23 ديسمبر، 2024 3:46 م

-1-
لن ينال عدوُّك ، ما يناله القريب منك، اذا كان داهيةً يُديف لك السم بالعسل من حيث لاتشعر، ويزّين لك ما ينفّر به الناس عنك، ويجعلهم عليك من الساخطين الناقمين ..!!
انه يُدير كل تلك العمليات بدقةٍ وحنكة دون ان يُبقي دليلاً على ما انطوى عليه من غشٍ وخداع
-2-
لقد كان (خالد بن صفوان) واحداً من اولئك الدهاة …
وقصته مع “هشام بن عبد الملك ” معروفة ، وهي تشي بدهائِهِ ، وقدرته على الدفع باتجاه الارتطام بما يُثير، ويُسخط الناس على مَنْ حَرَمَهُ مما كان يأمل ….
فما هي القصة ؟
انه وفد على هشام بن عبد الملك – وهو معدودٌ في مشاهير البخلاء- فحدّثه وآنسهُ وأطرَفه ،
فقال له هشام :
سل حاجتك
والبخيل عادة يَسْأَلُ ولا يفعل …!!!
فقال خالد :
” تزيد في عطائي عشرة دنانير “
ولم تكن هذه الزيادة المطلوبة مُرهقةً لهشام ، وهو يملك في خزائنه أكداس الدنانير، ولكنه البخل الذي يمنع من الاستجابه، فأجابه هشام قائلا :
فِيمَ ؟
وَلِمَ ؟
وَبِمَ ؟
أَلعِبَادَةٍ أَحْدَثْتَها ؟
أم لبلاءٍ حسن أبليتَهُ …؟
ألا لا يا ابن صفوان ..!!
ولو كان
-اي لو كانت الاستجابة لطلبك – لكثُر السؤال ، ولم يحتمله بيتُ المال …!!!
فما كان من خالد الاّ ان قال له –في جملة ما قال – :
أنت والله كما قال أخو خزاعة :
اذا المال لم يوجب عليك عطاءَهُ
                          صنيعةُ قربى أو صديقٌ توافِقُهْ

مَنَعْتَ وبعض المنع حزمٌ وقوةٌ
                        ولم يستَلِبْكَ المال الاّ حقائِقُهْ
وهكذا زيّن (خالد) لهشام البخل ،وأغراه بصحة ما اتخذه من قرار ، حين مَنَعَهُ من الزيادة في عطائه !!
هذا في الوقت الذي يُتوقع فيه ان يكون خالد من الساخطين الناقمين عليه ،لأنه أخرجه خالي الوفاض ، ولم يعتن بمطلبه ..!!
وهذا ما دعا البعض لأن يقول لخالد :
ما حملك على تزيين البخل له ؟
قال :
” أحببتُ أنْ يمنع غيري ، فيكثرُ مَنْ يلومُه “
وهو بهذه الطريقة ،التي تُفضي الى تكثير الناقمين والساخطين على هشام، ينتقم لذاته مما لقي منه ،دون ان يثير حفيظة هشام على الاطلاق ..!!
-3-
ويبدو أنَّ (لخالد بن صفوان) وُرّاثاً في هذه النزعة الخفيّة ، والمسلك الرهيب .
وكثيرٌ من وُرّاثه يحيطون، بأعلام وشخصيات بارزة ، بعضها في موقع رسميّ ، وبعضها في مواقع أخرى ،وهم يمارسون ما مارَسَهُ خالد بن صفوان مع هشام بن عبد الملك دون ملل ولا كلل …
-4-
انهم يُغرون صاحبهم بانه مؤهلٌ لمقاماتٍ ودرجات ، ليس هو من المؤهلين لها على الاطلاق ، فماذا تكون النتيجة ؟
ان ينقلب السحر على الساحر، وان يخسر صاحبهم المغرور رصيده في نفوس الناس ووجدانهم، ويظهر على المسرح وكأنه لايُعنى الاّ بذاتِه وسماتهِ، بعيداً عن اللياقات والشرائط الشرعية والاخلاقية والموضوعية …!!!
-5-
ان حفنة من المتربصين (بالعراق الجديد) الدوائر ، استطاعوا ان يتسللوا الى مواقع حسّاسة، واستطاعوا أيضاً، عَبرْ مسرحيات يُجيدون فيها فن التنثيل ،أنْ يُنزلوا بالبلاد والعباد الكثيرَ من الخسائر والأضرار،التي تفوق حد الوصف والاحصاء …
وتهونُ كل الأضرار المادية ، وان كانت بليغةً جسيمةً ، أمام الخسائر في الأرواح التي ليس بمقدور أحدٍ ان يعوضنا عنها ..!!
ان اعتماد مبدأ “الولاء الشخصي ” معياراً لتقريب هذا أو ذاك، هو الخطأ القاتل الذي أفضى الى كل تلك المفارقات المحزنة .
ولن يشهد العراق استقراراً ولا ازدهاراً، ما لم يكن الاعتماد على المواطنة الصالحة، أساساً في كل التعاملات وفي مختلف الحقول والمجالات .
ان علماء الأخلاق يُفرّقون :
بَيْن أنْ تريد الناس (لنفسك) فتكون رئيسَهم وزعيمَهم المطاع …
وبين ان تريدهم (لله) عباداً صالحين مخلصين .
وانك حين تريدهم لنفسك ، وتزعم أنك تريدهم للوطن ، تكون قد خنتَ الامانة ،
وخنتَ الوطن ،
وحنتَ المواطنين ،
وضربتَ عرض الجدار بكل الضوابط والموازين ..!!

[email protected]