23 ديسمبر، 2024 4:29 م

الدوافع السياسية و الضغوط التي تحكمت بالزيارتين المتبادلتين الأخيرتين لأغلو والبارزاني

الدوافع السياسية و الضغوط التي تحكمت بالزيارتين المتبادلتين الأخيرتين لأغلو والبارزاني

والانتخابات البرلمانية التركية على الابواب ووسط مراهنات على خسارة حزب العدالة والتمية التركي الذي يتعرض إلى هجمات مزدوجة وشرسة من جانب القوميين الاتراك المتشددين وجماعة فتح الله غولان الاسلامية والاكثر تشددا،فأن وزيرالخارجية التركية احمد داود اوغلو نفذ زيارة قبل اسبوع إلى مدينة السليمانية الكردية في اقليم كردستان العراق لحضور مؤتمر عقدته جامعة السليمانية، والقى فيه خطابا استهل بكلمات كردية ما أثار استغرابا ممزوجا بالفرح لدى الكرد، وفي تركيا وتزامنا مع ذلك اثنى رئيس الوزراء التركي رجب طيب اوردوغان وذلك في تجمع جماهيري ضخم على دور العالم الديني الكوردي الكبير محمد سعيد النورسي المغضوب عليه جدا من قبل القوميين الترك ولم ينسئ اوردوغان التأكيد والعزم على حل المسألة الكردية في تركيا. وعندما زار رئيس حكومة اقليم كردستان العراق السيد نيجيرفان البارزاني تركيا يوم 15-3-2014، فان اوغلو و حزبه حرصا وبتأثير من تلك الضغوط ألى استمالة الكرد إلى جانبهم وذلك بتعيين مدينة (وان) الكردية مكانا لاستقبال البارزاني، وفي اللقاء الذي ضم اوغلو والبارزاني، فأن الأول ركز على (العلاقات التأريخية) بين الترك والكرد وقال عن نوروز انه عيد للجميع و احد المعاني السامية للحرية. كما انه استعرض مواقف تركية سابقة مساندة للكرد، من ان الاتراك انتصروا لحلبجة، وعزز من قوله، اشارة البارزاني الى الاستقبال الذي حظي به اللاجئوون الكرد من قبل الترك في عمليات الانفال عام 1988 والهجرة الكردية المليونية عام 1991. لقد توخى الترك في الزيارتين المتبادلتين وما بينهما وقبلهما ويتوخون في المستقبل ايضا، كسب التابيد الكردي لحزب العدالة والتنمية الذي اي تأييد كردي مسيحم الموقف والنصر حتما لحزب اردوغان في الانتخابات التركية المقبلة، فالتأييد الكردي له شرط الانتصار، مثلما كان شرطا في الدورتين الانتخابيتين السابقتين واللتان فاز فيها حزب اردوغان وعلى الأرجح، فأن الكرد سيكونون مضطرين إلى منحه ثقتهم وتأييدهم اذ يرون فيه الانسب لحكم تركيا وكيف  أنه أفضل لهم من القوميين الترك وجماعة فتح الله غولان اللذان عبرا ويعبران على الدوام عن عداء مكشوف وصارخ للكرد. عليه وتأسيسا على ذلك فان القوميين الترك وجماعة غولان، أدركا ويدركان دور العامل الكردي في تفويت الفرصة امامهما بالفوز بالانتخابات فلجا كلاهما الى ممارسة التهديد بحق الكرد، فجماعة غولان هددت مسعود البارزاني رئيس اقليم كردستان بالقتل اما القوميون الاتراك فانهم وصفوا البارزاني واردوغان بابناء عمومة من منطلق الاستهزاء والشماتة. وهكذا فان الضغط المتواصل والمتنامي للجهتين التركيتين،يدفع اردوغان بقوة الى مغازلة الكرد، وبالمقابل يزين للكرد تاييد اردوغان للحيلولة دون وصول المتطرفين الاتراك قوميين كانوا ام اسلاميين الى الحكم.
بالمقابل، فان الكرد بدورهم يعانون من ضغوط بغدادعليهم وتنكر الولايات المتحدة لهم، لذلك تجدهم يندفعون بقوة نحو تركيا والاحتفاظ بصداقة حتى وان كانت في ادنى المستويات معها، بعد ان اوحت التطورات الاخيرة بعزلة للكرد وحرمانهم من الاصدقاء ومع ذلك فان تطورات اخرى على الساحة العراقية لاتضع الكرد في موقف من الاخذلان والعزلة، وفي مقدتها ثورة  السنة وتذمر الاقليات الدينية والقومية مثل المسيحيين والتركمان من الحكومة العراقية، دع جانبا التصدع في الصف الشيعي العراقي والاخذ بالنمو والاتساع، كما ان تدهور العلاقات البين بين بغداد ودول الخليج العربية بالاخص والاختلاف بين موقفي الاتحاد الاوروبي والولايات المتحدة حيال العراق، يصب جميعا في مصلحة الكرد.
غير انه وخلل استعراض الحاجة المتبادلة بين الترك والكرد لتقوية  علاقاتهما، والناجمة اي الحاجة عن الضغوط التي يعاني منها الجانبان، نجد الاتراك حريصين جدا على عدم اغضاب بغداد أو اثارة حفيظتها، ففي مراسيم استقبال اوغلو للبارزاني، شدد الأول في اكثر من فقرة في خطابه على العلاقات التركية العراقية منها تنويهه الى حجم التبادل التجاري والاقتصادي بين تركيا والعراق الذي يزيد على ال12 مليار دولار، وكيف ان العلاقات التركية العراقية تلي من حيث الحجم العلاقات التركية الألمانية، دع جانبا  تمنياته للعراق بسيادة الأمن والاستقرار فيه، ناهيكم من انه لم يعلق على الهجوم الذي شنه البارزاني على حكومة المالكي ووصف دور الأخير بالمصعد للأزمة فسعية الى ولاية ثالثة، ليس هذا فحسب بل أن وزير الطاقة التركي نفى ما ورد، من أن أوغلو والبارزاني تطرقا الى مسألة النفط والتي كانت وسائل الاعلام الكردية قد أشارت إليها، واللافت في الزيارة واللقاء هو عدم رفع العلم الكردستاني الى جانب العلم التركي، إذ خلا اللقاء من العلم الكردستاني والعراقي أيضاً، واللافت أيضاً، أن اللقاء الذي بدا وكأنه مؤتمر صحفي، غير أنه لم يسمح للصحفيين بالمداخلة وطرح الأسئلة لتلافي أسئلة محرجة قد تتناول الموقف من العراق.
ان الجديد في زيارة البارزاني الى تركيا يكمن في البحث عن بدائل تعين حكومة كردستان لمواجهة ضغوط بغداد عليها والمتمثلة كما بينا في حجب حصة الأقليم من الموازنة والأمتناع عن صرف رواتب ااموظفين، بالرغم من عدم الأفصاح عن طبيعة تلك البدائل، والجديد، أو الجديد القديم، أن صح التعبير الذي تمخضت عنه الزيارة هو تأسيس (4) معابر حدودية جديدة بين الأقليم وتركيا بالأضافة الى تطوير وتحسين أداء معبر أبراهيم الخليل، ما يدل على تقوية العلاقات التجارية والأقتصادية بين البلدين بشكل أقوى من ذي قبل، ولقد عبر أوغلو عن هذا التقدم بتحويل الحدود السياسية بين الأقليم وتركيا الى حدود أخوية.
الخلاصة، أن الضغوط على الحكومتين التركية والكردستانية أملت الحاجة الى تطوير التعاون بينهما، مع أبقاء تركيا لعلاقات متزوازنة بينها وبين كل من بغداد وأربيل، سيما أذا علمنا أن حجم العلاقات الأقتصادية والتجارية بين أنقرة وبغداد يضاهي الحجم مع أقليم كردستان، لذا والحالة هذه فأن كردستان تنافس بغداد في الحلول في المرتبة الثانية من بعد ألمانيا في العلاقات مع تركيا لهذا ستظل تركيا عيناً على بغداد وأربيل في أن معاً، وليس في جعبتها من حل للقضية الكردية في تركيا، سوى الكلام والوعود. ولم تقدم ولو خطوة واحدة لحل تلك القضيية كما يقول كرد تركيا أنفسهم. ولو كانت قد اقدمت على ترجمة اقوالها ووعودها الى افعال لكانت قد حققت وتحقق نصراً عظيماً على خصومها في الداخل التركي من القوتين التي ذكرناها.
[email protected]