أحياناً نعتقد بأنه ليس من الضرورة تمسك الحكومة إدارياً بكل القطاعات، وعلى الدولة الخروج من الأقتصاد الريعي، ويتحول دورها من التنفيذ المباشر الى الإشراف على الإستثمار وتشجيع القطاع الخاص، لفك التكالب على الوظائف والبطالة المقنعة، إلاّ التعليم بما أنه إلزامي فهو مسؤولية الدولة في إلزامية تطويره ومراقبة قطاعه العام والخاص، وفي العراق يبدو أنه أصبح ملزم للإعتماد على القطاع الخاص دون مراقبة الحكومة، بغياب المدارس المؤهلة والنموذجية، مع ضمور الجانب الإشرافي، فيما أن التعليم لا يقتصر على القراءة والكتابة، أو شهادة يحصلها الطالب لغرض التوظيف، ولكن لها مردودات مجتمعية ومستقبل بلاد، ومنه يتخرج أطباء نضع حياتنا بأديهم ومهندسين ننتظر منهم الإعمار، وسياسيين يقودون البلاد الى حيث الرقي والتقدم.
تدل مؤشرات نتائج هذا العام في الصفوف المنتهية، على منعطف كبير في الجانب التعليمي والتربوي، وبداية بائسة لمستقبل نتاج العملية التربوية والعلمية.
ما أشارت له نتائج الصف الثالث المتوسط، وتسريب أسئلة السادس الإعدادي، وشكوى الطلبة من بقية المواد، يظهر تدني مستوى التعليم والتربية التي تلقنها المدارس، ويفقد قيمة الشهادة والدراسة، وكم من متفوق ظلم بالأسئلة المفاجئة، وكم طالب رسب بسبب سوء التعليم الحكومي والخاص، وطالب غير مجد خدمه تدني درجات الأذكياء، وربما طغت المحسوبيات، وأفقدت قيمة الشهادة بعدم إعتبارها أيضاً مقياس للتوظيف والإدارة والعلمية.
ظهرت في النتائج على نسب مخيفة وصلت الى 90% لمدارس المتميزين معظمهم أقل من 90% وربما أكثر من نصفهم أقل من 70%، ومن 50-60% في المدارس النموذجية و3% في المدارس الأهلية، و1% في المسائية، وبين هذه النسب تتفاوت بقية المدارس، بدوامها الثلاثي، وصفوفها بستين طالب، وبناؤها المتهالك، ورغم إرتفاع أجور المدارس والدروس الخصوصية، إلا أنها لم تجدي نفعاً، وبان سوءها في الصفوف المنتهية.
يكلف الطالب موازنة الدولة بحدود 600 ألف دينار سنوياُ، ورسوب 300 ألف فقط في الثالث المتوسط هذا العام، فكم ستكون الخسارة؟ ومادام أمتحان الدور الثاني يُجرى وفق ضوابط تمنع الغش وتعطي فرصة، فما المانع لإعادة الإمتحان لكل طالب لم ينجح ولو كان بخمسة دروس؟
عشرات الاسباب تقف خلف الإنهيار التربوي، تتحمله بالأساس وزارة التربية والحكومة والبرلمان وأولياء الأمور والمجتمع، ووزارة التربية عليها الإعتراف بتقصيرها من حيث عدد المدارس وعجز في عدد الملاكات الإختصاصية العلمية، وإكتظاظ المدارس، ففي بعض صفوفها ستون طالباً، والدوام الثلاثي وإجبار الطالب على الدروس الخصوصية، ناهيك عن الظروف الإقتصادية والإجتماعية وكثرة العطل، وتأخر المناهج الدراسية، والبلد يحتاج 12000 بناية مدرسية أضافية، وعجز 30000 من الملاكات التربوية، وأكيد المحاصصة لها دور في تعين بعض المدراء، وبما أنها جملة اسباب شريكها الأكبر وزارة التربية والحكومة، فلا بأس لمنح الطالب (الشريك الأصغر) فرصة آخرى للدور الثاني، فمن ينجح يستحق، ومن يفشل هو الخاسر، وبذلك لا حجة لوزارة التربية بأن إعادة الدور الثاني يكلف الدولة مصاريف كبيرة، لأن إعادة العام مصاريفه أكبر تربوياً وإجتماعياً ومالياً.