(التقشف) كلمة أرهقت مؤسسات الدولة العراقية خلال الأشهر الأربعة الماضية، وأوقفت عجلة العديد من مرافق القطاع الخاص، وأحيانا أرعبت الموظف الحكومي البسيط، بعد التلويح بين الحين والأخر بقطع جزء من رواتب القطاع العام لمواجهة العجز المالي، أو إن العجز سيصل لدرجة عدم قدرة الحكومة على تأمين رواتب موظفي الوزارات والمؤسسات العامة.
إلا إن نهاية شهر نيسان حملت مؤشرات ايجابية لتحسن الوضع المالي لميزانية الدولة العراقية، جاء نتيجة السياسة الناجحة والهادئة التي اتبعتها وزارة النفط خلال الأشهر الأربعة الأخيرة، والتي أوصلت صادرات النفط العراقي إلى أكثر من ثلاثة ملايين برميل يوميا، مع تصاعد مؤشر سعر النفط في الأسواق العالمية ليصل ما بين 65 الى 67 دولار، جعلت العراق يحقق إيرادات مالية خلال شهر نيسان تجاوزت الـ 4.7 مليار دولار وهو مبلغ لم يحقق العراق نصفه خلال الشهر الأول من عام 2015.
ويمكن لنا التفاؤل بان الإيرادات المالية لصادرات النفط العراقي ستكون أعلى خلال الأشهر القادمة نتيجة لزيادة معدلات الإنتاج المتوقعة مع الطموح بارتفاع أسعار النفط في الأسواق العالمية او المحافظة على سعره الحالي على اقل تقدير.
مما يعني إننا، على اقل تقدير، تجاوزنا مرحلة الخطر في العجز المالي الذي تعاني منه ميزانية الدولة، مع بقاء ذلك العجز لكن ليس بالخطورة التي كنا نتحدث عنها في الأشهر الثلاثة الأولى من عام 2015.
لكن من الضروري جدا إن نقف طويلا أمام تجربة التقشف تلك، وان نستفاد ونتعلم منها الكثير، وان الدرس الأول هو أهمية تنوع الاقتصاد وعدم الاعتماد على النفط فقط كمصدر وحيد ورئيسي لإيرادات الدولة، فعجلة الصناعة يجب ان تدور وعلى الدولة ان تقود ثورة أصلاحية وتطويرية في المنشات الصناعية العراقية لتمتلئ أسواقنا ببضائع مكتوب عليها وبفخر (صنع في العراق)، ومهزلة استيراد الخضر والفواكه والمحاصيل الزراعية الأخرى يجب أن تنتهي أيضا لتعود ارض الرافدين الخصبة تطعم أبناء العراق، ونوقف هذا الهدر المالي بملايين الدولارات يوميا على استيراد المحاصيل الزراعية.
كما ان سياسة التبذير والإسراف التي عاشتها الحكومة العراقية إبان عهد رئيس الوزراء الأسبق نوري المالكي يجب ان لا تتكرر من جديد، فكل دينار يدخل خزينة الدولة العراقية يجب ان يستثمر بالشكل الصحيح ويصرف وفق دراسة ومعرفة ورؤية حقيقية باحتياجات الناس وأولوية تلك الاحتياجات.