23 ديسمبر، 2024 1:45 ص

الدوائر والمؤسسات الإعلامية والثقافية .. لماذا ينجح في قيادتها الفاشلون؟

الدوائر والمؤسسات الإعلامية والثقافية .. لماذا ينجح في قيادتها الفاشلون؟

سؤال يطرحه الكثير من المحترفين واصحاب الخبرة والشهادات المعتبرة وليس المزيفة الخادعة الكذابة المراوغة ..لماذ أغلب دوائرنا ومؤسساتنا الاعلامية والثقافية يقودها فاشلون في الاعلام، لكنهم متميزون في فن صناعة الكذب والخديعة ومحاولة شراء الذمم وتقريب الوصوليين والانتهازيين وضعاف النفوس وصغار الموظفين ممن يجيدون فن تنظيم الولائم وجلسات السمر الليلية، وهم الذين يتحكمون في تقييم كبار رجالات الادب والثقافة والفن وكل العلوم الانسانية التي يحتل الاعلام والادب والثقافة الاهمية القصوى من بينها؟

أجل هذا السؤال يكاد يطرح في كل جلسة وحوار ثقافي او اعلامي، فترى اغلب مؤسسات الاعلام والثقافة والوعي يديرها اصحاب شهادات عليا ، ولكنهم ممن لايمتلكون أية خبرة او معرفة حتى بتقنيات الاعلام البسيطة ولا بصنعته، وهم من تجدهم في مقدمة الركب الذين يسيطرون على حركة الاحداث ويقودون الواجهة ولكن ليس في جانبها الابداعي او الفكري، فهناك من اساتذة الجامعات ممن يحملون شهادات عليا لايزال لم يعرف المبدأ والخبر ولا الفاعل او المفعول به، بل هناك من حملة الشهادات العليا من ليس بمقدوره ان يؤلف جملة مفيدة اعلاميا او يضع عنوانا لخبر اعتيادي، او حتى مقدمة لخبر عادي  وهو مختص في شؤون الخبر وصناعته كما هي حال رسالته العليا في الاعلام، وهناك اصحاب شهادات عليا في قمة الابداع لكنهم مبعدون عن قيادة مؤسسات الاعلام والثقافة، وهناك اصحاب خبرات غاية في الابداع ممن ربما تمكن من الوصول الى شهاد الاعدادية في زمن ما، لكنه ما ان تقلب في ثنايا ابداعه حتى تراه يعادل في كفاءته من هو يحمل شهادة دكتوره ربما في الاعلام.

قديما في السبعينات كان اكثر مبدعي الصحافة والاعلام والثقافة عموما على وجه التحديد هم من خريجي المتوسطة والاعدادية وفي الحد الاعلى من يمتلك شهادة جامعية ، وترى اغلب المبدعين في الثقافة هم من اصحاب شهادات الاعدادية او الجامعة الاولية اي البكالوريوس، وكم من مبدعي العراق الكبار الان ومن توفتهم الاقدار ، ورحلوا الى دار القرار ، هم من هذا الصنف، وهم الان اعلام كبار يشار لهم بالبنان، وهم اعلام معروفة في الوسط الاعلامي والثقافي ويواصلون مهمة صياغة خارطة الطريق الصحفية والثقافية ..أي بصريح العبارة أن الاعلامي الناجح لاتصلحه الشهادة بل الخبرة والاحتراف والصنعة.

ومن الغريب ان لاتجد من بين أغلب كبار اصحاب الشهادات العليا من لايكون قادرا على كتابة مقال في حياته المهنية يتحدث فيه عن وضع كارثي يعانيه العراق أويخص شأنا من شؤون الصحافة والاعلام ، بل ليس بمقدوره ان يكتب حتى موضوعا انشائيا لبضعة اسطر، دون ان يخطأ بعشرة كلمات لغويا وتحريرا..وهناك من المدراء الكبار لمؤسسات اعلامية  من يخطأ في اصدار تعميم بسطرين وتظهر فيه خمسة أخطاء ، فكيف يكون حاله امام جمهرة ممن هم  في الدرجات الدنيا من التعليم، وهو بهذا الحجم من الاخطاء، ويحمل شهادة عليا في أحد الاختصاصات، وهلم جرى مع الكثيرين الذين يقودون مؤسسات صحفية واعلامية وما اكثرهم هذه الايام، وهم من ترى وجوههم في الجلسات، على مستوى (كبار المطاعم والكباريهات ) لكنهم صفر على اليمين في الابداع والثقافة، فما قيمة شهادة عليا لاستاذ من الجامعة وهو لايعرف كتابة مقال صحفي او يعد حتى توجيها بسطرين وفيه خمسة اخطاء تعد ( كارثية ) ربما يسخر من بعضها حتى عمال النظافة او من هم في الدرجات العليا من التعليم.

ويتساءل البعض: لماذ يكون اغلب المبدعين وصناع القرار وذوي الاحتراف في واجهات بعيدة عن الاضواء وهم من يقودون العمل الاعلامي وهم من تقع عليهم مسؤولية معالجة اشكالات كثير من الخلل في هذه المؤسسات، ولا احد يهتم بعطائهم وثروتهم العلمية وخبراتهم المتقدمة، بل ان الكثير منهم ابتعدوا عن العمل حتى في المؤسسات الاعلامية خوفا على سمعتهم من ان يكون مصيرهم مع الجهلة وانصاف المثقفين، ولهذا يعتكف البعض في بيوتهم وفي مؤسسات اخرى لاعلاقة لها بالاعلام خوفا على سمعتهم وابعادا لشخوصهم عن الشبهاتّ!

وما اكثر الجهلة والمتخلفين ثقافيا ومهنيا حين تعدهم..ولكن في العطاء قليل..وهكذا هو حال اغلب المؤساات المهتمة بولوج ميادين الصحافة والاعلام، واذا ما تقلد احد المبدعين ميدانا منهم فلن يكون بمقدوره ان يتحمل البقاء لسنة او سنتين حتى يجده يحمل اوراقه ويعتذر، كما يقول شاعرنا الراحل الكبير نزار قباني.

وبإمكان أي منا ان يجري استطلاعا او تحقيقا صحفيا مهنيا ليعرف كم حجم معاناة كبار المبدعين والمثقفين، الذين يبقون خلف الاضواء لايتصدرون واجهة الاحداث، ومع هذا يعملون بلا كل او ملل ليل نهار، كونهم شموعا مضيئة في سماء الابداع يهون عليهم ان تنطفيء ساعة من ساعات التوهج الثقافي والمعرفي من دون ان يكون لهم حضور فاعل فيه، ومكان من الاعراب، يحافظون به على شرف الكلمة ومسؤوليتها، وليس كمن اضاعوا المبتدأ والخبر والفعل الماضي والمضارع والامر، وممن لايعرفون الفاعل من المفعول به، فكيف لا ، وهم من يتصدرون واجهة المؤسسات الاعلامية ، وهم الناطقون بإسم الاعلام والصحافة وهم من يتصدرون حضور الدعوات في الخارج، وترى حتى حضورهم داخل بلدهم قليلا ، بل لايهمهم من يعمل ومن يضحي ويبدع، ان لم تتم معاقبة المبدعين والحرفيين على أشياء بسيطة ربما كانوا عنها في غفلة، واذا بالوصوليين والمنافقين والدجالين والسماسرة ومن يهوون جلوس علب الليل مع العاهرات، هم من تكون لهم الصدارة في واجهات الاحداث، كأنهم هم من يقودون صناعة الاعلام والصحافة، ولكن الحقيقة ان عروشهم خاوية لكنهم مملئون من السحت الحرام وما جنته اياديهم وعقولهم المريضة من اموال يسيل لها اللعاب ولا تجدهم يشبعون من نهمهم وطمعهم وكأنما كنز الاموال همهم الوحيد، ولتذهب مؤسساتهم الى الجحيم ان نجحت وان فشلت، لكن الفاشلين يظهرون مؤسساتهم امام اصحاب هذه المؤسسات انها هي الناجحة بجملة اجراءات وتلاعبات وشراء ذمم والاستنجاد بشهادة القوادين والسماسرة والانتهازيين، ومن يسهرون الليالي على تقديم قرابين الاخلاص  والولاء للرأس الفارغ الاعلى ، وتجد مكانته المادية قد تجاوزت اصحاب المليارات من خلال رواتب مغرية يتلقاها من جهات مختلفة تدر عليه اموالا لاتضاهى، ولا يكاد يصدق ثروته عاقل.

هذا غيض من فيض وسطور، أردت ان اضعها بين كبار المبدعين ورواد الثقافة علهم ينتبهون الى ان غيابهم عن الحضور في واجهات الاحداث ترك المجال للمفلسين من بعض اصحاب الشهادات العليا والاغبياء والمغامرين والجهلة وسراق المال العام والوصوليين والانتهازيين ليعيثوا في الارض فسادا،حتى افسدوا اخلاق الاخرين ممن رمى بهم الزمان او القت بهم عاديات الدهر، وممن ارتضى ان يبيع قلمه في المزاد العلني، للحصول على لقمة عيش تكفي بالكاد ، لسد رمق اطفاله وعائلته المشردة، فأغلب مثقفينا ومبدعينا تراهم في أسوأ الاحوال المادية والمعيشية، ومع هذا هم صابرون ومكافحون ويريدون ان يأكلوا بالحلال وما تصنعه عقولهم واياديهم من انامل الابداع ورقي المعرفة والإبتكار، علهم يبقون شموعا مضيئة للاجيال يزرعوا فيها بذور الأمل، بأن بالامكان اصلاح حال الزمن الاغبر على الرغم من قسوته وحلكة لياليه، وان التاريخ لابد وان يكتب لهم بأحرف من نور لمن أضاء طريق الابداع وحفر اخاديد بين الجبال وغرس الوديان وامطرها من رحم العراق ليسقي به كل ضاميء ومتعطش وجائع، ليودع العراقيون زمن خلاصهم المرير الى حيث مقامات العلى واماني الرجاء، بأن تاريخهم المشرق الوضاء، يكفيهم زادا روحيا ينقذ الاجيال لقرون، اذا ما احسن الخيرون قيادة الاجيال الشابة والمبدعة الى حيث واحات الابداع والرقي والتطلع الانساني المشروع..وشكرا لادبائنا وكبار مثقفينا المبدعين الاصلاء والذين لم يسلكوا طرقا ملتوية او مغانم سهلة، ولم يتملقوا لسلطان او صاحب مال، وبقي الكثيرون منهم أباة النفس ومن الغيرة والشهادة والكبرياء ، لايسعون الا الى حفظ كرامتهم من الامتهان!!