكوردستان.. نائبا لرئيس محكمة التمييز في مجلس قضاء كوردستان، وهذا منصب تابع للإقليم وليس للحكومة الاتحادية، التي لم تعطِ دوراً لأي من قضاة المحكمة… ولو إنتظر رزكار دولة السطح الاتحادية لما وصل الى شيء.
إنها الدولة العميقة التي أشار إليها السيد عباس الركابي، في منشور على المواقع، فتنبهت الى الحيف المركزي الذي ألحق بنا.. واحدا واحدا.. من دون إستثناء، متأملا ما آلت إليه حالنا، نحن قضاة المحكمة الجنائية العليا التي حاكمت اركان النظام السابق، وإنحلت بإنجاز المهمة التي شكلت من أجلها، على أتم وجه.
أدينا واجبنا بتفانٍ وإخلاصٍ وإيمان بالله وولاء للعراق وطناً ينبع من أقاصي الوجدان في ضميرنا، و… خدمة للشعب وإرضاءً لأمهات ضحايا النظام السابق وأراملهم وأيتامهم “لا نريد منكم جزاءً ولا شكورا”.
لكن لم يكن جزاء الإحسان إحساناً، إنما تركتنا الدولة مجردين من إيما درع يقينا ثأر البعثية والقاعدة، و”داعش” في ما بعد، تركونا سائبين في الدولة الاتحادية؛ لنلجأ الى كوردستان ملاذا آمنا.
إرادات عظمى غير ظاهرة على السطح، تدير البلاد من تحت الثرى.. تنصِّب وتقيل كما تشاء، في دولة السطح الطافية فوق الاحداث المترجرجة كالامواج يحسبها الظمآن ماءً وهي سراب.
أما أنا.. منير حداد، فقد أقصيت من المحكمة الجنائية، التي أسهمت في إرساء دعائمها وعملت نائب رئيسها.. حجب راتبي التقاعدي، معزولا بطريقة تآمرية، كما لو أن القرار الرسمي يتواطأ مع الإرهاب لتصفيتي؛ إذ أطلقت مكشوف الجناح، لأكثر من محاولة إغتيال نجوت منها بعناية إلهية وشجاعة تشربتها من قسوة المعتقلات.. يافعا قبل بلوغ الحلم؛ فصارت بديهة “إحرص على الموت توهب لك الحياة”.
عركتني الأحداث ولم أتفاجأ بالجحود الذي قوبلت به؛ عقب إسهامي بكل ما حفظ للعراق حقه بإنزال العقوبة العادلة بمن ظلموا شعبا كاملا طوال خمسة وثلاثين عاما، لكنني جوبهت بحجب راتبي التقاعدي وتركي أعتاش من عملي في المحاماة؛ ولأن “الله ناصر عبده” فقد وفقني.. جل وعلا.. وأغناني عن الوقوف على الأبواب او السؤال… “ومن يتق الله يجعل له مخرجا ويرزقه من حيث لا يحتسب”.