23 ديسمبر، 2024 9:49 م

الدولة العربية واشكالية السلطة

الدولة العربية واشكالية السلطة

اعترف ان هذا العنوان اكبر بكثير من ان يمكن السيطرة عليه في اطار مقال من 450 كلمة. واعترف قبل ذلك ان  الموضوع نفسه قد يكون من بين الموضوعات التي كتب عنها الكثير خلال القرن الماضي. مع ذلك فان الدولة العربية الحديثة التي تشكلت معظم نماذجها في القرن العشرين لم تحسم قضايا جوهرية مثل نظرية الحكم “اسلامي ام مدني”؟  او طبيعة الحكومة “ديمقراطية ام شمولية؟ او مفهوم  السلطة “تداولية ام موروثة  “. والملاحظ ان بعض هذه المفاهيم تتداخل فيما بينها حتى ليصعب في كثير من الاحيان  فك الاشتباك بين المفاهيم المكونة للابعاد التي اشرنا اليها بشان مفهوم او نظرية السلطة بشكل عام مثل العلاقة بين الحكم والحاكمية او الاسلامي والمدني  او بين  الديمقراطية والشمولية. والاخيرة جرى التركيز عليها فكريا وسياسيا ومجتمعيا حتى اختزلت كل المفاهيم والابعاد والاركان الاخرى حتى صادرتها عدة عقود من الزمن.
فخلال مرحلة المد القومي الذي صاحبه هيجان عاطفي تم الربط بين بناء الدولة العربية الحديثة وبين تهيئة السبل والمستلزمات لتحرير فلسطين بوصفها قضية العرب المركزية. وظهرت مع فلسطين مقتربات كثيرة في المقدمة منها الوحدة العربية. ولكي تتحقق الوحدة من وجهة نظر المطالبين بها فلابد من عدالة اجتماعية “الاشتراكية” ولا يمكن تحقيق هذه العدالة بدون “الحرية”. وتبارى طوال عقدي الخمسينات والستينات البعثيون والناصريون بشان من هو الاحق في حمل راية القومية العربية. سواء من خلال تحقيق الاهداف العربية في “الوحدة والحرية والاشتراكية” عند البعثيين او “الاشتراكية والحرية والوحدة” عند الناصريين.  وعندما حلت هزيمة حزيران عام 1967 لم يكن احد   ليستوعب ما حصل من فجوة كبيرة بين الامنيات والواقع. ومع فشل النموذج الذي تم تكريسه في الحكم قوميا فقد بدات مرحلة الانقلابات القطرية “العراق, السودان, ليبيا” بعد ان طرحت نفسها بدائل سوف تاخذ على عاتقها حسم معركة المصير الواحد.
لكن بعد عقود من التخبط السياسي والبروز الطفيلي للزعامات الدكتاتورية في البلدان التي ذكرناها وغيرها حتى وصلنا  الى مرحلة التوريث الجمهوري “سوريا نموذجا” وما كان يجري التحضير له في مصر واليمن وقبلها العراق لولا حرب عام 2003. في كل هذه المراحل لم تحسم  نظرية الحكم على صعيد  الدولة العربية الحديثة  حتى وصلنا الى الربيع العربي. والمفارقة ان هذه التسمية هي الاخرى لاتعكس واقع الحال بقدر ما تعكس رؤية مرتبكة لمن فجر هذا “الربيع”  دون ان يتمكن من توجيه بوصلته فيمابعد. واذا كان  الشباب العربي بدء من البوعزيزي التونسي هم وقوده فان القوى الاكثر تنظيما “الاخوان المسلمون” والمهمشة سابقا  على عهد  الدكتاتوريات العربية هي التي خطفت الاضواء ووصلت الى السلطة “مصر نموذجا”. وهاهي السلطة تترنح بين ايديها لانها لم تحسم العلاقة بين الحكم والحاكمية والاسلامي والمدني والالهي والوضعي والديمقراطية والشمولية. والوقائع تشير الى انه حين  يسقط  حكم الاخوان فان الجموع المتظاهرة في ميادين وساحات     الاعتصام في الوطن العربي لاتملك  اية نظرية للحكم. وبخلاصة مكثفة فان اصل  الحكاية هي اننا  ادمنا العيش في الماضي ونخشى التعامل الصحيح مع المستقبل. كما ان لدينا عاهة  مستديمة اخرى وهي ايماننا المطلق بنظرية المؤامرة. فكل ما يحصل لنا هو بتدبير من الصهيونية والماسونية وبروتوكولات حكماء صهيون وايباك ووعد بلفور ومعركة همرجون واخيرا وليس اخرا .. قطر.