18 ديسمبر، 2024 10:17 م

الدولار ( عادت حليمة لعادتها القديمة )

الدولار ( عادت حليمة لعادتها القديمة )

يشكل القرار المتعلق بتغيير سعر صرف الدولار بجعله 1470 دينار بعد أن كان 1190 دينار صعقة كبيرة للكثير من العراقيين ، وهي صعقة ليست من النوع العابر الذي يمكن التغاضي عليه لأنها تحولت إلى ( كارثة ) تصيب معيشة الغالبية من فئات الشعب وشملت آثارها كل ما يتعلق بشؤون الحياة كونها تسببت بزيادة الأسعار لأكثر من 25% في ظرف لا يسمح بذلك لما يمر به الاقتصاد من انكماش وما يعيشه البعض من توقف جزئي او كلي في الأعمال بسبب الحظر ووباء كورونا وانتشار البطالة والفقر حسب البيانات الرسمية التي تنشرها وزارة التخطيط التي تلامس الحقيقة إلى حد ما ، وهذا القرار الذي يعده البعض وسيلة لإنعاش الاقتصاد ابسط ما يمكن وصفه بأنه قرار متعجل ولم يأتي في التوقيت المضبوط ولم تحسب نتائجه النفسية والمادية والاقتصادية لأنه اعتمد على معيار واحد وهو زيادة إيرادات وزارة المالية من الدينار لا بتفعيل الاقتصاد او زيادة الناتج المحلي وإنما من خلال إضعاف القدرات الشرائية لكون معظم السلع تقوم بالدولار فأكثر من 90% منها تعتمد على الاستيراد بالدولار ، وقد لاقى هذا القرار حالة من عدم القبول الشعبي الذي لم ينفجر بهيئة احتجاجات لان صدوره تزامن مع تأخير مراجعة موازنة 2021 في مجلس النواب بدعوى دراستها وإصدارها بأفضل حال ، ولأسباب استعراضية او انتخابية فقد كانت تصريحات العديد من أعضاء مجلس النواب تشير للجهود التي تبذل لإسقاط المادة التي تتعلق بتغيير سعر الصرف أثناء التصويت على إقرار الموازنة بشكلها النهائي الذي تم في نهاية آذار الماضي ، بمعنى إن الكثير من أبناء الشعب وضعوا على ( المغذي ) لمدة ثلاثة شهور ثم أدركوا فيما بعد بان اغلب ما كان يصدر من وعود ما هي إلا مراوغة مارسها المستفيدون من الدولار لامتصاص نقمة المتضررين من غلاء الأسعار ، وان العذر الذي التزم به من وعد بإرجاع أسعار الصرف هو واحدا وكأنه من ( المقدسات ) ومفاده إن التغيير تم من البنك المركزي العراقي وهو جهة مستقلة لا يمكن الضغط على قراراته ودستورنا يخلو من نص يجيز الضغط على البنك المركزي للعدول عن هذا القرار ، وهو كلام مردود على من يتحجج به لعدة أسباب أولها إن قرار الحكومة وبالذات وزارة المالية سبق قرار البنك المركزي لان النسخة المسربة من مشروع قانون الموازنة تضمنت نصا بتغيير سعر بيع الدولار المتأتي من إيرادات بيع النفط إلى 1450 دينار، وكانت المدة بين وضع هذا النص وتاريخ صدور قرار البنك المركزي أكثر من شهر ( استفاد منها من استفاد ) مما يؤكد إن القرار حكومي في الأول وتحول إلى قرار بنكي لفرض الأمر الواقع ، وثانيها إن محافظ البنك المركزي ونائبه صرحوا منذ اليوم الأول للتغيير ولحد اليوم بان البنك الدولي ( الذي لا يملك وصايا على العراق ) طلب تغيير سعر الصرف إلى 1600 دينار ضمن حزمة الاصلاحات التي يتوجب إتباعها من قبل الحكومة ولكن المفاوضات استقرت على 1450 دينار كحل وسط بين الدولي والمنادين لرفع السعر إلى 1300 دينار ( 1600 + 1300 = 2900 تقسيم 2 = 1450 ) دينار فأين الاستقلالية في القرار ، وثالثها إن تصريحات السيد رئيس اللجنة المالية في مجلس النواب الموثقة في اليو تبوب وغيرها قد نصت صراحة بان قرار تغيير سعر الصرف كان جماعيا وتم بحضور وموافقة رئيس مجلس الوزراء ووزيري التخطيط والمالية ورؤساء الكتل في مجلس النواب ولم يعترض احد عليه بمعنى انه قرار جماعي والبنك طرفا فحسب ، ورابعها إن موضوع عدم أمكانية الضغط على البنك المركزي واستقلاليته بموجب الدستور يتحمل الكثير من الجدل لان المحافظ يعمل بالوكالة والسنوات من 2005 ولحد اليوم شهدت اجتهادات ببعض مواد الدستور من باب الضرورة الملجأة او باتفاق الكتل والمركزي لا يمكن آن ينأى عن الاجتهادات .
لقد أثبتت الأشهر الأربعة الماضية بان نتائج تغيير سعر الصرف كارثية بحق لأنها طالت الدواء وكل أمور الحياة و بدأت تلقي بظلالها بقسوة على مكونات المجتمع كافة ( مستوردين و تجار جملة و مفرد و بسطاء الشعب من كسبة و موظفين ) وهناك إجماع بأنه إجراء غير مدروس العواقب بتاتا وقابل للاستغلال ويحدث نكبة على البيوت العراقية و قوتها اليومي ، وان الإجراءات التي يدعوا مجلس الوزراء لاتخاذها تدل على عدم إمكانية السيطرة على ارتفاع الأسعار لا من خلال ملاحقة الباعة والتجار ولا من خلال ذر الرماد على العيون بزيادة مبلغ الحماية الاجتماعية بمقدار 50 ألف دينار او بإضافة مستحقين جدد او بتحسين مفردات البطاقة التموينية الذي هو شعار لم يتم بلوغه منذ سنوات ، وكل التداعيات تشير إلى عدم تحقيق أية جدوى من تغيير سعر الصرف وان الإيراد المتحقق بخفض الدينار لا يستحق كل ما يحصل من نكبات وعدم رضا الكثير الذي ربما سيتصاعد يوما بعد يوم ، وبحساب بسيط فقد حققت خزينة الدولة إيرادا بمقدار 13 تريليون دينار (بما يعادل 9.3 مليار دولار) . و يبدو إن الحكومة و البرلمان تناسوا او لم يحسبوا إنهم خسروا ضمنا قيمة كبيرة بسبب تخفيضهم للعملة و هي الإيرادات غير النفطية التي خسرت قيمتها بالدولار 2.3 مليار دولار من قوتها الشرائية حيث تقدر ب 20 تريليون دينار كما فقدت المبالغ المخصصة ل( الموازنة الاستثمارية ) ما يقارب 2.6 مليار دولار من قوتها الشرائية ، و بذلك لم تحقق الدولة إلا ( 6 تريليون دينار ) إيرادا إضافيا كمبلغ ربما يسجل حبرا على ورق ، فهل يستحق الشعب أن يتحمل كل هذه الآلام والأعباء لخاطر عيون ( 6 تريليون دينار ) ، التي كان يمكن تدبيرها بسهولة بأي إجراء ترشيدي آخر من خلال معالجة التهرب الضريبي او ضبط إيراد المنافذ الحكومية او من مغارات علي بابا او حتى بفرض ضرائب على الموظفين بنسبة لا تتجاوز 10% ، لان الجميع باتوا يتحملون مالا يقل عن 40% من زيادة الأسعار وان كانوا بلا دخل ، وحسب التجارب السابقة ومنها ( مغامرات النظام البائد ) فان أية معالجة لمعيشة الناس سوف لم تأت أفلها سواء من خلال مطاردة بعض التجار او من خلال تسعيرة المواد او السيطرة على منافذ توزيع الجملة او التجزئة ، فحتى المنتج المحلي الذين يدعون انه المستفيد من تغيير سعر الصرف بات من المتضررين من هذا القرار لان هناك الكثير من المواد والمستلزمات تستورد من الخارج ، وينطبق ذلك على الزراعة والصناعة على حد سواء ويضاف لذلك الخدمات التي أخذت أجورها ترتفع ويصيبها الكساد لارتباطها بالارتفاع ، ولا نعرف ما هي الفائدة من اقتصاد تضخمي يسوده الكساد في وقت ينشغل العالم بجائحة كورونا التي لم تنجلي بعد والتي بسببها وزعت الولايات المتحدة الأمريكية وألمانيا وكندا وغيرها منح مالية على السكان لإعانتهم لتفادي توقف الأعمال او الارتفاع العالمي في الأسعار ، ونعتقد بان من الأمور التي يفضل أن تراعيها الحكومة الحالية إعادة الأمور إلى نصابها كي لا تورث مزيدا من المشاكل للحكومة التي ستتشكل بعد الانتخابات ، باعتبارها حكومة مؤقتة لتصريف الأعمال وتنتهي أعمالها بعد الانتخابات المبكرة ولم يكن من برنامجها تغيير أسعار الصرف الذي صعق الكثير ولم يحدث الصدمة كما يتبجح المنظرون ، والغاية التي تحققت من هذا القرار إن الشعب بات يترقب أخبار الدولار وهي حالة غير مرغوبة وخطرة لأنها قد تحول مدخرات الكثير من الدينار إلى الدولار بما في ذلك خروج الودائع من المصارف خوفا من تغيير سعر الصرف ، وهي حالة أخذت تظهر للعيان بعد ارتفاع الطلب على الدولار بحيث وصلت أسعار الصرف إلى 1500 دينار بأكثر من السعر الرسمي ( المكروه ) والبالغ 1470 دينار ، كما عادت ( حليمة لعادتها القديمة ) بعد أن تصاعدت مبيعات البنك المركزي يوميا ، فقد تجاوزت 205 مليون دولار هذا اليوم ( 15 نيسان 2021 ) وهو ما يضعف إمكانية زيادة الحزين الاحتياطي من الدولار ( الذي نجهل عنه الشيء الكثير ) رغم انه من شعارات تغيير أسعار الصرف .