23 ديسمبر، 2024 9:41 ص

الدولة السائبة ومطامح المنظمة السرية في العراق

الدولة السائبة ومطامح المنظمة السرية في العراق

تخوض الحكومة العراقية، والقوات المسلحة تحديداً، حربا مفتوحة ضد المجاميع الارهابية التي استطاعت أن تؤسس لها موطأ قدم في إحدى مُدن العراق ساعية لتوسيع رقعة سيطرتها وإستنساخ تجربة الفلوجة في مدن عراقية أخرى لفرض أمر واقع جديد على الأرض يتيح لها انتزاع اعتراف داخلي أو خارجي يؤهلها لفرض شروطها التي من غير المستبعد أن تتخذ في بادئ الأمر طابعاً سياسيا تتمكن معه تكريس واقع (الدولة السائبة) في المشهد السياسي العراقي كخطوة أولى في مسار اجتثاث التجربة الديمقراطية والحياة الدستورية من المشهد السياسي في العراق.

في هذا السياق، وبالموازاة مع حراك المجاميع الارهابية، اتخذ الفرقاء السياسيون من شعار (لا للولاية الثالثة) المرفوع بوجه السيد المالكي، غطاءً لرفع سقف المطالب والمزايدة على الثوابت الوطنية وانتهاك حُرمة الدستور، وبما يُعد تخادماً سياسيا واضحاً بين الحراكين ( الإرهابي والمعارض)، يؤكد هذا التخادمَ الصمتُ المطبق لهذه القوى السياسية حيال جرائم الارهابيين والتجاهل التام لجهود وتضحيات القوات العراقية المسلحة في المعركة التي تخوضها ضد الارهاب اليوم.

أن ذلك ما يمكن أن يعسكه واقع الحال وليس اجتهاداً بقصد التشكيك بالولاءات الوطنية لهذه القوى التي يمكن أن يصنفها ذات الواقع الى صنفين، إحداها (مغفّلة) والأخرى (متغافلة) حينما يتعلق الأمر بمدى إدراكها لمستوى التخادم، وطبيعة الخدمات والدعم المعنوي الذي تقدّمه قوى المعارضة السياسية اليوم للمجاميع الإرهابية بإصرارها على ارتكاب الخروقات الدستورية وخلط الأوراق والتقديم والتأخير في سلّم أولويات العمل الوطني والتطبيق الديمقراطي في هذه المرحلة.

حينما نتحدث عن الارهاب، فذلك يفرض على الجميع أن يكونوا بمستوى المسؤولية في المواقف المعلنة وغير المعلنة في الحرب على هذه الظاهرة، وبما يفرض موقفاً موحدا على الجميع بصرف النظر عن حجم الخلافات والإختلافات وأطوال المسافات التي تفصل هذه القوى عن السلطة الوطنية المنوط بها ادارة ملف المعركة مع الارهابيين.

 وتكتسب مثل هذه المواقف للفرقاء في العراق أهمية خاصة، وذلك لأن طبيعة العمل الارهابي في العراق يمتاز عن غيره في الأماكن الأخرى بأمور كثيرة تجعل من هذه المجاميع أكثر انتاجاً للعنف والخراب وأقرب من غيرها الى أهدافها عندما تتاح لها الفرصة. حيث يعلم الجميع بأن المجاميع الارهابية وعلى مستوى القيادات ذات العقول المشبعة بفكر البعث الصدّامي التدميري تمتلك خبرات متراكمة نتيجة وجودها في السلطة عقود من الزمن واكتسابها مهارات قتالية ومخابراتية واعلامية تمكنها من استقطاب عناصر ارهابية من البلدان الأخرى واختراق المؤسسات الأمنية العراقية وإفساد العمل الوظيفي عبر الهامش الذي تحققه ما تسمى بـ (الشراكة الوطنية/ التعطيلية) التي تجعل الأبواب مشرعة بوجه عناصرهم التخريبية الهادفة الى تعطيل النظام السياسي الجديد في العراق والعودة بالدكتاتورية مجددا الى أحضان السلطة، فضلا عما تحققه هذه الشراكة من تمويل ذاتي عبر تكريس ظاهرة الفساد الاداري وتجديد أنماطها.. وبالنتيجة يمكننا القول بأن العمل الارهابي في العراق هو عمل (منظمة سرية/ البعث الصدّامي) تستند الى نمط من التفكير الشمولي ذو الصبغة الاستراتيجية التي توظف أي شئ لخدمة هدف الإمساك بالسلطة مجدداً.

لذلك وإستنادا الى حقيقة ما سبق، من الممكن لأي منا توظيف الاحتمالات للوصول الى استنتاج بخصوص المواقف المتذبذبة والمزدوجة للقوى السياسية المعارضة للحكومة حيال ظاهرة الارهاب والموقف من حكومة السيد المالكي، وقد أشرنا سلفا الى التصنيفين (القوى المغفلة والقوى المتغافلة)، ولربما يصح أيضا تقسيم (القوى المتغافلة) الى قسمين: القسم الأول الذي يتحرك تبعا لأطماعه التي تلتقي هي الأخرى على الأمد المتوسط أو البعيد مع استراتيجية الارهاب في العراق، فضلا عما تقدمه الأطراف الخارجية التي تشكل مرجعية للطرفين من رسائل اطمئنان، الأمر الذي يحفز هذا القسم من المتغافلين الى تكييف المواقف بشكل تخادمي يحقق نقاط التقاء استراتيجي في مرحلة لاحقة مع الإرهاب. أما القسم الثاني منهم، فمن الممكن إرجاع تخادمهم مع الارهاب الى المخاوف التي يفرضها وجود محل سكناهم ومصالحهم في المناطق الساخنة التي يهيمن عليها الارهاب، مع الاشارة الى عدم امكانية تعميم الحُكم، فهناك من سكنة هذه المناطق وقد وقف ويقف اليوم علنا ضد الارهاب.

على أية حال، هذا فيما يخص القوى المتغافلة، ولكن مالا يمكن أن تجد له جواباً وما لا ينطبق عليه احتمالاً تعزى اليه الدوافع وراء التخادم مع الارهاب هم الصنف الآخر، وهي (القوى المغفّلة) التي تتجاهل هذه الهجمة الشرسة على العراق منشغلة في رفع لواء المعارضة للولاية الثالثة للسيد المالكي،رغم أنهما معا ًمن ذات التحالف المعني بشكل أساسي بالحفاظ على التطبيقات الدستورية والحياة الديمقراطية في العراق. ومع ذلك فهو يتخادم من حيث لايدري مع الارهاب ولربما يوضع في موضع المتمرد الأول على الدستور برفضه الولاية الثالثة التي يقرها الدستور العراقي، ولا ندري ان كانت هناك ضرورة تاريخية تحتّم مثل هذا الموقف (تعطيل مادة دستورية) أم أن القضية بمجملها نزولا عند رغبة المتغافلين، إن كانت الضرورة قد استدعت فمن حقنا معرفة (ماهية الضرورة)، أما إن كان الجواب هو الثاني، فقد يصح الوصف بالمغفلين، لأن مثل هذا الأمر هو مطلب تمهيدي لأمور أكبر فأكبر، يفتح باب التنازلات على مصراعيها، ولن تتوقف المطالب عند حدود التنازل عن الولاية الثالثة للمالكي، أنما هي نقطة الانتقال من مسار الدولة السائبة (الذي تسببت المحاصصة في تكريسه) الى النقطة الأولى في طريق التأسيس لدولة المنظمة السرية!.. والعكس بالعكس فإن نجاح مشروع حكومة الأغلبية السياسية، فلا شك بأنه سوف يغلق تباعاً، أبواب جهنم المفتوحة على العراقيين منذ أكثر من عقد من الزمن.