12 أبريل، 2024 11:24 ص
Search
Close this search box.

الدولة الديمقراطية في الفلسفة السياسية والقانون

Facebook
Twitter
LinkedIn

باديء ذي بدء ، احب ان اوضح امرا يتعلق بمنهج عرض الكتب حيث اجد من الضروري محاولة تلخيص اهم الافكار والطروحات الاساسية التي يسعى المؤلف الى عرضها . واعتقد ان ذلك من حق المؤلف كما انه من حق القاريء بالضرورة وتلك وظيفة جوهرية يهدف اليها باب عرض الكتب في اية صحيفة او دورية .
الكتاب الذي نحن بصدد عرضه يتحدث عن موضوع في غاية الاهمية تحتاج المكتبة العربية والعراقية منها على الاخص الى المزيد من امثاله . وقد توجه الدكتور الشاوي الى دراسة هذا الجانب ((موضوع الكتاب)) لأنه اراد كعادته ان يبحث في مجال غير تقليدي لذلك دفعه الى الاهتمام بدراسة هذا الجانب الذي له اهمية كبيرة في تكوين او تأسيس الدولة او النظام السياسي السليم .
والدكتور الشاوي ، خاض في هذا الميدان خوض الخبير المتمكن الواثق من خطواته . فاننا امام كتاب متميز يختلف في عرضه وتوجهاته ونتائجه عن اكثر ما عرفناه من كتب تبحث في هذا الشأن . فقد كتب الكثير عن الديمقراطية ومؤسساتها السياسية ولم يكتب كثيرا عن مؤسساتها القانونية . وكذلك عن المعتقدات الايديولوجية التي لها اهميتها باعتبارها افكارا موجهة للواقع الاجتماعي والسياسي والقانوني . والقرن العشرين كان بدون شك قرن الايديولوجيات وبالاخص الايديولوجيات الديمقراطية . لذا فان المؤلف رأى من الضروري معرفة مدى تأثير الفكرة الديمقراطية على المؤسسات السياسية والقانونية ومدى استجابتها لهذه الفكرة . لذلك فان دراسة المؤلف للدولة جاءت في ضوء الايديولوجيات الديمقراطية … ومدى انعكاسها على النظام السياسي والقانوني للدولة .
وفي هذا الكتاب يطرح الدكتور الشاوي تساؤلاً هاماً ويحاول الاجابة عليه والتساؤل هو :- ما هي الاسباب التي تؤهل البعض لأن يصبحوا حكاماً ؟ فجاء جوابه بمثابة مدخل تمهيدي لموضوع كتابه وبالشكل التالي :- اننا نقر في ان كل فئة اجتماعية صغيرة او كبيرة بدائية او متطورة وجود افراد يفرضون ارادتهم على الاخرين من اعضاء الفئة الاجتماعية . وهذا يعني ان هؤلاء الافراد يوجهون اوامرا الى باقي اعضاء الفئة الاجتماعية ويستطيعون تنفيذها عند الاقتضاء، بالارغام المادي اي بالقسر ان اقتضى الامر . وهؤلاء الافراد هم الحكام اما الاخرون من اعضاء الفئة الاجتماعية الذين يخضعون لاوامر الحكام فهم المحكومون .
ما الذي يميز هذه الفئة من الافراد ـــ الحكام ـــ عن الاخرين ؟
يرجع المؤلف ذلك الى عدة عناصر اهمها :-
ــ القوة البدنية :- التي يمكن ان تكون سببا في ان يصبح بعض الافراد في الفئة الاجتماعية حكاما . الا ان هذا الوضع لا يتحقق الا في المجتمعات البدائية . ومن هذا الوضع علينا ان نقرب وضع الاشخاص الذين يمكن ان يصبحوا حكاما ، لانهم يقبضون على قوة عسكرية .
ـــ الهيبة :- يمكن ان تساعد البعض لان يصبح حاكما . فكل منا يلحظ ان بعض الافراد يتمتعون بنفوذ وبشخصية وبسطوة على المحيطين بهم . لكن الهيبة لا تخلو في الحقيقة من نوع من القوة الغامضة والخفية التي يتمتع بها بعض الاشخاص بحيث يفرضون انفسهم وبالتالي ارادتهم على الاخرين من اعضاء الفئة الاجتماعية .
لكن ، اذا كانت القوة البدنية والقوة العسكرية والهيبة من الاسباب التي تمكن عددا من الافراد قل او كثر من ان يصبحوا حكاما ، فان القوة الاقتصادية ـــ يؤكد المؤلف ـــ يمكن اعتبارها من اهم هذه الاسباب . والعلاقة الاكيدة بين تملك القوة الاقتصادية والتأهيل لتملك السلطة امر لا ينكره التاريخ مطلقا ـــ يتابع المؤلف في تأكيده ـــ بحيث ان تملك وسائل الانتاج من افراد او وظيفة تمكنهم من السيطرة على السلطة ايضا .
الا ان القوة البدنية والعسكرية والهيبة والقوة الاقتصادية التي تمكن عددا من الاشخاص من ان يصبحوا حكاما ، وان تكون سببا للتمييز بين الحكام والمحكومين ـــ يستنتج المؤلف ـــ لا توجد بصورة معزولة بل هي في اغلب الاحيان متداخلة ومتشابكة … وان اهمية البعض منها رهين بدرجة التطور الفكري والحضاري للشعوب عبر الزمان والمكان .
ينتقل المؤلف بعدها الى تعداد طرق ووسائل القبض على السلطة من قبل هؤلاء الافراد محددا اياها بالتالي :-
الانتخاب :- اي ان يسهم اعضاء الفئة الاجتماعية بصورة مباشرة في اختيار الحكم .
الوراثة :- تتجسد في وراثة العرش ، الا انها لا تقتصر على وراثة العرش فحسب بل يمكن ان تتضمن وراثة العضوية في المجالس السياسية . ومن النادر ان نجد مجالس وراثية خارج اطار الملكية الوراثية . علما ـــ يقول المؤلف ـــ ان الحكام في اغلب الدول المتقدمة لا يرثون اليوم مناصبهم او سلطاتهم .
الاختيار الذاتي :- يعني ان القابض على السلطة كليا او جزئيا يختار من سيخلفه او سيمارس السلطة معه . والاستخلاف في السلطة يكون من قبل الفرد اما الاشراك في ممارستها فيكون من قبل مجلس .
الاستيلاء :- ويتم اما عن طريق الثورة واما عن طريق الانقلاب .
ثم يتناول المؤلف من خلال مجموعة من الاستفهامات ماهية السلطة ، هل هي قوة ارغام مادية، ام قوة الارغام المادية هي عنصر مهم من عناصر السلطة ؟
يعترف المؤلف صراحة بصعوبة اعطاء تعريف للسلطة او تحديد مكوناتها بالضبط . لكنه يجيب مؤكدا على جانب من سؤاله :- بان لا وجود للسلطة بدون قوة الارغام . ففي حالة الصراع بين الحكام والمحكومين ، اي في حالة رفض المحكومين الانصياع لاوامر الحكام ، يلجأ هؤلاء لقوة ارغام او اكراه لاجبار المحكومين على الطاعة.
ان ظاهرة السلطة ـــ يوضح المؤلف ـــ لا تقتصر في وجودها على المجتمع السياسي ((الدولة)) فيمكن ان نجدها في كل الفئات الاجتماعية (( العائلة ، العشيرة ، النقابة ، الحزب … )) حيث يمكن ان نقر دائما بوجود علاقة قوة او امر بين اعضائها ولذلك ـــ يتابع المؤلف ـــ فان السلطة لا يمكن ان تدرك بذاتها وانما باثرها حيث تمارس من قبل القابضين عليها . اي ان السلطة لم تعرف بذاتها وانما عرفت بأثرها .
لذلك ـــ يستنتج المؤلف ـــ فان المنهج السليم يقضي بان تواجه السلطة في اثرها في ممارستها ، وهذا الاثر او هذه الممارسة للسلطة يتجلى بالنسبة للحكام في اصدار الاوامر والنواهي للمحكومين . اما اثر السلطة بالنسبة للمحكومين فيتجلى في موقفهم من ممارسة السلطة وعندما تطرح مسألة تبرير طاعة المحكومين او مسألة شرعية التمييز بين الحكام والمحكومين .
وبناء عليه ـــ والكلام مازال للمؤلف ـــ فان التمييز بين الحكام والمحكومين لا يقوم على علاقة قوة بقدر ما يقوم على استعداد نفسي عند الحكام والمحكومين . فخضوع المحكومين ليس نتيجة ضعف حتمي بقدر ما هو نتيجة تصور لعلاقة او نظام سياسي يمثل فيها كل من الحكام والمحكومين دوره المناسب … وعندها يظهر دور المعتقدات كعامل مهم في الحصول على طاعة المحكومين وبالتالي اسباغ الشرعية على السلطة .
والمعتقدات ـــ يؤكد المؤلف ــــ قد لا تكون عنصرا من العناصر المكونة للسلطة لكنها عنصر من عناصر الطاعة. واذا لم يكن من السهل تصور وجود السلطة من دون ان تطاع فعندها يمكن ان تكون المعتقدات وبالتالي الشرعية عنصرا من عناصر السلطة. فسلطة الحكام ـــ يستنتج المؤلف ـــ ستكون اقوى وما تضعه من قواعد اكثر احتراما اذا سلم المحكومين من ذاتهم بهذه السلطة ، اذا آمن المحكومون بسلطة الحكام وعندها يبرز دور المعتقدات كعامل مهم في الحصول على طاعة الحكام . فالمعتقدات في الحقيقة هي قوة لقوة الحكام ، لان سلطة الحكام تكون اكثر فجاعة حين يسلم بها المحكومون طوعا واختيارا .
ولهذا السبب ـــ يقول المؤلف ـــ سعى الحكام ومساعدوهم من اهل الفكر الى ايجاد نظريات وتبريرات حول شرعية السلطة … فالنظريات والمذاهب ـــ والكلام للمؤلف ـــ ليست بناءً نظرياً محضاً وانما هي وقائع اجتماعية بالضبط تجعل التمييز بين الحكام والمحكومين مقبولا وتعطي بالتالي الديمومة للتنظيم السياسي حاليا او مستقبلا . فالفلسفة السياسية ـــ كما يؤكد المؤلف ـــ تستجيب لحقيقة اساسية ثابتة وهي رغبة الانسان في اضفاء الشرعية على التمييز بين الحكام والمحكومين ، اي تبرير شرعية السلطة لكي تطاع ولكي يستمر المجتمع السياسي .
فالمسألة الاساس ـــ يستفهم المؤلف ـــ هي وفق اي مباديء وتصورات تكون السلطة شرعية ، والتمييز بين الحكام والمحكومين مقبولا ، والتواصل بينهم موجود بعيدا عن القهر والاستغلال ؟ ، ان مسألة شرعية سلطة الحكام ـــ يجيب المؤلف ـــ هي اساس وجوهر كل بناء وتنظيم سياسي .
ولان الامر ـــ كذلك ـــ يتعلق بشرعية سلطة الحكام ، يطرح المؤلف اسئلته … :- متى تجب طاعة السلطة ؟ ومتى لا تكون السلطة شرعية حتى لا تجب طاعتها ؟
يجيب المؤلف :- ان السلطة السياسية تستمد اذن من ضرورتها ، لتضع قواعد السلوك الاجتماعي للافراد وتفرض عليهم بالارغام عند الحاجة مراعاتها . الا ان المشكلة الاساس ـــ يلفت انتباهنا المؤلف ـــ تكمن في معرفة سبب خضوع الافراد لارادة الحكام . ومصير الفرد لا يتحقق لمجرد انه يعيش في مجتمع تحكمه سلطة ، لان الفرد يختار وبالتالي يحقق مصيره .
ان الانسان بحاجة الى ان يحكم ولكن يريد ان يحكم باختياره وبحريته ، فهو يبدي رأيا في السلطة وبالتالي بشرعيتها . يبدي رأيه رفضا او قبولا في ممارسة السلطة او في طريقة ممارستها. وعليه فالسلطة تكون شرعية اذا كان من يمارسها وطريقة ممارستها تتفق والرأي السائد في المجتمع حول ذلك .
فالشرعية ـــ يؤكد المؤلف ـــ هي الصفة التي يجب ان تملكها حكومة ما بحيث ان هذه الصفة تتفق والرأي السائد في الفئة الاجتماعية حول اصل السلطة وطريقة ممارستها . وعليه ـــ يتابع المؤلف ـــ فان الشرعية هي معتقد ايمان غالبية اعضاء المجتمع ايمانا حقيقيا بان السلطة يجب ان تمارس بطريقة معينة دون غيرها والا فقدت مبرر طاعتها . لذلك ، فان مبدأ شرعية السلطة واهميتها لا ينكرهما احد ، وان الاختلاف يدور حول اسباب ومبررات هذه الشرعية . واسباب ومبررات الشرعية يتقاسمها مذهبان اساسيان هما المذهب التيوقراطي والمذهب الديمقراطي اللذان انجبا نوعين من الشرعية :ـــ الشرعية التيوقراطية والشرعية الديمقراطية . ومن الاخيرة نصل الى الايديولوجية الديمقراطية . وهذه الايديولوجية ـــ يوضح المؤلف ـــ تقوم على اساس ان الافراد باراداتهم وبحريتهم اقاموا السلطة ، ولم تفرض عليهم وهم يحتفظون بهذه السلطة لأجل ان يحكموا انفسهم بانفسهم .
ان محور الايديولوجيات الديمقراطية ـــ يتابع المؤلف كلامه ـــ يقوم على فكرة الحرية . والحرية تعني اولا حرية كل فرد ، اي ان الفرد يحدد سلوكه بنفسه ، وتعني ثانيا حرية المجموع ، اي ان يحدد المحكومون بانفسهم مصيرهم الجماعي . لذلك ، قيل بان الديمقراطية ، هي حكومة الشعب من قبل الشعب ومن اجل الشعب ، وعليه فان دولة ما تكون ديمقراطية حين يكون المحكومون فيها حكاما في ذات الوقت .. بمعنى ان الديمقراطية او الايديولوجية الديمقراطية تنشد تطابق الحكام والمحكومين .. وهذا شأن المذهب او الايديولوجية الديمقراطية التي حكمت كل البناء السياسي والقانوني للدولة .
اما ما يتعلق بشأن الدولة وماهيتها فقد حددها المؤلف .. من انها في الحقيقة ليست الا التمييز بين الحكام والمحكومين وبوجود هذا التمييز تظهر الدولة . ويتابع المؤلف قوله ـــ واذا كانت الدولة تظهر لنا على انها تميز بين حكام ومحكومين ، فان ذلك يبين الى حد كبير جوهر الدولة ويحدد عناصرها . فوجود الحكام معناه وجود سلطة يقبض عليها ويمارسها الحكام . ووجود محكومين معناه وجود افراد يكونون الفئة الاجتماعية او المجتمع ((الشعب)) ويخضعون لسلطة الحكام . والفئة الاجتماعية او المجتمع بطبيعتها وفي الاغلب مستقرة وتستقر على اقليم معين . فنشوء الشعوب مرتبط في الحقيقة باستقرارها على اقليم معين . ومن هنا تأتي اهمية الاقليم بالنسبة للدولة ، اذ لا يمكن تصور وجود دولة بدون وجود اقليم يستقر عليه شعبها . ولهذا ايضا تكتسب مسألة حدود الدولة اهمية بالغة لانها ترسم المجال الذي تمارس ضمنه سلطة الدولة . وعليه فان اقليم الدولة يمثل الاطار الذي تمارس في حدوده سلطة الدولة على كل الاشخاص المقيمين فيه دون استثناء .
بعد ذلك ، يتناول المؤلف موضوع السلطة التي يقبض عليها الحكام ، وهي الغرض الاساس الذي يهتم به المؤلف التي يقول عنها ـــ اي السلطة ـــ يجب مواجهتها في تنظيمها وفي ممارستها، في سكونها وفي حركتها . فالدولة سلطة يقبض عليها فرد او فئة او اغلبية ويمكن كذلك ان تتعايش هذه العناصر القابضة على السلطة وعندها فان السلطة تنظم نفسها لكي تمارس اي تنظم العلاقة بين القابضين على السلطة وبينهم وبين المحكومين تكون النظام السياسي في بلد معين وزمن معين .
فالدولة بهذا المعنى وبهذا المنظور ـــ يستنتج المؤلف ـــ هي نظام سياسي ، هي سلطة تمارس بطريقة معينة . فالسلطة لا تمارس لاجل ان تمارس وانما لتحقيق غاية او هدف معين .. واذا كانت السلطة يجب ان تمارس وهي وجدت لكي تمارس فان الحكام وجدوا ليمارسوا السلطة التي يقبضون عليها ، اي لكي يحكموا والحكم هو ليس الا توجيه اوامر ونواهي الى اعضاء الفئة الاجتماعية الى المحكومين .
لذا ـــ يؤكد المؤلف ـــ نجد حياة الجماعة مرتبطة ارتباطا وثيقا ومتلازمة مع وجود السلطة ووجود الافراد الذين يمارسونها وهم الحكام . فالاساس ـــ يتابع المؤلف ـــ هو السلطة ، اما القانون فيضعه الحكام لتنظيم حياة الجماعة وتطويرها . ولكن للسلطة او للحكام القابضين على السلطة رؤى واختيار وفلسفة ، لذلك فان وضع القواعد القانونية بمعنى اقامة النظام القانوني يكون بمثابة ترجمة لرؤى سياسية معينة ، وان القانون هو اختيار سياسي . فالدولة اذن سلطة ، والسلطة تضع القانون ، فلا دولة بدون سلطة ولا دولة بدون نظام قانوني .
فالدولة ـــ كما استدل المؤلف ـــ هي سلطة وقانون ، اي نظام سياسي ونظام قانوني . فلا يمكن في الحقيقة الفصل بين النظام السياسي والنظام القانوني . فهما مظهران لحقيقة واحدة ـــ الدولة -. فلا دولة بدون نظام سياسي ولا دولة بدون نظام قانوني والعلاقة بين النظامين هي علاقة عضوية وهما طرفا معادلة الدولة .
لكن المؤلف يعقب .. من ان دراسته ليست بصدد اية دولة بمعنى انه ليس بصدد اي نظام سياسي او قانوني بل بصدد دولة ديمقراطية ، اي بصدد نظام سياسي ديمقراطي ونظام قانوني ديمقراطي . ولكي يكون النظام السياسي ديمقراطيا والنظام القانوني ديمقراطيا يجب تحديد المعيار الذي وفقا له ـــ يقول المؤلف ـــ نقيم نظاما سياسيا ونظاما قانونيا معينا لكي نستطيع بالتالي ان نقول انهما نظامان ديمقراطيان .
وتأسيسا على ذلك .. جاء الكتاب الاول من هذا المؤلف الذي نعرض له هنا ، تحت عنوان ـــ الفكرة الديمقراطية ـــ التي يعتبرها المؤلف المسألة الاولى التي يجب الوقوف عندها والتعمق فيها وتأصيلها . وبهذا الجانب يقول المؤلف :- لقد هيمن التوجه الديمقراطي على النفوس بشكل يكاد يكون عاما في القرنين التاسع عشر والعشرين . ولكن لهذا السبب بالضبط فقدت كلمة ديمقراطية معناها المحدد . فلكي يستجاب الى العادة السياسية استخدمت هذه الكلمة لكل الاهداف الممكنة وفي كل المناسبات ، فأسيء استعمالها اكثر من اي مفهوم سياسي اخر ، فاخذت بذلك معان مختلفة غالبا متناقضة ، وقد وصلتها اللغة السياسية الجارية التي لا فحوى فكري فيها الى ان تكون مجرد جملة متعارف عليها خالية من اي معنى محدد .
ان تحديد الفكرة الديمقراطية ـــ يشير المؤلف ـــ يتطلب دراسة التطور التاريخي لهذه الفكرة . فلأدراك اية فكرة لابد من العودة الى الجذور . وبناء على ذلك جاءت خطة الكتاب الاول للدكتور الشاوي على النحو التالي :- نشأة الديمقراطية ، الديمقراطية الليبرالية ، الديمقراطية الاجتماعية ، الديمقراطية الماركسية .
يقول المؤلف :- ان تاريخ الفكرة الديمقراطية ، تاريخ طويل ومثير . والديمقراطية تستلهم الحرية والحرية تعني قبل كل شيء حرية الفرد . لذا انصبت جهود الفكر الانساني في هذا الميدان على اعطاء تفسير للسلطة من شأنه ان يحمي الفرد في حريته الجسدية الفكرية والدينية ضد التحكم السياسي فقد كانت المذاهب الديمقراطية منذ بداياتها وفي تطورها تهدف الى اقامة حواجز ضد الطغيان .
فالمذاهب الديمقراطية ترجع اصل السلطة السياسية الى الارادة الجماعية للمجتمع الذي يخضع لهذه السلطة وان السلطة السياسية تكون شرعية لانها اقيمت من الجماعة التي تحكمها . فالديمقراطية لم تعد تعني ممارسة السلطة بشكل او بأخر من قبل المجموع ، اي الشعب بقدر ما هي فلسفة ونظام وايديولوجية هما الفرد وحريته بالدرجة الاولى .
ثم تناول المؤلف الكيفية التي يتم بواسطتها تحقيق الديمقراطية في المجتمع والدولة . ففي هذا السياق يتساءل المؤلف :- ماذا يعني المجتمع الديمقراطي في الواقع ؟ يجيب المؤلف بالتالي :- انه يعني وجود ظروف حياة تضمن لكل واحد من اعضائه الامن والرفاه لتحقيق سعادته بحيث يكون في مأمن من القهر بسبب الحاجة الى العمل ويكون لكل فرد الحق في ان يحصل من المجموع على الحماية ضد مخاطرة الحياة . صحيح ـــ يتابع المؤلف كلامه ـــ ان هناك درجات في الجرعة الديمقراطية لكل مجتمع . الا ان اي مجتمع لا يمكن ان يدعي الديمقراطية اذا كان الفرد فيه عاجزا عن ان يصبح سيد مصيره في مواجهة العوامل الاقتصادية والاجتماعية التي تتحكم في ظروف حياته ، وهذه الديمقراطية الاجتماعية بفعل الرفاهية ـــ يؤكد المؤلف ـــ نجد جذورها في الايديولوجيات الليبرالية التي تنادي بعدم تدخل الحكام وتحقيق سعادة الانسان .
في نهاية الكتاب ، يعين المؤلف حدود مفهوم الديمقراطية من خلال جملة من تساؤلات مصحوبة باجاباتها .
في الحقيقة ان مشكلة الديمقراطية ـــ هي مشكلة الانسان ومشكلة الرهان على الانسان . فالديمقراطية هي مشكلة الانسان ككائن اجتماعي كجزء من كل ، وهي كذلك مشكلة الانسان ككيان قائم بذاته له مصالحه وله طموحاته وفيه نزعات الخير والشر . فكيف يتعامل الانسان اذن مع الغير ، وكيف يتعامل ايضا مع الذات ؟ كيف يفكر من اجل الغير وكيف يفكر من اجل الذات ؟
¤ الكتاب : د. منذر الشاوي ـــ الدولة الديمقراطية في الفلسفة والقانون ـــ الكتاب الاول ـــ الفكرة الديمقراطية ـــ منشورات المجمع العلمي العراقي ـــ الطبعة الاولى ـــ 1998.

مقالات اخري للكاتب

أخر الاخبار

كتابات الثقافية

عطر الكتب