–جمعت الشمري خطابين بارزين في معظم نصوصها وكرست التخيل والحقيقة لتظهر روعة التصور في النص الشعري
– اتحفت القارئ بفيض من المشاعر المتضادة في شكلها والمتألفة مع جوهر الحدث لتخلق صورة متقنة صادقة ومعبرة
في ديوانها “اُراقصُ ظلّكَ في مرآتي” الذي ضم ثلاثون قصيدة ذهبت حياة الشمري إلى أن تضفي عليه الطابع الوجداني بالمجمل، فمعظم قصائدها فيه كانت تجسد أعمال الحب والشكوى وهذه من أعمال الوجدان ، فاللوعة في الحب أو الشكوى هي أحاسيس تنبع من الوجدان ،ويُعنى بتفاصيلها الدقيقة الغرض الوجداني،وهو من أغراض الشعر وابوابه الواسعة التي تتماثل مع شعر الغزل ويدخل فيها الشعر الوصفي والبكاء على الأطلال ، وهو غرض معروف أيضا عند العرب قديمهم والحديث، وللتذكير بالبكاء على الأطلال نورد بعض من أبرز من قالوا فيه من الشعراء.
يا دارَ ليلى بأُبليَّ فذي حُسَمِ
فجانب القُفَّ ذي القِيعان فالأُكُمِ
إنَّا نقولُ ويقضي اللهُ مقتدراً
مَهما يُدِم ربُّنا من صالحٍ يَدُم*
وفي قصيدته يتغنى (المزيد) بدار ليلى التي جعلها بصيغة المنادى في مستهل أبياته، وهذا أمرؤ القيس أيضا يناجي ذكرى الحبيب ودياره بقصيدة عصماء خلدت منذ حينها قال فيها:
قِفَا نَبْكِ مِنْ ذِكْرَى حَبِيبٍ ومَنْزِلِ
بِسِقْطِ اللِّوَى بَيْنَ الدَّخُول فَحَوْملِ
فَتُوْضِحَ فَالمِقْراةِ لمْ يَعْفُ رَسْمُها
لِمَا نَسَجَتْهَا مِنْ جَنُوبٍ وشَمْألِ
تَرَى بَعَرَ الأرْآمِ فِي عَرَصَاتِهَا
وَقِيْعَانِهَا كَأنَّهُ حَبُّ فُلْفُلِ*
وغيرهم من شعراء الجاهلية والإسلام وصولا إلى الشعر الحديث الذي تناول موضوع المكان والطلل والحنين إليه عند السياب مثلاً حيث قال:
خرائب فانزع الأبواب عنها تغدو أطلالا
خوال قد تصك الريح نافذة فتشرعها إلى الصبح
تطل عليك منها عين بوم دائب النوح
وسلمها المحطم، مثل برج دائرة، مالا
يئن إذا أتته الريح تصعده إلى السطح،
سفين تعرك الأمواج ألواحه
وتملأ رحبة الباحه*
من ذلك ذهبت حياة الشمري في ديوانها ( أراقص ظلك في مرآتي) إلى النزوع نحو الوجداني كشكل يغلف الديوان ويطبعه بأبرز أغراض الاحساس والشعور ، مجمل النصوص التي احتواها الديوان كان التعبير البارز على شكل النص أو طابعه هو الحب بما يتفرع منه من مشاعر وآلالام وهواجس وتقلبات ما يفوق الخيال ربما، أو ما يفوق المعقول، ففي العنوان الذي جاءت به حياة قاربت ما بين الواقع والخيال عبر توصيف شاغل النص بتكوينه ثم أختفت تلك الدلالة الوصفية للأشياء التي تطرقت لها الشمري في متن نصوصها، جاءت بالحركية التصويرية ( أراقص) كدلالة وصفية لما تقوم به في وحدتها، وهو توصيف غاية في الدقة كرسته حياة في العنوان لتوحي للقارئ انها لم تكن في محفل أو تجمع أو حفلة ،وإنما عزلة تامة مثلت وحدتها الدالة على العزلة نفسياً وجسدياً وحتى اجتماعياً، فما المبرر للرقص أما المراءة، إلا لاستذكار حالة أو الشوق لها حين ينفرد المرء بنفسه ويسرح مع هواجسه وأفكاره أو الخيالات التي تمر بذهنه، وما يؤكد الوحدة التي تستشعرها حياة والعزلة التي هي عليها جاءت ب ( ظلك) فلا أحد معي سوى ظل وهذا خارج نطاق المألوف أو التصور،والمراءة انعكاس لحالة التشطي والبعد في تراتيب العلاقة العاطفية التي يصورها النص أو أرادت حياة الشمري توصيفها.
ليسَ لي غيرُ وسادةٍ
ينفرطُ عليها عقدي
حينَ يرتبكُ الليلُ في جوفي
ووشاحي مخضّبٌ بالأحلامِ
يتكىء عليهِ النهار ُ
وفي إنتظارِ ولادةِ نبضٍ
وحكاياتٍ تغزلُ قياماتِ عشتار
وسادة وعقد ينفرط ،من (لاشيء) تستفتح حياة الشمري نصها بالنفي ،معلنة عن عدم أمتلاكها شيء سوى (وسادة) ليس لها غيرها ، وللتأكيد على ماجاءت به قدمت الدليل البارز والذي منح استهلالها الثبات الوصفي تأكيداً على ما قالت (ينفرط عليها عقدي)،وهو تعبير عن خلجات تعتلي النفس تنبع من هواجس الروح المتعبة بحقيقة الحال الذي عبرت عنه الشمري بأن ليس هناك من شيء تمتلكه سوى ما أفصحت عنه (غير وسادة)، وهذه دلالة على أنفلات اللحظة من بين يديها ( كتعبير دلالي) للفقد الذي جاءت به نصاً ( ينفرط عليها عقدي)، تورية جميلة وظفتها حياة كحالة تعبيرية عن سكون الليل والفقد الذي تستشعره في الواقع المعاش ، ولانريد الخوض في التجربة وتفسيرها،لكن لتوصيف المشهد الذي أرادت منه الشمري أن يكون درامياً كتجسيد للحدث.
حبكة النص تمثلت عندها بدائرة مغلقة عرفتها ب(الليل المرتبك) الذي جاءت به مع تحديد الزمان والمكان ( حين يرتبك الليل في جوفي)، التجسيد المكاني للحدث دلالة،والتوقيت النصي الذي يرافقه تعريف ، وكلاهما توصيف للزمان والمكان الذي يجسده الشاعر بالمتقن في نصه، فإرتباك الليل توظيف للدلالة الحسية التي يدركها القارئ استشعاراًبالبصر، تأتي على عكس الكلمات الأخرى التي يكون فيها إدراك المتلقي عبر القراءة، أي أن هناك مفردات يستدركها القارئ من خلال قراءة النص،وأخرى حسية لاتدرك إلا بالاحساس.
وذهبت حياة لتوظف التورية بالنص والتي مثلتها ب ( ووشاحي مخضب بالأحلام) هي للقارئ أول وهلة ( التخضيب إما بالحناء وهذه للتقديس أو الفرح في مجتمعاتنا العربية، أوالتخضيب بالدم وهي للتهديد أو البركة وطرد الشر والحسد، ومنها أرادت الشمري أن تربط تلك الطقوس بنتاج ما كتبت لتظهر الصورة في نصها مطرزة بالمألوف من الحكايا التي تنسب كطقوس اجتماعية ضاربة في القدم ربما من عهود سبقت ،لكنها راسخة في عقول الجميع تأتي أكلها كل حين وربما لايتجاوزها الكثيرون حتى باتت في خانة التقديس ،استخدمتها حياة الشمري للتورية على ماجاء في نصها من حدث فأضفت عليه هالة لما وصفت به تلك الطقوس ولتجعل منها ( التورية) مؤثرة على تقلب الزمان مابين ليلها المرتبك ،واتكاء النهار على وشاحها، ولتجعل من خطابها هذا مساراً لأمل جديد رغم النفي الذي أوردته في استهلالها وما حَملت نصها من بواعث للحزن ،إلا أن حياة فرشت طريقاً بأبعاد أخرى أوسع من الأولى لتنتظر (ولادة جديدة) تستهلها من عمق التاريخ الذي داخلته ورؤيتها المتشائمة المتفائلة للنص لتحيك من ذلك الآرث نهارات جديدة ( قيامات) لربة الجمال والحسن وألهة الحب (عشتار).
خبّر الأمس بأنّ
أنسام الربيع راودتني
وإنّ تنهيدةَ العناق
تنتظرُ ومض النجوم
وصلاة العشقِ لغةٌ لقبلة
الحياة
وفي هذا النص من قصيدتها (خبر) كان التسلسل الذي يطغى على الفكرة عند حياة الشمري لم يكن منهجاً اتخذته لكتابة نصها وفق أسسه، بل جاء بتوافق مع (شيطان الشعر) كما يطلق عليه الشعراء (الإلهام) ومن دونه لاتسلسل للأفكار ولاتوازن في النصوص،فالفكرة بتسلسل الحدث في النص من أجمل مايكون ،والتراتيبية التي يكتب بها الشاعر نصه وليظهره بنسق متواصل تكون خلاله القصيدة في أعلى مستوياتها من الرقي والجمال لذلك قالت حياة في قصيدتها ( خبر) ،(خبّر الأمس بأنّ ) وتواصلت بتسلسل الحدث ( أنسام الربيع روادتني) وهكذا تستمر حتى نهاية النص بترايبية متسلسلة كحلقات مترابطة تكمل أحداهما معنى الأخرى، والجمالية المنظورة في هذا النهج أن القارئ يتابع الفكرة منذ بداية الحدث حتى نهايتة بشغف ليصل إلى حبكة النص بشوقمستمتعاً بالصور الشعرية التي يرسمها الشاعر ويُسقطها على نصه بتوازن تام مابين الكلمة والكلمة،ومابين الكلمة وموسيقاها، لتتشكل من خلالها أنساقاً معرفية مفهومة دالة على الحدث دون أنقطاع تفاصيلها،وهذه هي الصورة المكتملة التي ترتقي من خلالها النصوص ،والتي قدمتها حياة بدقة وأتزان تام في النسق الشعري.
وأمام المرآة روحٌ
ابتسامتي ما عادَ ينزفُ
لها الفؤاد
فالفكرة لابد أن تورد بالتتابع ،لا أن تقحم في النص وتنتهي لحظتها تلك ممارسة تقحم النص في هالة من الغموض تبعد عنه القارئ وتقلل من فرصة ظهوره بمستوى يرقى وما موجود على الساحة من نصوص شعرية. تسلسل الفكرة او الحدث في النص يمثل ذكاء الشاعر في انتقاء المفردة والتصوير الدقيق وتكريس الاستبدال بالكلمات وانتقاء القافية ( موسيقى النص)، ليظهر بالصورة الجميلة التي رسمت بمخيلته قبل الشروع بالنص، فالنص تصور قبل أن يكون تجسيد على الورق،ومنه يُسقط الشاعر تخيلاته وصوره التي رسمها ذهنياً ليكون نصاً ظاهراً للقارئ وبالمستوى الذي يتطلب أن يكون عليه.
وهذا العمل لايتم إلا بتوافق الفكرة مع الإلهام الشعري ، فإن حدث وتوافقا كانت صفة النص الإبداع ،أما إن استعصى الإلهام على الشاعر رغم أن الفكرة حاضرة فلا النص يكتمل ولا الإبداع سيميز ما يكتب، فالنص أو القصيدة وليدة الإلهام بتوافق الفكرة.
أصبحَ زفيري لغةً عاجزةً
لاحتواء ظلكَ
وقلمي علامةُ استفهام لكلِّ
سطرٍ يُغرسُ في أوردتي
صوتي مبحوحٌ من دجى
الصبر
لا اُريدكَ مطراً ولا رياحاً
ولا عصفَ موجٍ
اُريدكَ أنتَ في قلبِ حياة
التوصيف والدلالة التي تسعى حياة دائما لتوظيفها في النص لتكون أدوات تقريبية يدرك القارئ من خلالها ما لم يقال أو المعنى الضمني للنص ، ولقد التقنت الشاعرة في استخداماتها للدلالة وبشكل غاية في الدقة، لقد استعانت حياة بمفردات لفظية كدلالة كونت منها مساراً لفهم الصورة التعبيرية للحدث ،ولم تترك القارئ خلالها ليذهب نحو تصورات تبعده عن مضمون النص،بل العكس هو الصحيح استطاعت حياة أن تقيد القارئ بحدود النص وتشيكل الدالة اللفظية دون سواها ( زفيري، عاجزة، ظلك، قلمي، علامة استفهام،صوتي…..) ، أرادت البوح بما تشعر به عبر تشكيل لفظي دال وذو مغزى ، فحين قالت (أصبح زفيري لغة عاجزة) أرادت التعبيرعن نفسها المتعبة والتي مثلتها (زفيري) والزفير يصدر من نفس متألمة لاقدرة لها على استيعاب الحدث،فيما مثلت ذلك العجز باللغة، كون اللغة وعاءً يحتوي كل المفردات ، لذلك جاءت بها حين قالت (لاحتواء ظلك).
التوصيف يخلق نوعاً من الصور التقريبية للحدث يفهم منه المتلقي أن هناك بدائل لما جرى وتضمن النص توصيفه ،لكن الحقيقة تبقى سيدة الموقف كما يقال،تلك الحقيقة التي يتحكم الشاعر في ترتيب شكلها التوصيفي عبر ما يتناوله من مفردات ذات دلالة عميقة او معبرة ، ليخلق منها شكلاً للحدث يرتقي من خلاله النص مآلات التميز والتفرد ويقال عنه نص إبداعي.
هنا أرادت الشمري توصيف المشهد الكلي للحدث ( حبكة النص) فجاءت بأدوات تشكيل الصورة الذهنية ( كأس حنين واشتياق) أي أن الكأس قد فاض من الشوق ووصل حد الحنين، فداخلت التمني بعد ذاك الحنين ومثلته بصورة احتياج لحلم قد يسر به الفؤاد حين يخلد للراحة.
تداخل
كأس حنين واشتياق
اُريدكَ وسادةَ أحلامٍ
ينامُ عليها الفؤاد
اُريدكَ همسا يعانق الأثير
فكنْ لي كفّ الرجاء
لأنهض ….
وأقمْ معي مناسكَ الحياة
ليهفو نبضي
ونبضك لمواسم ٌ الإحتواء .
لحظات الكتابة عند الشعراء تعد من الصعوبة بمكان ما يترك تأثيره على حالتهم النفسية، والتعامل مع الحدث أو حبكة النص التي من المؤكد تحتاج لحدث معين يهز الشاعر ويحرك مشاعره ليستحضر بهاجسه الشعري ما يصف به ذلك الحدث من خلال مايتوافق معه من مفردات يستطيع عبرها تشكيل صوره الشعرية التي تناسب الحدث وتترك تاثيرها على المتلقي.
فالفكرة هي التي تبرز الشاعر وتميزه عن غيره ، فمن استطاع تجسيد الحدث بزواياه ،واكتمال الصور التي يقدمها بحيث تكون جمالية تعبيرية هادفة صادقة في نقلها لمايجري من تقلبات داخل النص، فذلك الذي يصل قلب القارئ ويستحوذ على مشاعره أثناء القراءة ،وذلك هو الشاعر حقاً، وقد استطاعت حياة الشمري أن تتحف القارئ بفيض من المشاعر المتضادة في شكلها والمتغايرة في مضامينها والمتألفة مع جوهر الحدث لتخلق لنا صورة معبرة صادقة متقنة استهلتها بما حملتها من مضامين تتفق وآلية الحزن التي تسيطر على مشاعر القارئ،ثم سعت وكانت قادرة في سعيها أن تقلب طاولة الحزن ولتأتي بما يبهج المتلقي بما زرعته من فسحة أمل مثلتها بولادة جديدة مقترنة بالحدب الذي جسدت التعبير عنه ب(عشتار).
اللحظاتُ تبدو جميلةً
و خيالي مُشيّدٌ بالعروقِ
يتنفسُ من رئةِ الوقتِ ِ
توّاقاً لقصيدِكَ ….لأغصانٍ
تتراقصُ لحلمٍ أبيض َ
وفي نصها الذي تستكمل بها قصديتها ( لاشيء) واصلت حياة الخوض في تضمين رؤيتها للحدث بمشاعر الأمل التي فرضتها بصفاتها ( بيضاء)، أي احالت مسار النص إلى الوصف الذي جاءت به مقترن مع التورية بقصد استكمال المشهد النصي الذي سعت له ليكون ناضجاً متوافقاً وعناصر البناء وموسيقاها التي علا طابعها بما جاءت به من خيال واسع لتركز على أن يكون الأمل هو المراد ولتستبعد من خلاله شبح الحزن الذي أرخى يديه على المشهد الشعري في الاستهلال.
لا شيءَ يُعيدُ الزمنَ
سأكونُ وحدي مع ظلّي
أعزفُ أغاني عتابٍ قديمةٍ
تخلعُ الروحَ مني
وأروي حكاياتٍ تُنبتني صبرا ً
لعلّي أنفذُ من مساماتِ روحي
لتراتيل فجرٍ لا يخشى
بُعدكَ.
وفي (لاشيء) التي جاءت بها الشمري تأكيد على ما ضمنته رؤيتها في الاستهلال بشكل قطعي ، قصدت ( مستحيل أن يعاد الزمن) فلا قوة لأي شيء على ذلك، وتلك حقيقة راسخة وظفتها حياة في النص لتؤكد من خلالها عمق التجربة الشعرية التي تخوضها عبر الصورة الشعرية التي رمزت لها بالحقيقة دون سواها، ومنها ايضا تجسيد للوحدة التي تخلفت في نفسها لترسم صورة ذلك الحدث ( سأكون وحدي مع ظلي)، والظل كما نعلم واقع تخيلي سرعان ما يختفي أي أنه ( انعكاس للشيء، بمعنى آخر غير حقيقي،أي أنه شبح ،خيال، مشهد ضبابي، أي أن حياة الشمري أرادت أن تقول في رؤياها تلك أنها باتت وحيدة في عالم لا علاقة له بالأحياء ،بل باتت في عداد ذلك المشهد الضبابي الذي يجسده الظل على نفسها المكلومة.
الصورة التي ترسمها الشمري بأبعاد الغرض الوجداني توصف بعمق الرؤية التي تدير زواياها بالوصف والتشبيه وبتقلبات الحزن ( والحزن ) من صلب الوجداني في الشعر، هي أرادت أن تشي بما تشعر به من وحدة لفراق تجسد وبات حقيقة داخلت خيوطها مع المشهد الضبابي الذي عبرت عنه بالظل الذي أختارت وحدتها معه،والظل تجسيد للآخر الذي حاولت أخفاءه حياة ،لكن عزلتها وألمها فضح ما أخفت، وذلك واضح وجلي في قصيدتها “خيوط الفجر” ومنها.
خيوط الفجرِ تمسكُ القلمَ
تُؤجج أشواقها على سطورِ
التعثر
تُسافرُ إلى مدنِ خواطري
تنعتُ تكرارَ الخيبة وحيرة
الخطوات
جاءت حياة الشمري بديوانها (أراقص ظلك في مرآتي) بمفردات عديدة دالة على التخيل والتصور التشكيلي عبر ما أختارته من مفردات لفظية دلالالية تشي بصور وخيالات حاولت من خلالها الولوج في ما وراء التصور الذهني لتجسيد نص يعلق في الذاكرة الجمعية لدى المتلقي، وتلك ميزة جمالية نجحت من خلالها حياة بالوصول إلى هدفها من خلال إشارات دالة أكثر عمقاً وجاذبية تمثلت في ألوان عدة خالطت فيها مابين الحزن والذكرى،وربما ما بين ألم الذكرى والعيش على حدودها.
الأنماط التي قدمتها الشمري كانت متقنة من ناحية أختيار المفردات والتنسيق اللغوي والشكلي للنص والتزامن الموسيقي الدقيق مع ما تتركه الكلمة من آثار نفسية في ذهن القارئ، حاولت حياة الشمري أزاحة تأثير الشكوى من النص بما أضفته من ظلال الحقيقة على المجمل الشعري الذي أتت به على شكل هواجس وأحلام جسدت التخييل المطلق الذي ناغمت من خلاله العوالم الخاصة التي قصدتها في نصوصها للرؤى التي تمثل الإندهاش والحيرة في النص.
الحقيقة لقد جسدت حياة قصائد مرهفة الحس ،مختلفة المقاصد، تحمل الدلالية الرمزية في تكوينها ،كما أنها دالة بعناوينها التي تحفز القارئ بأسلوب إيحائي جميل ، أما عن اللغة التي وظفتها الشمري في نصوصها فلنا أن نقول فيها أنها استعارات لفظية كرست الدلالية الحسية ورسمت علامات وعوالم عملت من خلالها على تفعيل المحتوى الإبداعي للنص. سعت الشمري لتكون نصوصها وحدة نصية عضوية متكاملة تجمع كل التصورات الدلالية في حبكة سردية لها مكنوناتها التي تستكمل عبرها التخيلات والإيحاءات التي تكرسها في النص لتنبض بإيقاع دافئ يستشعره القارئ بإحساسه وليس بالقراءة.
هذا التصور ينسحب على مجمل المجموعة الشعرية لحياة الشمري ( الديوان) (أراقص ظلك في مرآتي) الذي جسدت فيه عملاً شعرياً لا نملك أن نقول عنه سوى أنه عمل ناضج يخفي في طياته الكثير من الخصوصيات المفضوحة والتي حاولت حياة عرقلة ظهورها بأن غطت عليها بعقبات ودفعت بتصورات أقرب إلى أن تكون جانبية لكنها مؤثرة للتعمية على الغرض الحقيقي بقصد شد القارئ،وهي لعبة جميلة تستهوي المتلقي ، وتظهر إبداع الشاعر وقدرته في التحكم برؤى النص الذي يكتبه وقدرته على محاكاة الحقيقة في نصوصه من خلال ما يكرس فيها من تعبيرات مخاتلة ( زئبيقة) تحتمل التأويل بمنظور شعري وبمفردات لغوية ترسم صوراً خفية تأملية في طيات النص تفتح من خلالها آفاقاً لعوالم شعرية فسيحة من التصور .
ديوان (أراقص ظلك في مرآتي) جمعت فيه الشاعرة حياة الشمري خطابين بارزين في آن أحدهما مباشر والآخر غير مباشر، حيث كرست فيه التخيل والحقيقة لتظهر من هذا الخليط روعة التصور الذي تكتب فيه حياة نصوصها الجميلة ،ولتظهر مدى إبداع الذات الشاعرة لديها ،والتناسق الرائع الذي تجسد من خلاله نصوصها بسحر الكلمة ودقة المضمون وسعة التخيل، التي أستطاعت أن تتحكم عبره بتجانس اللحظات الشعرية التي تتفاعل مع محتوى النص بسياق دقيق ولغة سلسة مفهومة.
وحياة الشمري أختصاصية تربوية تختص باللغة العربية وهي من مواليد البصرة جنوب العراق،وتنتمي للعديد من الجهات الأدبية والاجتماعية ومنظمات المجتمع المدني منها: عضو اتحاد الأدباء والكتاب في العراق،عضو نقابة المعلمين،عضو مؤسسة الشبكة للثقافة والأعلام،عضو منظمة حقوق الأنسان،عضو رابطة المجالس الثقافية البغدادية،عضو الاتحاد الدولي للأدباء العرب ، ولحياة الشمري ستة دواوين شعرية هي :
– تراتيل حاء البحر
– أرتل دونما جهة
– حلام تبتكر الفجر
– نوارس مثخنة الجراح …
– أنأ وحشود من اللاأحد
– أ نا وسرب القطا .
ولها مجموعة قصص للأطفال (حكايا مصطفى) ،ومجموعة قصص قصيرة مهيئة للطبع وتكتب في صحف ومجلات عدة .