18 ديسمبر، 2024 7:07 م

الدولار الأمريكي في العراق .. نعمة أم نقمة ؟

الدولار الأمريكي في العراق .. نعمة أم نقمة ؟

المقدمة : الدولار الأمريكي هو العملة الرسمية في العراق منذ عام/ 2003 بعد احتلال البلاد من قبل القوات الأمريكية, وبالرغم من مرور أكثر من عقدين على هذا الوضع، إلا أن جدلاً كبيراً مازال مستمراً بخصوص أثر الدولار الأمريكي على الاقتصاد العراقي.
إن الدولار الأمريكي قد يعتبر نعمة للعراق في بعض الجوانب ونقمة في أخرى، ولذلك فإنه من المهم التحليل والدراسة المفصلة لهذا الواقع.. إن أحد أهم النقاط التي توضح هذا التناقض هي تأثير الدولار الأمريكي على تجارة العراق الخارجية.
بعد سقوط نظام صدام حسين، تحول الاقتصاد العراقي إلى اقتصاد معتمد على النفط بشكل كبير, وبوجود الدولار الأمريكي كعملة تجارية رئيسية، تعاني العمليات التجارية من ارتفاع تكاليف التحويلات المالية والتقلبات النقدية، مما يؤثر سلباً على الصادرات العراقية ويزيد من العجز التجاري.
من الجوانب الإيجابية، يمكن للعراق أن يستفيد من استقرار الدولار الأمريكي كعملة عالمية واسعة القبول, فرغم التذبذبات الاقتصادية في السوق العالمية، إلا أن الدولار الأمريكي يبقى ملاذاً آمناً للاستثمارات الأجنبية في العراق ويحميها من تقلبات العملات الأخرى.
أخيراً، يتضح من النقاش أن الدولار الأمريكي في العراق يعتبر نعمة ونقمة في الوقت ذاته, ولذلك، يجب على الحكومة العراقية اتخاذ إجراءات لتعزيز الاستقرار النقدي وتنويع العملات المستخدمة في العمليات التجارية الخارجية.

أولاً : كيف تتم إدارة سوق الصرف الأجنبي في العراق؟.
منذ سقوط نظام البعث عام/ 2003 حتى الأن انتشرت في عموم العراق مصارف وبنوك أهلية كثيرة , ومن خلال الاطلاع على عمليات هذه البنوك والخدمات الأخرى التي تقدمها , نجد أن هذه الخدمات تقتصر فقط على إطار خدمات الإيداع وتحويل الأموال وبيع العملات الأجنبية , لتسهيل عمليات المؤسسات الكبيرة، وهذه البنوك الخاصة هي نتيجة لتوسع الأموال المسروقة من الأموال العامة العراقية ويعتقد أنها أنشئت لغسل الأموال المنهوبة من خزينة العراق.
وكان عدم الاستقرار الاقتصادي والسياسي في العراق كافيا لتعزيز فكرة أن البلاد كانت مكانا آمنا لتوفير الأموال بعيدا عن الروتين الذي يفرضه نظامها المصرفي المعقد, علاوة على ذلك، منذ الغزو الأمريكي للعراق عام/ 2003، اتُهمت البنوك العراقية بالمساعدة في تهريب مبالغ كبيرة من العملة الصعبة إلى خارج البلاد.. ويمتد انعدام الثقة في البنوك إلى ما هو أبعد من البنوك الخاصة إلى البنوك المملوكة للدولة، ويشعر به جميع العراقيين، بما في ذلك موظفو الحكومة.
بعد الغزو الأميركي للعراق، شكلت عائدات العراق النفطية أكثر من 90 بالمائة من واردات العراق من العملة الصعبة , وتم إيداعها في بنك الاحتياطي الفيدرالي الأميركي لحمايتها من مطالبات التعويض من بعض الدول المتضررة من الغزو الأميركي, أذ بلغ احتياطي العراق في واشنطن 100 مليار دولار.
وتشترط البنوك العراقية على أي شخص يرغب في شراء الدولار الأمريكي إبراز ما يثبت حاجته للعملة، مثل عقد استيراد أو تذكرة سفر, وهذه هي نفس الآلية التي تستخدمها البنوك الفيدرالية الأمريكية للاستفادة من الأموال المودعة في المعاملات مع الحكومة العراقية.
ويجب على وزارة المالية العراقية تقديم طلب إلى الولايات المتحدة مع وصف الأموال للإفراج عن هذه الأموال، وسيقوم بنك الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي بدراسة الطلب والتحقق منه والتوصية بصرف الأموال اللازمة.
ويقيم البنك المركزي العراقي مزادات للعملة الأجنبية يوميا, حيث أعلن البنك المركزي العراقي أن البنوك وشركات التحويلات وبعض شركات الصرافة ستكون مسؤولة عن تلبية احتياجات السوق العراقي من النقد الأجنبي وضمان بقاء القيمة الشرائية للدينار العراقي قريبة من سعر الصرف الذي حدده البنك المركزي.
حيث يتم بيع الدولارات للمستفيدين على شكل تحويلات تجارية أو تذاكر سفر، تصبح وسيلة لأنشطة غسيل الأموال، وتحويل الأصول غير القانونية إلى أصول قانونية ومشروعة من خلال تقديم مستندات مزورة لبضائع وهمية.. وردا على ذلك، عاقبت وزارة الخزانة الأمريكية عدة بنوك ومنعتها من المشاركة في مزادات العملات الأجنبية.
وكانت وزارة الخزانة قد أصدرت هذه العقوبات مؤخراً ضد ثمانية بنوك عراقية, ورغم أن أسباب ذلك لم تذكر في تقرير الخزانة، إلا أن بعض المنظمات الدولية والصحف الأمريكية أفادت بأن هذه البنوك كانت لها معاملات وعلاقات مع أشخاص ودول وجماعات سياسية تعتبر إرهابية، وقال مسؤولون في الحكومة الأمريكية إنهم تلقوا معلومات تشير إلى ذلك.
ثانياً : هل إيران هي الهدف الرئيسي؟.
ويبدو أن الغرض من هذه العقوبات هو في المقام الأول ردع العراق عن استيراد المنتجات الإيرانية, وقال محافظ البنك المركزي العراقي في مقابلة حديثة مع وكالة الأنباء العراقية (واع): أن “المفاوضات جارية لتنظيم عملية الاستيراد من الجانب الإيراني حتى لا يدخل العراق في مشاكل نتيجة انتهاك العقوبات المفروضة على إيران”.
وكيف تستخدم واشنطن ذلك للسيطرة على عناصر الدولة العراقية؟.
الحكومة العراقية يجب أن تتقبل شدة الرد الأميركي بسبب العلاقة بين بغداد وطهران, إنها علاقة لا مفر منها لأن إيران دولة مجاورة وهذه حقيقة , كذلك إيران جارة لنا واقتصادنا يعتمد على النفط المباع بالدولار… لا نستطيع أن نختار دولة ونرفض أخرى , وليس أمام البنوك العراقية حل، أمامها سوى خياران فقط : الإصلاح الداخلي والتحول إلى بنك عادي يقدم خدمات مصرفية حقيقية للشعب ولا يخدع الناس في أموالهم، وقد اتخذت وزارة الخزانة الأمريكية خطوات لمواجهة محاولات التربح من دولار المزادات، فإما أن تغلق البنوك, أو طلب الحماية من الأذى والعقاب الظالم بجميع أنواعه، وللأسف فإن وضع حقوق الإنسان في منطقتنا تحدده عواطف من هم في السلطة اليوم.
ونتيجة لهذه العقوبات، تراجعت القوة الشرائية للدينار العراقي مقابل الدولار، لتصل إلى أكثر من 1500 دينار لكل دولار في السوق الموازية (السوق السوداء)، فيما خفض البنك المركزي العراقي سعر صرف الدينار إلى 1320 ديناراً للدولار الواحد.
وهذا هو السبب وراء الارتفاع الكبير في أسعار المواد الغذائية والسلع الأخرى التي تمس حياة عموم الناس، مما خلق حالة من عدم الرضا بين العراقيين.. ويستورد العراق نحو 90 بالمائة من احتياجاته الأساسية بسبب انهيار قطاعيه الزراعي والصناعي.
ثالثاُ : الزيارات المكوكية
وكان لزيارة رئيس الوزراء العراقي (محمد شياع السوداني) إلى البيت الأبيض الأمريكي في منتصف نيسان/أبريل/ 2024الأثر المنشود المتمثل في إقناع الحكومة الأميركية بإعادة النظر في العقوبات التي فرضتها وزارة الخزانة الأميركية مؤخراً على البنوك العراقية.
وتأتي الزيارة في وقت تشهد فيه منطقة الشرق الأوسط تغيرات سريعة، خاصة بعد حرب غزة والهجوم الإيراني على إسرائيل, لكن في العراق، تركز الولايات المتحدة على احتواء النفوذ الاقتصادي لإيران وحلفائها في البلاد، وبدرجة أقل على فتح المجال الجوي العراقي أمام الطائرات بدون طيار والصواريخ الإيرانية.
فإن العقوبات الأمريكية تحد من الاقتصاد الإيراني وتضغط على قرارات إيران السياسية، سواء كان ذلك بشأن الجدل النووي أو تصعيد الصراع في الشرق الأوسط , وتنطبق العقوبات الأميركية أيضاً على البنوك العراقية، فالعراق هو الفناء الخلفي لإيران ويعتبر طريقاً يمكن للسلطات الإيرانية من خلاله تجنب العقوبات والتحايل عليها, ومن ناحية أخرى، فهي أيضًا عملية استنزاف للموارد المالية لمحور المقاومة العامل في العراق، وبالتالي توفير نوع من التفويض للحكومة العراقية للسيطرة على أنشطة هذه الجماعات وإبقائها تحت سيطرة الحكومة أيضًا.
الخاتمة:
أحد الأسباب الرئيسة لارتفاع قيمة الدولار هو سمعته كملاذ آمن أثناء الأزمات الاقتصادية, وقد أجبر ارتفاع معدلات التضخم في منطقة اليورو بسبب ارتفاع أسعار الطاقة والغذاء البنوك المركزية على اتخاذ تدابير للحد من الإنفاق.
بالإضافة إلى ذلك، أدت المخاوف بشأن الانكماش إلى اعتماد المستثمرين على الأمان النسبي الذي يوفره الدولار, وذلك لأن الدولار عملة محصنة نسبيًا ضد المخاطر العالمية التي قد تتعرض لها العملات الأخرى حاليًا, كما يعد سعر الفائدة الذي حدده الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي أحد الأسباب الرئيسية لارتفاع قيمة الدولار.
ورغم الضمانات والإجراءات التي اتخذتها حكومة (محمد شياع السوداني) والبنك المركزي العراقي، لا يبدو أن هناك أفقاً واضحاً لحل مشكلة ارتفاع سعر صرف الدولار في السوق العراقية, ويصل سعر الدولار في السوق إلى 1570 دينارا عراقيا، لكن الحكومة حددت السعر الرسمي بـ1320 دينار.
ووفقا لصحيفة وول ستريت جورنال، قدمت وزارة الخزانة الأمريكية طلبا رسميا للعراق لتزويد البلاد بأوراق نقدية بقيمة مليار دولار لتلبية الطلب على الدولار في السوق المحلية، حيث لا تزال معظم المعاملات الاقتصادية تتم على الورق.
ويدعي الجانب الأمريكي أن بعض الدولارات الأمريكية المرسلة إلى العراق ورقيا يتم تهريبها إلى دول مثل إيران وسوريا وتركيا وتستخدم في معاملات مشبوهة، في انتهاك للعقوبات الأمريكية المفروضة على بعض الدول، ويبرر موقفه ذلك هناك دليل على ذلك.
وتضغط الولايات المتحدة على الجانب العراقي لإعادة تنظيم أسواقه المالية وتجارته لتسهيل تتبع الدولارات وكيفية استخدامها، بما في ذلك الإصلاحات المصرفية الشاملة، والحد من استخدام المستندات الورقية، ومن الضروري لبلد كالعراق الانتقال إلى الأنظمة الإلكترونية.

المصادر:
الجزيرة نت/ هل يخاطر العالم بالاعتماد على قوة الاقتصاد الأمريكي والدولار؟/ 27 نوفمبر 2023. https://www.aljazeera.net/ebusiness/2024/2/23/.
صحيفة الشرق الأوسط/ تداعيات خطيرة لتذبذب سعر صرف الدولار في العراق / 3 يونيو 2023. https://aawsat.com/.
“The Impact of the US Dollar on Iraqi Economy”, Academe Arena, https://academarena.com/2020/08/11/the-impact-of-the-us-dollar-on-iraqi-economy/