9 أبريل، 2024 12:18 م
Search
Close this search box.

الدكتور مجيد القيسي وموسوعته القيمة (اللغة العامية البغدادية)

Facebook
Twitter
LinkedIn

قبل اسابيع وصلتني هدية قيمة بالبريد هي (موسوعة اللغة العامية البغدادية اصولها وابنيتها ومعجم الفاظلها) الصادرة حديثا عن مطابع دار الاديب في عمان، ورغم انني قرأت مبكراً وانا على اول درجات السلم المهني الصحفي كتابات جميلة بقيت عالقة في الذهن تناولت ( العامية البغدادية) من زوايا مختلفة  في مجلة (الفكاهة) العراقية كتبها الراحل فؤاد جميل، ومن بعده زميلاي في المجلة طلال سالم الحديثي ومحمد علي الكاظمي، ثم واصلت تلك القراءات وانا ارتقي درجات السلم المهني الصحفي حين تمكنت بمعونة زميلي الراحل رشيد الرماحي من استقطاب كتاب لمعوا في تناول ( العامية البغدادية) في جريدة (الاتحاد) يذكرهم المؤلف في مقدمته شاكراً لهم فضلهم عليها، (الشيخ جلال الحنفي وعزيز الحجية).
الشيخ الحنفي كتب معنا عموداً اسبوعياً شيقاً تناول في بعض حلقاته ( العامية البغدادية) ، اما عزيز الحجية فقد كتب العديد من المقالات والدراسات في (الاتحاد) وزميلتها (الحضارة) ومازلت اذكر له واحدةً من تلك المقالات الرائعة كان عنوانها (اصوات اختفت من درابين بغداد) ذكرتني بها موسوعة صديقي الدكتور مجيد القيسي التي اعترف بانها اضاقت لي الكثير بعد قراءتها ، فقد اخرجتني من قراءآت متفرقة الى مادة كتبت باسلوب اكاديمي علمي اعادتني الى اجواء بغداد التي عدت اليها بعد غياب طويل في عام 2004 لأجدها ليست بغدادي التي عرفتها في شبابي، وغابت فيها عن اذني المفردات البغدادية الاصيلة التي تقدمها موسوعة الصديق العزيز .
ولايمكنني في سطور سريعة ان اتناول السيرة العلمية والثقافية للمؤلف الذي قام بتدوين بعض جوانبها على الصفحات 5 و 6 من الموسوعة ، فهو الباحث المتخصص، والاستاذ المتمكن من اختصاصه، والعميد الجامعي، والمستشار في العلوم، وصاحب العديد من الكتب الجامعية في حقول الكيمياء الاشعاعية والتحليلية ، والخلاصة فان الدكتور مجيد القيسي المغترب اليوم في (هاملتون) الكندية هو مجموعة علمية في شخص واحد ، ويضاف لمراكزه العلمية  اهتمامه بالتراث العراقي والبغدادي منه على وجه الخصوص  وكتاباته عنه حيث كتب العشرات من البحوث والمقالات في اصول وتطور الالفاظ العامية البغدادية بصفة خاصة وصدر له في عام 1990 عن دار الشوؤن الثقافية في بغداد  (معجم الالفاظ الاجنبية في اللغة العامية العراقية ) ، دفعه حبه بل قل عشقه لبغداد واهلها الى ان ينكب في غربته شهوراً طويلة لأنجاز موسوعته الرائعة التي تصدرها اهداء قال فيه (الى الذي نقش اول حرف على الصلصال وتفرد بنطق حروف البشر الى العراقي الاصيل).
 في مقدمة الموسوعة ينقل الباحث ..
قال الامام الشافعي لصاحبه يونس : يا يونس ادخلت بغداد؟
قال لا !!
قال يايونس ما رأيت الدنيا ولا رأيت الناس.
ومن شعره هو في بغداد كتب الدكتور مجيد القيسي في المقدمة:
بغداد كم هانت عليك محبتي          افلا سالت الليل حين يعود
قد كان وعداً ان نكون لعشقنا         ابد الدهور وزادنا التنهيد
مازلت اذكر خلوةً شقنا لها           عند الجنينة والعيون ورود
اذ كان ريح الطلع يعبق ضمنا        وعلا طنين النحل وهو غريد
والعود يشدو بالحجاز وبالصبا       والناي يصدح بالنوى: بغداد
عهد عليٌ حبيبتي اللا ارى            دار السلام يسوسها النمرود
يقول المؤلف في تصديره للموسوعة :
(تسعى الامم الناهضة الى رعاية موروثها الفكري والاجتماعي والثقافي والحفاظ عليه ونشره ودراسته وفق اسس علمية منهجية واضحة وبخاصة اللغات المحلية المحكية واصولها ولهجاتها ولكناتها المختلفة ولاهداف شتى  منها ماهو اكاديمي ومنها ماهو اجتماعي وثقافي وسياسي . ولقد اوليت هذا الموضوع الحيوي الجذاب اهتماما خاصا باعتباري احد ابناء بغداد الحبيبة والعاشقين لتراثها فقمت على متابعة تطور اللغة البغدادية واصولها وابنية الفاظها ولهجتها السائدة وتقلباتها على مر العقود الماضية من السنين وحين ولجت هذا الباب الواسع وجدت خلفه ارثا غنيا من الاعمال التراثية التي قدمها الرواد الاوائل) .
 (من التصدير) نفهم ان الموسوعة تضم اكثر من 3000 كلمة عامية عربية واجنبية مع ما يقابلها من الفاظ عربية فصيحة يقول الكاتب (توخيت منها في المقام الاول معاونة الفئات المختلفة من المجتمع ليتعرفوا على ما يقابل الكلمة العامية في اللغة العربية الفصحى من خلال عدد من المترادفات المتباينة لأختيار ما يناسب حاجاتهم واذواقهم كما رسمت الالفاظ العامة الاجنبية بالحروف العربية لتسهل عليهم قراءتها).
تضم صفحات الموسوعة المدخل الذي يتناول نشأت اللغة العامية البغدادية وتطورها  وفي البداية يجيب الباحث على تساؤل هام هو  السبب الذي دفعه كباحث الى ترجيح مصطلح (اللغة) على (اللهجة) ؟ فيقول ( ان اللغة بمفهومها العام اوالسائد في الاوساط التراثية او الثقافية هي اكثر توصيفا للكلمات وانساقها التي يتحدث بها البغدادي عموما من (اللهجة) . وهو ماسار على نهجه الباحثون والكتاب العراقيون الاوائل وفي مقدمتهم الشيخ جلال الحنفي في كتابه المعروف (معجم اللغة العامية البغدادية). ويعرف (ابن منظور) صاحب (معجم لسان العرب) (اللغة) بانها (كلمات يعبر بها قوم عن اغراضهم ) . وهو التعريف الشائع بين عموم الناس . اما من الوجهة العلمية فهي انساق من العلاقات يمكن التواصل بواسطتها بين البشر او هي وظيفة للتعبير الكلامي عن الفكر الانساني داخليا وخارجيا . اما (اللهجة) فهي اسلوب في الحديث يمارسه الناس الذين يعيشون في منطقة معينة من البلاد . فهم يتحدثون بلغتهم الام ولكن بطريقتهم الخاصة مثال ذلك سكان مدينة (العمارة) او مدينة (البصرة) او مدينة (عانه) بينما تعرف (اللكنة) بكونها كلام الناس الذين ينطقون الكلمات الخاصة باللغة السائدة ولكن بنبرتهم التي يتميزون بها . مثال ذلك كثير من الكورد والمواصلة والتكارتة والكربلائيين الذين يتحدثون بالبغدادية بلكناتهم المتميزة. وعلى الرغم من وحدة وتجانس اللغة البغدادية نسبيا ، غير ان بمقدور المتخصص في شوؤن اللهجات ان يلمس بعض الاشارات الكلامية والملامح الصوتية المتباينة بين مختلف سكان محلات بغداد القديمة والتي تدل على اصولهم ومنابتهم ، اما الرطانة فهي طغيان الكلمات الدخيلة والعامية في الحديث اليومي لفئات معينة من عامة السكان  . وخصوصااولئك الغرباء الذين لم يندمجوا بعد في الحياة اليومية للبغادة .
 وفي المدخل يضع المؤلف مفاتيح الرموز والاشارات التي تشير الى اصل اللفظة أو التاكيد عليها.
في فصل  مباحث اللغة العامية البغدادية يركز الكاتب على خصائص اللغة العامية البغدادية وقواعدها وابنيتها مقارنة بالعربية الفصحى، حيث يتناول (نطق الحروف في العامية البغدادية وقلبها وابدالها) وبناء الافعال العامية المزيدة والمركبة، وبناء الافعال العامية البسيطة، والمطابقة بين الفعل و الفاعل في العامية البغدادية، وافعال المقاربة والرجاء، والمصدر والمصدرالصناعي، وصور اسم الفاعل، وصيغ اسم المفعول، و اوجه الوصف في العامية، وتبسيط الافعال والعبارات واختزالها، والضمائر في العامية البغدادية، والنعت والمنعوت في العامية، واوزان الجموع عند العامة، واداوت النسبة في العامية البغدادية، واسماء الاشارة والتنبيه والخطاب، والعامية البغدادية واخوات كان، وان واخواتها، وادوات الاستفهام وادوات النداء في العامية، والحال والتمييز، والمفعول المطلق، والتوكيد، واو المعية، والمفعول معه، وحروف العطف، والاستثناء، وصيغ التفضيل، وادوات التعجب، وصيغ المديح والذم، والاستغاثة والندبة، وصيغ التصغير، واسماء الكناية، والاسماء الموصولة، والعدد في العامية البغداية ،والتعبير عن اصحاب المهن والحرف واوصافهم ،وبعض الالفاظ المشتقة من الاصوات،  مع امثلة على كل بحث من المباحث المذكورة لتأتي بعد ذلك صفحات معجم الالفاظ العامية البغدادية مفهرسة حسب الحروف الابجدية.
ان موسوعة الدكتور مجيد القيسي عمل يستحق ان نقف امامه باعجاب وتقدير خاصة وانه ياتي في ظل مخطط  واضح لمحو هوية بغداد واهلها
تقع الموسوعة في (430) صفحة من الحجم الكبير  وصدرت عن مطابع دار الاديب في العاصمة الاردنية عمان
[email protected]

مقالات اخري للكاتب

أخر الاخبار

كتابات الثقافية

عطر الكتب