23 ديسمبر، 2024 2:20 ص

عندما أستمع الى شخصية سياسية أو عسكرية أو حتى مدعي وطنية من المحسوبين على الكٌتاب والمثقفين يقول عبارة (نحن مستعدون لكل التضحيات أو سنقاتل الى أخر قطرة من دم ومثلهما الكثير من العبارات الرنانة) يمتلكنى إحساس طاغي بالأسى والحزن وأتذكر كل الذين قضوا نحبهم في حروبٍ مجنونة و إحترابات داخلية حمقاء منهم الذين أعرفهم على المستوى الشخصى والذين لاأعرفهم شخصياً ولكن أعرف جيداَ مآسيهم و مآسي أهاليهم الذين دفعوا ثمن تلك الحروب الكثيرة و والمغامرات الغير مجدية نفعاَ و لم يعرفوا لها سببا مقنعاًً والتي أشعلها غرور وغباء هؤلاء السياسين والقادة الجاثمين على صدر هذا الشعب منذ الأزل كأنهم لعنة لايمكن فكها.
فمن منا لم يسمع منهم وبدون إستثناء خطبة نارية يحرض على قتالٍ، هو غير مشارك فيه ويطلب من الجموع والجماهير بذل الغالي والنفيس، اٌلتين لم يبذل أى منهما في حياتهِ تحت أى ظرفٍ من الظروف و يشجع الناس ويحمسهم لحربٍ ليس لهم فيها ناقة ولا جمل و يسميها بإسماء ويسوغها بمبررات و تحت عناوين وطنية براقة، تلك الوطنية التى لايملك منها ولو نتفة وإن ما يعرفه عنها هو وحاشيته هو الإستفادةِ من إمتلاك الناس لها أي الوطنية و بسب هذا الشعور الناس بها ولأحساسهم بأهميتها وقدسيتها الذي زرعت فيهم، يحاربون حروب جشع قادتهم و توقهم الى البقاء فى مناصبهم و تمسكهم المستميت بها، غير آبهين بالتضحية بأرواحهم، هذه الوطنية والحمية التي تتغير منظوره بتغير الوضع النفعي للساسة فيوما يسمون قتل الأخ لأخيه وطنية وقتال من أجل القيم ويوماً أخر يسمون الزج بالألوف في أتون حربٍ ضروس كرامة .
عندما أسمع تلك العبارات الجوفاء أستيقن أن الذى يلقيه يبتسم في قرارةِ نفسة ولسان حاله يقول (مستعد للتضحية بكم الى أخر فرد) و هو ما لمسناه منهم كل مرة وعند كل حرب يخوضونها إذ يقاتل الناس و هم يختبئون ويهربون و يموت الناس و هم ينجون ويبقون هم وأهلهم وحاشيتهم و يجوع الناس وهم يصبحون أكثر غنىً وأكثر شبعاً من ذى قبل و عندما تنكشح الغبار و ينتهي المعركة يحصدون أرباحها و أمجادها و يمنون على الناس بها و حتى عندما يشتد الوغى والهزيمة تلوح بالأفق تراهم اول الهاربين تاركين الشعب لمصيره المحتوم بل وحتى أنهم فى الكثير من الأحيان يسامون ويفاوضون بهم ويسلمونهم تسليم يد للنجاةِ بحياتهم.
حيقيقةً مهما لمنا وعاتبنا لا يمكننا التغاضي ونسيان التساؤل عن الأسباب التى جعلت من هذه المهزلة ممكنة لا وبل مستمرة بالرغم من تكرارها لحد الملل ، إذاً ترى ما هو السبب وراء هذه الدوامة من التى جعلت من دم هذا الشعب رخيصاً لحد المتاجرة به والتضحية به بمناسبة وبغيرها و جعلها ممكناً لهولاء القادة التحكم بها كيفما شاءوا و أينما شاءوا.
جزء من جواب التساؤل يكمن فى الإستعداد الفطري و القابلية الفطرية لهذا الشعب لتقبل الإيحاء والتوجيه و وجود المفاهيم الخاطئة للوطنية وإعتناق أبنائه الكثير من المبادىء الفئوية و تقديمها على القيم الإنسانية جعلهم لقمة سائغة بحلق السياسين الذين يدركون جيداً هذه الخصلة فيه فبدلاً من تقدير هذا الروح العالية فيهم و توجيههم وجهة الرخاء والعمل والتطور نراهم بكل بساطة يستغلونهم لنيل مأربهم و لأنهم ليس لديهم أى رادع من ضمير و ليس لديهم أى قدر من الحرمة لهذا اٌلدم الذى حرمها كل الأديان السماوية وشرائعها و القوانين الوضعية ووضعها موضع حرمة لايضاهيها أية حرمة نراهم لا يأبون بسفكه.
وللأسف كل هذا التقدير لحياة الإنسان من قبل كل الشرائع لم يردع المتطفلين و المستولين على مقدرات هذا الشعب من التلاعب والإستهانة بها.
فما وصلت اليها الأمم المتحضرة من إحترام لدم الإنسان و وضع حياة مواطنيها فوق كل قيمة من القيم و هو الوضع الإنسانى الصحيح التي لم نصل اليها نحن و الاصح لم يصل اليه سياسيونا و قادتنا المزعومين بعد و بعيد كل البعد عن نطاق تفكيرهم وإهتمامهم.
ولكى نصل الى ماو صل اليها الأمم المتحضرة يجب علينا الكف عن إتباع من هم هادرين لدمنا تحت العديد من العناوين و المسوغات الواهية التى عفا عنها الزمن وقد تبين لنا بعد كل ما مررنا به أن همهم الوحيد الحقيقي كان ولايزال هو الصعود فوق جماجمنا الى بروجهم العاجية و إشباع نزواتهم و رغباتهم و إزكاء نرجسيتهم لذا يجب منعهم من إستغلالنا.
وهذه الخطوة الجبارة المهمة في صون دماء أنساننا و الوصول بها الى المرتبة التي يستحقها، تبدء بكشف زيف إدعائاتهم الوطنية و عدم الرضوخ لإئحائهم لحثنا على خوض حروبهم الشخصية والذي يسمونها حروباً مقدسة وهي بكل تأكيد أبعد ماتكون عن كونها مقدسة، فما قدسية قتال أبناء الوطن الواحد أو بشكل أعم ما قدسية قتل الإنسان للإنسان، او ليس هم الذين أسبغوا على كل إحترابات الداخلية الشنيعة الخالية من أى شرف ثوب المجد وخطبوا كأنهم يفتحون روما هادرين دماء هذا الشعب بكل أطيافه كأنها ملك يدهم ليفعلو بها ما يريدون و قت مايريدون غافلين ومستغفلين عن حقيقة كون لاشرف فى قتل الجار لجاره وكل تلك الفضاعات تمت لأرضاء نزوةٍ من نزواة هؤلاء المعاتيه والساديين العاشقين لسفك الدماء.