شيئا فشيء أخذت الحياة في العراق تتحول لشكلين واضحين وهما الأهلي والحكومي ، فالتعليم من الروضة للجامعات حكومي وخاص والمستشفيات فيها العام و الخاص والمصارف تتنوع بين عام وخاص والكهرباء حكومي وخاص وماء الشرب أهلي وخاص والنقل بأنواعه أهلي وخاص ، وحتى الخدمات وعملية انجاز المعاملات تحولت لنوعين فإذا أردت أن تحصل على جواز سفر سريع فيمكنك أن تحصل عليه بساعات عند دفع رسم بمبلغ 250 ألف دينار وعندما تريد أن تدقق معاملتك في التسجيل العقاري فإمامك خيارين أما الانتظار لأشهر او دفع رسم بمقدار 100 ألف دينار للتدقيق السريع ، وهناك أمثلة عديدة تؤكد عدم وضوح الدولة في توجهاتها نحو خدمة العراقي على المواطنة او على قدر ما يمتلكه من أموال بما يجسد المقولة ( الذي عنده المال يستطيع أن يحصل على مبتغاه ) ، والدولة لم تعرف هويتها الاقتصادية ليس اليوم وإنما منذ عقود وقد ورثنا هذه الحالة ونتقبلها كواقع حال لذا لم نتطور فعلا لا في العام ولا في الخاص رغم إننا نعيش في بلد ينفق 100 مليار دولار في موازنته الاتحادية في مجال الاستثمار والتشغيل كل عام ، وفي آخر إطلالة بين الأهلي والحكومي ظهر هذه الأيام الدولار بوجهين احدهما أهلي والآخر حكومي ، فالدولار الأهلي رغم إن مصدره الأساس نافذة بيع العملة في البنك المركزي العراقي إلا انه يباع بمعزل عن العرض والطلب بالسعر الذي تحدده آليات السوق السوداء و يقترب من 1500 دينار صعودا ونزول ، ويمكن الحصول عليه من أي منفذ مجاز او غير مجاز لمزاولي تصريف الدولار من الطارئين والمجازين ، أما الدولار الحكومي فان سعره الرسمي 1320 دينار و يمكن الحصول عليه أصوليا بحوالات واعتمادات تتوفر فيها الشروط ، والمواطن الفرد يحصل عليه من المصارف بشرط أن يكون بحالة سفر من المطار وبعد الانتهاء من أل boarding ليضمنوا انه سيستخدم في الخارج وليس داخل العراق تحسبا من التهريب وغسيل الأموال!! .
و لسنا هنا لمعارضة او تأييد التوجه من العام للخاص ولكنا بصدد حالة مضرة بوجود سعرين للدولار احدهما سائد في الأسواق والآخر في التعامل الأصولي مع الدولة ، فرغم إننا تعودنا على عدم استقرار أسعار الصرف منذ تأسيس مزاد البنك المركزي ولكن الفجوة هذه المرة لا تتعلق بعدد محدود من ( النمر ) وإنما بفارق فيه شك كبير، وهذه الفجوة يستغلها البعض ليجعلها مسوغا لزيادة أسعار السلع والخدمات بنسب ومعدلات تسبب الأذى والحرمان لدى الغالبية من المواطنين ، وهو ارتفاع غير مبرر ويعبر عن وجود استغلال واحتكار وتلاعب يرقى لمستوى الجرائم الاقتصادية الكبرى التي لا يجوز السكوت عنها ، فسعر الدولار الرسمي قبل 7 شباط كان 1470 دينار للمواطن ولكن السائد في الأسواق هو 1480 او أكثر بقليل وبسبب ظروف الأزمة الأخيرة ارتفعت الأسعار لما يقارب 1700 دينار ، ولان أعلى نسبة للارتفاع لم تتجاوز 15% فمن المفترض عقلانيا أن لا تتأثر أسعار المواد بين ليلة وضحاها ولكنها ارتفعت على الفور في معظم منافذ التوزيع وبنسب تتراوح بين 25- 50% ، وعند صدور قرار البنك المركزي المقترن بمصادقة مجلس الوزراء بجعل السعر 1320 حصلت حالات من الاختلال والارتباك في الأسواق مما انشأ سعرين ، الأول خارج سيطرة الدولة ( أهلي ) بمعدل 1500 دينار للدولار أي بفارق طفيف عن السعر السائد قبل 7 شباط والثاني سعر رسمي يتم التعامل به في نافذة البنك المركزي يبلغ 1320 لآخر مستفيد ، والدولة خفضت أسعار الصرف لكبح الغلو في الأسعار ومراعاة ظروف الناس ولكن الأسعار لم تهدا ولم ترجع لمعدلاتها السابقة لأسباب غير مقنعة للمواطن الذي يريد عودة الأسعار لسابق عهدها وخفضها لاحقا بموجب السعر الجديد للتصريف باعتبار أن المواد موجودة في المخازن والأسواق ، ولأن الحالة لم تشهد استقرارا والمواطن يدفع ثمن هذا الإرباك من دخله الذي لم يزداد فانه يسأل الجهات المعنية أين انتم وما أسباب اختفاء أثركم في تعديل الأسعار ومعالجة الدولار الاهلي ، فبتخفيض سعر الصرف إلى 1300 ستفقد الموازنة 150 دينار عن كل دولار من إيراداتها والمفروض أن يذهب هذا الفرق للمواطن ليستفيد منه وليس لملأ جيوب المتحكمين والمتلاعبين ، ولان الوضع باق ويراوح مكانه ويتم استغلاله بأبشع الصور فان المواطن يكرر السؤال لماذا يتسيد الدولار الأهلي على الدولار الحكومي والدولة هي صاحبة الدولار ، وأين دور الدولة في معالجة هذه الأفعال التي ترتقي لوصف (الإرهاب) الاقتصادي الذي يمكن التصدي له بالقانون ، وهل من المعقول أن يستمر الأمر على هذا المنوال والجميع يشهدون ويشاهدون مهزلة الدولار الأهلي والحكومي بلا معالجات ؟!.