الغاية من الدراسة
إن المتتبع لما يبث من وسائل الاعلام المختلفة، وما يؤلف ويدرّس للاطفال في منهاج الدراسة بمراحلها الابتدائية، يلاحظ بشكل واضح ودقيق، الاغفال، وعدم الاهتمام من القائمين على اعداد هذه المناهج بما تحمله اغاني الاطفال الشعبية من معان ومضامين ودلالات مرتبطة جميعها بالواقع، وبشكل بسيط وعضوي، يتصل بطموح المجتمع العراقي وثقافته، مقابل تضمينهم المناهج الدراسية أناشيد اطفال مغناة حديثة، تعاني من تهميش فكري، وحضاري، وثقافي(1).
ان لغة الام الموسيقية لكل شعب، تتمثل في اغانيه الشعبية التي توارثها عن طريق الممارسة العملية عبر الاجيال منذ مئات بل آلاف من السنين. وتحتل اغاني ولعب الاطفال ركناً اساسياً من اركان الموسيقى الشعبية المتوارثة لمحافظتها على كثير من التقاليد والصيغ اللحنية التي تعود جذورها الى العصور السحيقة.
وبما ان الاطفال يظهرون بنموهم الطبيعي التطور البشري نفسه، فان خير دليل على ذلك اغاني ولعب الاطفال التقليدية التي تمثل ميراثاً من تلك الايام التي لم تكن الفنون منفصلة عن بعضها حيث كان النص والايقاع واللحن يقدم بمجموعة موحدة ذات علاقة بمناسبات خاصة او حوارات معينة، ولهذا السبب فانها تؤكد على تربية متوازنة ومتوافقة(2).
وهناك ميزة كبيرة اخرى لهذه الاغاني والالعاب الشعبية، وهي انها هي التي تصنع اسس الشخصية الوطنية في الخطابة والغناء والرقص والعادات محافظين بهذه
الطريقة وبصورة حية بالروابط التقليدية باجدادنا، وكذلك فان اكثر العادات القديمة لمختلف الشعوب تتشابه فيما بينها، لذا فان هذه الاغاني واللعب تساهم في الوحدة البشرية العميقة جمعاء(3).
لذا تكمن مشكلة البحث في تحديد الدور المهم الذي يمكن لاغاني الاطفال الشعبية الاضطلاع به، بما تحمله من الكثير من المعاني والقيم والدلالات الرمزية والموسيقية، التي يمكن استخدامها وتوظيفها في عدد من المجالات التربوية والتعليمية. وتحديداً فان هذه الدراسة تحاول الاجابة عن السؤال الآتي:
ما الدلالات الرمزية – الدينية والاجتماعية والوطنية والتربوية والاقتصادية في اغاني الاطفال الشعبية في العراق؟
لقد ادى التطور التكنولوجي على مختلف الصعد والمستويات، وما واكبه من تطورات في وسائل الاعلام المسموعة والمرئية والمقروءة، الى انحسار دور الاغنية الشعبية وما تؤديه من علاقات اللعب والتواصل بين الاطفال لخلق مجتمعات صغيرة تشكل بدورها النواة الاساسية لمجتمعات الكبار. وعليه تكتسب هذه الدراسة اهميتها في انها تسلط الضوء على ما تحمله اغاني الاطفال الشعبية والعابهم في العراق من دلالات رمزية، والافادة منها وتوظيفها وتضمينها في المناهج الدراسية للمرحلة الابتدائية بشكل عام، ومنهاج اللغة العربية لهذه المرحلة بشكل خاص، الامر الذي من شأنه الارتقاء بالذائقة الادبية والموسيقية للنشئ، لكونها ترتبط ارتباطاً وثيقاً بحاجات الطفل واهتماماته، وهي اقرب الى نفسه وادراكه.
لقد اقتصرت هذه الدراسة على مجموعة من اغاني الاطفال الشعبية في العراق التي تشير الى دلالات رمزية بشكل واضح تماماً، وهي الدلالة الدينية، الدلالة
الاجتماعية، الدلالة التربوية، الدلالة الوطنية، الدلالة الاقتصادية بواقع مثال/ نموذج لكل دلالة.
ان هذا البحث صادف الكثير من الصعوبات والمعوقات، الا ان هذه المعوقات والصعوبات من خلال فهم الباحث لعمله تم تجاوزها واعتبارها مسألة طبيعية جداً. واول هذه الصعوبات هي عدم توفر المراجع الكافية التي تهتم بهذا الموضوع في العراق. وثانياً، لاحظ الباحث مع الاسف نسيان الكثير من تلك الاغاني المرتجلة البسيطة المعبرة تعبيراً صادقاً عن أحرج مرحلة يمر بها الانسان في تكوين شخصيته، مما اضطر الباحث الى الاعتماد على المراجع الكتابية التي تناولت الاغاني والالعاب المتوفرة في المراجع على ندرتها.
مدخل الى الدراسة
إن مجتمعات الصغار لا تختلف كثيراً عن مجتمعات الكبار، فهي لها ممارساتها وتقاليدها، لما تؤديه من الغناء واللعب، والذي يُعد في نظر الصغار والفضاء الرحب الذي من خلاله يستطيع الاطفال التعبير عن كل ما يدور في دواخلهم من افكار وطموحات لتحقيق الذات، لذا فاننا نجد ان الاطفال في لعبهم وغنائهم، انما يحاكون ويقلدون ما يقوم به الكبار، مما يبرز هذا التقارب والتشابه في الكثير من الماعاني والمضامين الادبية والموسيقية(4). يعد الغناء بمفهومه البسيط اهم لغة وجدانية عرفها الانسان في كل زمان ومكان، واختصت به الجماعات البشرية، سواء أكانت جماعات حضارية ام بدائية، مما ترتب عليه تعدد لهجات الغناء، وتنوعها، حسب نوع الجماعة، والبيئة الاجتماعية والثقافية التي تعيشها(5).
ويهدف الغناء الى الاشباع العاطفي، ويضفي على النفس جواً من البهجة والسعادة، ويروح عن الذهن وينشطه، وهو من الجوانب التي تزود الاطفال بمدركات ومفاهيم تشمل ما تسعى اليه التربية بتثمينه المعارف اللغوية، والتاريخية، والقصصية، وتبث في نفوسهم الوعي الديني والوطني، والتهذيب، بما تتضمنه لغة الغناء من قيم وافكار واهداف(6).
يرتبط الغناء ارتباطاً تاماً بحياة الطفل منذ سني عمره الاولى، فهو يتوافق مع الاصوات والغناء، فينام على صوت امه وهي تهدهد له، ويضحك حينما ترقصه بين يديها، ويجري ويقفز حين تداعبه، فيغني مشكلاً الحلم الجميل، والعالم الطفولي الذي يحلم به الكبار، وينشأ الطفل مع الغناء فتتكون عواطفه ومشاعره بنقاء وصفاء الاغنية المنسابة الى اذنيه في صوت امه(7).
لقد كان الاطفال في الحي الواحد يجتمعون في اوقات فراغهم، وفي المناسبات المختلفة، يلعبون، ويغنون، مشكلين جماعات، يتبادلون معها، صداقات مملؤة بالمشاعر الطيبة والاحاسيس التي كانت سمة مميزة للمجتمع العراقي بشكل.
لقد كان للاغنية دور اساسي ووظيفي في جميع الاوقات، سواء أكان ذلك في الحي،خارج البيت ام داخله، فكان لكل موسم ومكان غناؤه والعابه الخاصة، فهناك العاب مصاحبة للغناء تمارس داخل البيت، لا تتسم بالحركة السريعة او الانتشار لافراد اللعبة، اما الساحات العامة فكان اللعب فيها يمتاز بالجري والقفز والحركة للاطفال، بما يشيعه من بهجة وفرح، مما ينعكس بشكل ايجابي نحو تكوين صداقات قوية وعلاقات حميمية بين الاطفال(8).
لقد شكلت اغاني الاطفال رابطاً اساسياً ولبنة مهمة من لبنات البناء الذي يتشكل منه المجتمع العراقي الواحد. فالاغنية بما تحمل من معانٍ وقيم ورموز بالنسبة للاطفال، تعد خليطاً مما تحمله الاغاني الشعبية العراقية، فهي تحمل الدلالات والمعاني والقيم ذاتها التي تحاكي حاجات هذا المجتمع، الذي تعد المهن الحرة واحدة من اهم مجالات كسب العيش فيه، فهو مجتمع مهني في اغلبه، متماسك في كل تفاصيل حياته، فطموحاته واحدة، وكذلك همومه، ولا سيما فصوله الزمنية وبخاصة في فصل الشتاء فصل المطر(9).
ولهذا، فان الدلالات الرمزية في اغاني المطر، وما تحمله من معان دينية واقتصادية، تعد اساساً في غناء الاطفال والكبار، وهذا سبب رئيس، وتفسير واضح وجلي للحمة والتعاضد الذي كان يعيشه المجتمع، فالتماسك والتواصل بين جميع فئات العمرية – على اختلاف اطيافه – حاصل من استمرارية وتواصل وحدة بناء الاغنية بما تحمله من مضامين ومعان وقيم، تعد سبباً من اسباب وحدة المجتمع واستمراريته وتواصله(10).
مفهوم اللعب وماهيته
من الصعب تحديد مفهوم موحد للعب، ففي حديثنا عنه انما نقدم وصفاً للعب ولا نقدم مفهوماً له، فهو عملية ديناميكية تعبر عن حاجات الفرد المتماثلة، وهو سلوك طوعي ذاتي اختياري الدافع يوافق النفس او خارجي الدافع احياناً. ويعد وسيلة الكبار للكشف عالم الطفل للتعرف على ذاته وعالمه ويمهد عنده سبل بناء الذات المتكاملة في ظل ظروف تزداد تعقيداً او يزداد معها تكيفاً(11).
ويعد اللعب ظاهرة طبيعية وفطرية لها ابعادها النفسية والاجتماعية، لانها نشاط يمارسه الطفل دون اية ضغوط عليه من البيئة المحيطة به المتمثلة في بيئته العائلية والاجتماعية وفي الطبيعة. وهذا يشير الى انه نشاط تلقائي حر ومستقل ومرتبط بالفراغ وبالوقت، كما انه يرتبط بالصحة والنمو والتطور، اذ يعد جزءاً متكاملاً من حياة ونمو الطفل، فاللعب والنمو مرتبطان ومتداخلان ومتفاعلان تجمعهما علاقة وثيقة ودائمة. وتتعدد مستويات اللعب وفقاً لمستويات نمو الطفل، اذ ان اشكال وانواع اللعب ترتبط ارتباطاً وثيقا بمراحل نموه(12).
ويرى بعض الباحثين، ان اللعب يسهم في نمو الاطفال من زوايا متعددة، فهو يسهم في النمو الجسمي، والنمو الحركي، والنمو العقلي، والنمو اللغوي، والنمو الاجتماعي، والنمو الانفعالي، ونمو الابتكار.
تعد الالعاب الشعبية من اهم انواع الفنون الشعبية لاية مجتمع من المجتمعات اكثر مما يظنه البعض عند نظرتهم الاولى لها. فهي من اقدم مظاهر النشاط البشري، وهي اول صورة لنشاط الانسان في طفولته. كما انها صدى لانفعالاته ومعرض ملذاته وفرحه، وهي انعكاس لصورة الحياة. فقد سايرت العصور وعاصرت مختلف الشعوب. اذ لم يخل مجتمع من المجتمعات منها، فهي تعرض نماذجاً من نماذج الحياة في البيئة بطباعها وتقاليدها ونظمها(13).
ولعل ولعل التشابه في اصول اللعبات الشعبية قد يقلي الضوء على علم السلالات البشرية، ولكنها لا تتضمن الاصول العامة للاعبين انفسهم والتشابه في الاصل ليس دليلا على التشابه في الثقافة. وتنفرد كل ثقافة ومجتمع بمجموعة من الالعاب الضاربة في الزمن والتي تتناولها الشعوب والاجيال عبر العصور، ويطلق على
هذه الالعاب -الالعاب الشعبية- وتنقل عبرها عدة خصائص ثقافية عدة خصائص ثقافية وحضارية مراعية بذلك التقاليد والعادات، وهي بذلك تعد مرآة صادقة للحياة اليومية البسيطة والمعقدة، ومن خلال انتقالها عبر الاجيال يتم نقل نماذج الحياة في البيئة بطابعها وتقاليدها ونظامها.
فضلاً عن نقل النماذج الحضارية والانماط المعيشية. فلكل مجتمع خصائصه وطابعه الذي ينعكس من خلال العاب اطفاله(14).
والالعاب الشعبية عديدة ومتنوعة، وذلك حسب عدد المشاركين فيها او الفصول التي تمارس خلالها، والطرائق التي يتم اتباعها، فنجد العاباً جماعية واخرى فردية، كما نجد العاباً فكرية واخرى حركية. فمشاركة الطفل لغيره من الاطفال في احدى هذه الالعاب الشعبية له اثر حلي في بناء علاقات الصداقة. ومن ثم يكون قادراً على التكيف اجتماعياً، اذ يبدأ باستيعاب القيم والمبادئ الجماعية والتقاليد والاعراف الاجتماعية.
وفي العراق يوجد الكثير من الالعاب الشعبية التي ابتدعها المجتمع العراقي او انتجها وحافظ عليها، حتى اصبحت تشكل جزءاً من ثقافته الشعبية، وقد كان يمارسها الافراد على اختلاف مستوياتهم وطبقاتهم الاجتماعية(15).
ان العاب الاطفال هي اول مدرسة اجتماعية يدخلها الطفل ويجتاز من خلالها اولى تجارب حياته، وهذه الالعاب وان بدت في ظاهرها ترويجية ورياضية، الا انها ذات فوائد قيمة للطفل والمجتمع بوصفها وسيلة للتطبيع الاجتماعي، تمكن الطفل من الانسجام مع الاطفال الآخرين ويشاركهم نشاطاتهم ويتعلم من ذلك كله كيف يقوم نفسه ويقدرها بواقعية من خلال عقد موازنة نفسية بينية وبين زملائه المشاركين معه في اللعب(16).
اننا لو استعرضنا العاب الاطفال واغانيها في العراق لوجدنا جزء لا يتجزأ من ثقافة المجتمع، عادات وتقاليد وقيم ومفاهيم، فلا عجب ان يتأثر بها الطفل في العابه، ومن هنا نجد مسوغاً لتوارث الاطفال بعض الالعاب عن اجيال سابقة. الا انني من خلال اطلاعي على بعض الدراسات الفولكلورية ذات العلاقة بموضوع بحثي، اميل الى ان الاطفال حين يجتمعون للعب فانهم يريدون اجواء خاصة بهم تسودها علامات ورموز طفولية بعيداً عن عالم الكبار الصارم.
اغنية الطفل الشعبية
تعد الاغنية التي ابتدعها الاطفال بشكل تلقائي وعفوي، وما ابتدعه الكبار وغنوة لاطفالهم، وبخاصة اغاني المهد، تراثاً شعبياً من اغاني الاطفال، فهي جزء لا يتجزأ من التراث الشعبي للكبار، بما تحمله من تواصل في المعنى، والمضمون، والشكل الموسيقي والادبي، مع شيء من التبسيط بما يتلاءم وقدرات الاطفال الفنية والفكرية، والدليل على ذلك ما نلاحظه في كثير من اغاني الاطفال التي تستخدم نفس الالحان المستخدمة في اغاني الكبار، وهذه الاغاني جاءت غالباً لتواكب لعبة معينة ارتبطت بها، وانتشرت بين الاجيال المتعاقبة من الاطفال نسبياً، وتدور الحانها في حيز ضيق يتراوح بين درجة لحنية واحدة تؤدي بشكل القائي الى درجتين او ثلاث درجات، ولكنها لا تتعدى في الغالب اربع او خمس درجات وغالباً ما تتخللها فقرة ثالثة صغيرة او كبيرة او ثانية زائدة(17).
ولعل اللعب والغناء عند الاطفال من اقوى الدوافع لعملية الابداع والخلق، فنرى خلق اغانٍ فورية تبدأ بسيطة ثم يزداد عليها حتى تصبح العاباً كاملة، اما من ناحية
التقليد في خلق الاغنية الشعبية عند الطفل، وعليه،ى فان علماء النفس يرون ان الاطفال لا يتأثرون بوالديهم فقط، فالتراث الذي يحملونه ويؤدونه بانفسهم له تأثيره الخاص، اذ ينقل الاطفال الى اقرانهم الاخرين نماذج لقواعد سلوكية واخلاقية قبل ان يصبحوا كبارا بالغين(18).
ويلاحظ ممارسة الباحثون في النصوص الغنائية الشعبية للاطفال، ان الطفل يغني دون ان يعي ما يقول بشكل متكامل، فهو لا لجأ الى التفتيش عن المعنى بقدر ما يفتش عن اللحن الموسيقي والقافية، وهذا بالطبع ما يناسب حركة اللعب، اذ هناك كثير من الكلمات التي ليس لها معنى في اغنية الطفل، سوى انها جاءت لضبط الوزن والثقافية(19).
تعد الالحان الشعبية او الالحان المبتكرة على نمطها من اقرب الالحان الى وجدان الطفل وارتباطه ببيئته وثقافة وتقاليد بلاده، لهذا فقد اعتمد الكثير من المربين الموسيقيين على الاغاني والموسيقى الشعبية بوصفها محوراً تربوياً، والاساس الذي تدور حوله تربية الطفل الموسيقية وذلك لاتصالها ببيئة الطفل وحاجاته.
لذلك، اشارات العديد من الدراسات والاتجاهات الى اهمية توظيف الاغنية الالشعبية للاطفال في المناهج الدراسية التعليمية بما تتضمنه من معان دلالات مرتبطة بواقعه. وذلك لسهولة استيعابها وتذوقها من قبل الطفل، ونظرا لما تحمله من بساطة في المعنى واللحن والايقاع، وايضا بما تتميز به من معايشة يومية، وتكرار على اذن الطفل، تسهم وبشكل كبير في ابصال المعلومة الموسيقية وما تحمله من تعبيرات ومفاهيم يمكن استنتاجها من خلال اداء هذه الجمل اللحنية البسيطة(20).
عناصر اغنية الطفل الشعبية
تتكون اغنية الطفل الشعبية من ثلاثة عناصر اساسية تندمج مع بعضها لتشكل وحدة اساسية، وهذه العناصر الاساسية لا تنفصل عن بعضها اذ لا يمكن ان تكون اغنية اطفال دون واحد من العناصر الآتية: النص الشعري واللحن والايقاع. ولقد توصل الباحثون من خلال الدراسة التحليلية الموسيقية لنماذج اغاني الاطفال الشعبية في العراق المستخدمة في هذا البحث الى ما يلي:
1- ما يتعلق بعنصر النص الشعري
– جميع النصوص الشعرية تكون عادة باللهجة المحكية (العامية) في البيئة التي تتولد منها هذه النصوص، وهذه يعكس بشكل مباشر لغة الطفل او اللهجة التي يستخدمها في حياته اليومية، بعيداً عن اللغة الفصيحة التي نادراً ما يستخدمها الاطفال في تواصلهم مع بعضهم بعضاً او في محيطهم الذي يعيشون فيه.
– ورود العديد من الكلمات والالفاظ في اغاني الاطفال ليس لها معنى محدد او دلالة معينة سوى تنظيم الاحساس بالايقاع الموسيقي.
– ليس بالضرورة ايجاد وحدة للمعنى في النص الشعري المغنى وذلك بسبب تركيز اغاني الطفل على الايقاع الموسيقي واغفالها لجانب وحدة المعنى الذي قد لا يعني للطفل شيئاً في ظل احساسه بموسيقى الكلمات والالفاظ.
– ارتباط البيت الشعري بالبيت الذي يليه ارتباطاً لفظيا وليس معنوياً ويسير النص في معظم اغاني الاطفال الشعبية سطحية وتخلو من التعقيد وفيها
الكثير من الخيال والبساطة التي تتناغم واحلام الطفولة على الرغم من اللجوء الى الرمز في بعض النماذج.
2ـ ما يتعلق بعنصري اللحن والايقاع
– اعتماد ااني الاطفال الشعبية في العراق على مجموعة من الاجناس الموسيقية صيغت فيها نماذجها اللحنية، علماً بان هذه الاجناس لا تكتمل انغماسها في كثير من الاحيان، الامر الذي دعا الى اعتماد طريق استحياء الجنس بشكل تقريبي للمقام.
وقد استخدم بعض اغاني الاطفال طريقة الاداء الالقائي الانشادي على نغمة واحدة (البعد الاحادي) وبعض منها استخدام طريقة الالقاء الانشادي على نغمتين متباعدتين.
– استخدام المنطقة الصوتية الوسطى المحصورة بالسلم الموسيقي الغنائي.
– استخدام المسافات الموسيقية الآتية: البعد الاحادي، مسافة الثانية بانواعها، مسافة الثالثة بانواعها، ومسافة الرابعة التامة، مسافة الخامسة التامة، مسافة السادسة بانواعها، وجميع هذه المسافات في الاتجاهين الصاعد والهابط.
– استخدمت اغاني الاطفال الفكرة اللحنية الواحدة، فاحياناً تكون الفكرة في مازورتين او ثلاث موازير او اربع وتتكرر هذه الموازير حسب النص الشعري لتكون اللحن.
– عدم استخدام أية آلة موسيقية في مصاحبة الغناء والاعتماد كلياً على حنجرة الطفل في اداء هذا اللون من الغناء وتقتصر المصاحبة على
التصفيق بالايدي لضبط الايقاع الموسيقي حيث يعد ذلك اضافة حركية وسمعية مفرحة للاطفال(21).
الاغنية/ اللعبة
المضامين و الدلالات
ترتبط الاغنية الشعبية ارتباطاً وثيقاً بدورة حياة الانسان منذ ولادته وحتى آخر يوم من حياته. وتشهد مرحلة الطفولة لوناً من الوان الغناء الشعبي والتي تتميز عن غيرها من الالوان الاخرى بسمات خاصة.
وقد قسم الباحث الموسيقي المرحوم حسين قدوري اغاني ولعب الاطفال الشعبية عبر تاريخ حياة الطفل منذ ولادته وحتى بلوغه سن الشباب الى ثلاث مراحل:
المرحلة الاولى- اغاني المهد وترقيص الاطفال، وهي اغان تغنيها الام لطفلها وهي تهدهدة كي ينام او يكلف عن البكاء او تغنيها للاعبته ومداعبته وترقيصه او تعليمه الحركات البدائية البسيطة من وقوف وسير وتحريك اليدين والتصفيق والضحك والنطق وغيرها، ويمكن تحديد هذه المرحلة منذ الولادة وحتى بلوغ الطفل السنتين من عمره.
المرحلة الثانية- مرحلة التلقي، ان هذه المرحلة لا يمكن تحديد اي نوع من الاغاني او اللعب وقد تكون هذه المرحلة محصورة بين عمر السنتين والخمس سنوات على وجه التقريب. وهذه المرحلة تعتبر مرحلة تلقي وخزن مرحلة مرور الى المرحلة الثالثة.
المرحلة الثالثة- يمكن حصر هذه المرحلة بين سن الخامسة وسن الشباب وتتميز اغاني هذه المرحلة بالذات بانها على درجة كبيرة من بساطة التركيب، ويخضع ايقاع هذه الاغاني لايقاع الحركة او الحركات التي يؤديها الاطفال اثناء اللعب كما ان هذه
الاغاني ولعبها تأخذ عدة مدلولات اجتماعية وسياسية خاصة بكل لعبة اضافة الى ما تضفيه من حيوية لدى الاطفال من خلال الرقص والدوران(22).
اهتم المختصون في دراسة الفنون الشعبية بجمع وتسجيل اغاني والعاب الاطفال وذلك للبحث عن القيم الفنية الموجودة بتلك الاغاني والتي تمتد جذورها الى اجيال عديدة، تؤدي تلقائياً وبصورة ثابتة متكررة اذ انها وراثية. ومما يدل على اصالة تلك المادة وجود العلاقة الوثيقة بين النص واللحن والحركة والايقاع اذ يرتبطون باسلوب واحد.
كما نجد ان ملكة الابداع بالنسبة للاغاني عند الاطفال محدودة بعكس كثير من انواع الاغاني الشعبية الاخرى وبخاصة اغاني الحب واغاني الفرح والمناسبات الموسمية، فعلاقة النص باللحن علاقة واهية لان ملكة الابداع مع الاحساس والشعور عند الانسان البالغ تكون السبب الاساسي في تغير النص الادبي من شخص لآخر وذلك عن طريق المحاكاة في جزوء وعن طريق الابتكار والابداع في جزء آخر… علماً بأنه لا يوجد تغيير كبير في الناحية اللحنية(23).
لهذا كان الاهتمام باغاني الاطفال لاصالتها، ووما يدل على وجود تقاليد موسيقية موروثة في مجتمعنا العراقي، هو ذلك العدد الكبير من اغاني والعاب الاطفال التي تؤدي جماعية ولا يترك للفرد فيها فرصة للغناء المرتجل، وهي تؤدي دائماً بشكل ترديدي وتجاوبي جماعي… مصحوبة بالتصفيق تلك الاغاني بحركات ايقاعية تتناسب مع اللحن السائد في اجزاء الاغاني فكل مقطع فيها له ارتباط معين بحركة معينة من جسم الطفل يؤديها اثناء لعبة وغنائه مع باقي افراد المجموعة وحركات ايقاعية لابد منها
حتى تتطابق الحركة واللحن، ولنضرب لذلك مثلاً واقعياً من بيئتنا واغانينا الشعبية الخاصة بالاطفال(24).
لعبة العماري- وهي لعبة يؤديها فريقان من البنات في سن ما دون الحادية عشرة وتؤدي على الكيفية الانتية: تتشابك ايدي كل فريق ويكون الفريقان متقابلين ثم يقومان باداء رقصة غنائية جماعية ويكون محور محور الاغنية اختيار عروس لواحد من الفريقين ويقترب الفريقان ويبتعدان عن بعضهما البعض بطريقة راقصة ويرافق الحركة هذه الكلمات الغنائية الآتية:
صبحكم الله بالخير يا العماري العماري
مساكم الله بالخير بالعماري العماري
بالله اعطونا نبتكم
ما ننطيكم هيه الا بألف او مية
جينا على دياركم ونكسر ابوابكم
والجامع توابكم وهذي عروستنا (وفي النهاية تختار العروس)
ولعل اللعب عند الاطفال من اقوى الدوافع لعملية الابداع والخلق، فنرى خلق اغان فورية تبدأ بسيطة ومن ثم يزداد عليها حتى تصبح العاباً كاملة متوارثة كما في اغنية:
طلعت الشمسية
على وجه عيشة
عيشة بنت الباشا
تلعب بالخرخاشة
صاح الديج بالبستان الله ينصر السلطان(25).
مما تقدم نجد ان الطفل يغني دون ان يعي ما يقول بشكل متكامل فهو لا يلجأ الى التفتيش عن المعنى بقدر ما يفتش عن اللحن الموسيقي والقافية وهذا بالطبع ما يناسب حركة اللعب. ولعل صياح الديك مرتبطة بالدعوة الى تقبل ولي الامر وهو السلطان.
وتعد الالعاب الشعبية متنفساً حقيقياً للفرد وطريقة لبذل الجهود والطاقة فاغلب الالعاب الشعبية ان لم نقل جميعها تعتمد على الحركة والمهارات البدنية وهي فرصة يتمكن الطفل من خلالها اكتساب مهارات وحركة تطور قدراته البدنية. لذلك نجد ان العاب البنين تختلف عن العاب البنات فجاءت العاب البنات معبرة عن الواقع الاجتماعي الذي كان يمنع البنات من مزاولة الالعاب مع البنين وبالعكس.
وتأتي العاب البنات اكثر رقة واقل خشونة وعنقاً من العاب الاولاد الذين كانت العابهم تتطلب مهارة بدنية عالية كالركض المتواصل واقتحام الازقة المظلمة وتسلق الاشجار.
ومن العاب البنات الجماعية التي تصاحبها اغنية، لعبة (هيلا يا رمانة) وتتكون هذه اللعبة من عدد من البنات يشكلن دائرة بواسطة تماسكهن من الايادي وتضع الواحدة يدها بيد الاخرى ويتم انتخاب رئيسة تكون وسط الحلقة وتقوم بترديد هذه المقاطع:
هيلا يا رمانة هيلا يمة (الردة)
من هي الزعلانة هيلا يمة
سعدية الزعلانة هيلا يمة
منهو اليراضيها هيلا يمة
ابوها يراضيها هيلا يمة
صايغ تراجيها هيلا يمة
وتكون اللاعبة الاخرى (الزعلانة) خارج الدائرة وقد ادارت ظهرها عليهن والبنات الاخريات يدرن حولها على شكل دائرة وهكذا حتى تذكر المرددة لهذه المقاطع اسماء جميع البنات المشاركات في هذه اللعبة، واخيراً تدخل الفتاة الزعلانة الى الدائرة وتشارك البنات في اللعب وهي تردد معهن المقاطع في هذه اللعبة الى نهايتها وهكذا تستمر اللعبة.
يتضح لنا من خلال الالفاظ الواردة في هذه الاغنية سبب اختيار البنات لها، فكلمة الرمانة تحيل دلالياً الى حبات الرمان المجمعة والمتزاحمة مع بعض وكأنها عقد لا ينفرط، وهذا يدل على التماسك والتلاحم بين بنات المحلة الواحدة. كما ان البنت الزعلانة يقوم اباها بمراصفاتها ويشتري لها تراجي مع الصايغ، وطلمة الصائغ بدورها تحيل الى البراعة في الصنعة او المهنة، فالصائغ الذي يقوم بجمع حبات الذهب ليصوغ منها الحلي يوحي بالتوحد والاجتماع لهذا المعدن الترابي ومن ثم بنات المحلة.
وهناك اغان يرددها الاطفال في المواسم ، فمنها في شهر رمضان المبارك ومنها ما هو في العيد، فاللعبة التي في رمضان هذه اغنيتها:
ماجينا يا ماجينا
حل الجيس وانطينا
تنطونا لو ننطيكم
بيت مكة نوديكم
هذي مكة المعمورة
مبنية بجص ونورة
الله يخلي ابنكم
ابجاه طه وياسين
يا اهل السطوح
تنطونة لو انروح
وما زال الاطفال يتغنون بهذه الاغاني حتى يومنا هذا، ولكن على نطاق ضيق في الاحياء الشعبية(26).
ملحـــق
بعض الاغاني التي لم ترد في البحث
* اغنية دللول
دللول يا الولد يا ابني دللول
عدوك عليك وساكن الجول
دللول يمة دللول
دنام والنومة عوافي
دنام يمىة والنومة هنية
(قدوري، ص 22)
* سيارة حمرة
سيارة حمرة
سحكته السمرة
جيبنة دكتور
دكتور هادي
لابس تراجي
سليمة لتطمه
( قدوري، ص )
* راح العيد
راح العيد وهلاله
وكلمن رد على جلاله
راح العيد ومركته
وكلمن رد على خركته
( قدوري، ص )
* طلعت الشميسة
طلعت الشميسه
على وجه عيشه
عيشة بنت الباشا
تلعب بالخرخاشه
صاح الديج بالبستان
الله ينصر السلطان
( قدوري، ص 155)
* مطر … مطر جلبي
مطر، مطر جلبي
عبر بنات الجلبي
مطر، مطر شاشة
عبر بنات الباشا
(قدوري، ص 199)
* الله مصبحكم باخير
الله مصبحكم بالخير
يالعماره العماره
الله يمسيكم بالخير
يالعماره العماره
ما تنطونة بنتكم
يالعماره العماره
(قدوري، ص 279)
* حجنجلي….
حجنجلي حجنجلي
ركبت فوك الحنجلي
ولكيت كبة كبتين
صحت يا عمي حسين
هذا مكان السلطان….
(قدوري، ص 213)
* غزالة غزلوكي
غزالة غزلوكي بالماي دعبلوكي
كاعدة على الشط كاعة تمشط
اجاها نومي كللها كومي
هذا حصانج اشدة واركب
لتبجين عليه ابجي على حجولج
(قدوري، ص 285)
الهوامش :
1- صالح، ماهر –العاب الاطفال واغانيهم، مجلة الفنون الشعبية (بغداد)، العدد4 السنة 1967، ص 47.
2- قدوري، حسين –لعب واغاني الاطفال الشعبية في القطر العراقي، ط1، وزارة الثقافة والاعلام، بغداد، 1980، ص11 و 12.
3- المصدر نفسه، ص 12.
4- ابو سعد، احمد – اغاني ترقيص الاطفال عند العرب، دار العلم للملايين، ط2، بيروت، 1982، ص 19.
5- المصدر نفسه، ص 22.
6- صالح، ماهر –مصدر سبق ذكره، ص 48.
7- المصدر نفسه، ص 48.
8- ابو سعد، احمد – مصدر سبق ذكره، ص 23.
9- الزهاري، فريدة – من الالعاب الشعبية للصبيان والاطفال، مجلة التراث الشعبي (بغداد)، العدد 4/ السنة 1969، ص 71.
10- المصدر نفسه، ص 72.
11- صالح، ماهر- مصدر ذكره، ص 51.
12- المصدر نفسه، ص 51.
13- البيلاوي، فيولا – الاطفال واللعب، مجلة عالم الفكر (الكويت)، العدد 3 مجلد 10، السنة 1979، ص 102.
14- المصدر نفسه، ص 102 و 103.
15- المصدر نفسه، ص 103، 104.
16- الخوري، لطفي –فلكور الاطفال، مجلة التراث الشعبي (بغداد)، العدد 6، السنة 1976، ص 32.
17- الزهاري، فريدة –مصدر سبق ذكره، ص 74.
18- المصدر نفسه، ص 74.
19- المصدر نفسه، ص 74 و 75.
20- ابو سعد، احمد – مصدر سبق ذكره ، ص 22.
21- انظر بهذا الخصوص – قدوري، حسين – مصدر سبق ذكره، عدة صفحات .
22- قدوري، حسين- مصدر سبق ذكره، ص 19 و 20.
23- البيلاوي، فيولا – مصدر سبق ذكره، ص 104.
24- الخوري، لطفي – مصدر سبق ذكره، 35.
25- انظر بخصوص ذلك – قدوري، حسين،
الخوري، لطفي،
البيلاوي، فيولا، مصادر سبق ذكرها.
26- انظر بخصوص ذلك – قدوري، حسين
الزهاري، فريدة، مصدر سبق ذكرها