الدكتور محمود الكروي.. كما عرفته

الدكتور محمود الكروي.. كما عرفته

لست معتادا الكتابة عن سيرة الأصدقاء وثمة خصوصية خاصة للصديق الدكتور محمود الكروي، صديق عمري الذي تعرفت عليه في دار الكتب والوثائق عام 1987 وهو خريج جديد نال شهادة الماجستير في النظام السياسي المغربي ونال ذات التخصص في شهادة الدكتوراه ثم الاستاذية الاكاديمية في عين الاختصاص، ما يربطني بشخصه العزيز الكثير من الأمور الشخصية تبدأ بنزاهة النفس والترفع عن الصغائر وتعظيم المعرفة وإدراك السبق البحثي في ذات عين الاختصاص.. الشؤون المغاربية.
وجهة كتابة هذا العمود، الإصدار الأخير عنه في كتاب حمل عنوان ((الأستاذ الدكتور محمود صالح الكروي واسهاماته في كتابة التاريخ المغاربي)) لمؤلفه عمار عطا الله الجبوري، في الأصل شهادة ماجستير في التاريخ السياسي تم تطويره في صيغة هذا الكتاب الصادر عن دار رؤى للطباعة عام 2024.
حين سعى المؤلف في كتابه التطرق الى مختلف الجوانب المعروفة في السيرة العلمية وهي حالة ربما ينفرد بها الدكتور الكروي عن زملائه في  العلوم السياسية، حيث تناول نشأته الاجتماعية وتكوينه الثقافي والعلمي واثاره العلمية ونشاطه الفكري ومنهجيته البحثية واسهاماته العلمية  وقراءاته للتطورات المغاربية سواء في المغرب او الجزائر وتونس وموريتانيا ، حاول الباحث الالمام بكل جوانب  السيرة الاكاديمية والنتاج المعرفي  للدكتور الكروي، والسمة الأهم الغالبة فيه الاختصاص الدقيق في التعاطي مع الشؤون المغاربية  بمنهجية فكرية متحفزة تلاحق تطورات الاحداث وتحليلها بمعرفة التحولات التاريخية  لاستشراف مستقبلها ، وتلك ممدوحة تغلب ابحاثه ومقالاته، فيما لم يجمع الدكتور الكروي كل نتاجه المعرفي في موسوعة تترك للأجيال والباحثين  في الشؤون المغاربية، ليس فقط لطلاب المعرفة الاكاديمية عراقيا ومشرقيا، بل لطلاب الدول المغاربية  ومكتبات جامعاتها الذين ينهلون من معرفته بمتغيرات  الواقع السياسي لبلدانهم ما يتطلب الاتصال به اكثر مرات ومرات لمساعدة الجماعات في الوصول الى مصادره العلمية  بغية  الاستفادة منها في الاطاريح الجامعية  .
ولست أدرى سبب عدم اعتماد الدكتور الكروي منهج جمع بحوثه ونتاجه المعرفي في مثل هذه الموسوعة، لاسيما وانه تميز بما لم يستطع الباحث في كتابه عن سيرته الشخصية الالمام به في حالة الايثار الأكاديمي التي يتميز بها في التعامل مع الطلاب وأبرزهم طلاب الدراسات العليا سواء مشرفا أكاديميا او في تقديم يد العون والإشراف غير المباشر على الكثير من الاطاريح الجامعية ناهيك عن دوره في المناقشات التي يكلف بها عضوا او رئيسا للجنة المناقشة العلمية في مختلف الجامعات العراقية.
  يضاف الى ذلك ، وبحكم  معرفتي بشخصه  الكريم ، حالة  التشخيص الدقيق في  النصح  والإرشاد  للطلبة  في  تبيان الأفضل اكاديميا  وليس فقط  مساجلة الأستاذ لطلابه ،كما يفعل الكثير من الأساتذة  في عدم تعظيم  العلاقات مع طلابهم وتحويلها الى علاقات زمالة  اكاديمية  تحتفظ بذلك الحاجز  بين الأستاذ والطالب ، فيما تعكس شخصية  الاستاذ الكروي في العمل على كسر هذا الحاجز  وانطلاق  الطالب للتفوق على استاذه في ذات اختصاصه اذا ما تمكن من ذلك بحبور وسرور منه ، فضلا عن توفير  تلك المساحات الواسعة  من تراكم المصادر  المعرفية في اختصاص متناظر في الشؤون المغاربية ، تاريخيا ، اجتماعيا، انعكاس كلا الحالين على النظم السياسية ، وطبيعة العلاقات الحزبية داخل كل نظام سياسي في الدول المغاربية من جانب، ومن جانب اخر انعكاس كل ذلك على العلاقات الخارجية لهذه الدول ، في دلالة كبيرة للإحاطة  بكل وقائع هذه المنطقة  في  بوتقة  واحدة عنوانها اختصاص الدكتور الكروي بالشؤون المغاربية .
وما بين هذا وذاك، وجدت في هذا الكتاب، ان الصديق الكروي أفضل من يحافظ على سيرته الوظيفية في توثيق كل حركاته من موقع الى اخر بالوثائق الرسمية والاحتفاظ بنسخ منها احسده عليها فقليل جدا من موظفي الدولة العراقية يحافظون على سيرتهم المهنية مثله كدلالة أخرى على عمق شخصه المهني.
ملاحظتي الأخيرة التي لم يستطع كاتب هذا الكتاب تناول موضوعها، تشبع روح الدكتور الكروي بالكرم المعرفي حيث ينهل الكثير من طلاب العلم في الدراسات العليا، سواء كانوا من طلابه او من غيره من المكتبة الشخصية في منزله واستقبالهم بكل رحابة صدر وكرم “كروي ” متميز تجعل الطلاب امام فرص حقيقية لتسهيل اعمال حصر نطاق المصادر المعرفية في منهجية البحوث والاطاريح الجامعية وتلك لعمري من أصعب المهمات التي يمرر الطلاب في الدراسات العليا
كل تحايا الاعتزاز والتقدير لشخص الصديق الصدوق الأستاذ الدكتور محمود صالح الكروي، ودام اخا عزيزا وصديقا وفيا …ويبقى من القول لله في خلقه شؤون!!