22 ديسمبر، 2024 10:39 م

الدكتور علي الوردي .. قراءة جديدة

الدكتور علي الوردي .. قراءة جديدة

عن دار ” نيبور ” للطباعة والنشر صدر مؤخراً للباحث والمحقق ” صادق جعفر الروازق ” كتا ب ( الدكتور علي الوردي … مقاربات اصلاحية في فهم الدين والذات ) ، حاول فيه تسجيل معالم قراءة الوردي لمفهوم الدين وأثرها في لم شتات وحدة المسلمين العراقيين بعد ( ان تركت القراءات المذهبية خنادقاً وبؤراً جاهزة للتفجير الطائفي ) وكذلك قراءته الواعية في التمييز بين رجال الدين المصلحين وبين الادعياء الذين أطلق عليهم حصراً بـ ( وعاّظ السلاطين) .
وللتعريف بالدكتور الوردي يستعين الكاتب بمقولة البروفسور جاك بيرك ( الوردي كاتب يحلّق الى العالمية باسلوبه الذي يضرب في المناطق الحساسة في المجتمع كفولتير ) ثم يتناول أبرز السمات التي تميزت بها عقلية الوردي ويوجزها بـ : التواضع ، الجدلية ، الديمقراطية ، الوطنية العراقية ، الليبرالية ، نقد الموروث الفكري وينتهي الى ان الوردي ( لم يكن يساريا رغم ايمانه ودعواته المتكررة للثورة والتغيير في مجالي الثقافة والفكر ص 21 ) . كما يتوقف عند أبرز ملامح دراسته للواقع العراقي في ضوء نظريات : ( مايكفر ) في ازدواج الشخصيـة ، ( ابن خلدون ) في صراع البداوة والحضارة ، ( اوكيرن ) في التناشر الاجتماعي ، ويجد الباحث ان أسباب ماتعرض له الوردي من حملات تشويه ومحاربة من قبل ( وعاّظ السلاطين ) يعود الى ماقام به من نقد لسلوك هؤلاء الذين استغلوا ( قدسية الواعظ وانطباعها في العقلية العراقية ، ولدّت صعوبة التفكيك بين نقد الدين وبين نقد الواعظ الديني ص 23 ) .
ثم يتناول مصادر كتب الوردي فيوجزها بالكتب والمقالات اضافة الى تقارير الطلبة عن موضوع المجتمع العراقي التي كان الوردي يطلبها في نهاية كل عام عندما كان استاذا في علم الاجتماع بجامعة بغداد والتي وفرت له مادة كبيرة في معرفة احوال المدن العراقية المختلفة .
وعن تكريم الوردي الذي جاء متأخرا عام 2005 يستعرض الباحث وقائع احتفالية المنبر الثقافي العراقي التي جاءت بعد عشر سنوات من رحيله والتي شاركت فيها نخبة من مثقفي ومفكري العراق حيث تناولت هذه الفعالية ارث الوردي واسهاماته الكبيرة والفاعلة في الحياة الفكرية والاجتماعية والسياسية العراقية .
ويتوقف الباحث عند ظاهرة ازدواج الشخصية عند الفرد العراقي التي تركت عمقا تخريبيا في البنية الاجتماعية وأحدثت شرخا في التركيبة النفسية للفرد ، فيّبين جهود الوردي وذلك من خلال التمييز بين ازدواج الشخصية كمرض وازدواج الشخصية كظاهرة اجتماعية تحصل في اغلب المجتمعات ملخصا اسبابها في نزعة الجدلية التي تجعل من الفرد مثاليا في مطالبه وتصوراته وكذلك انتشار القيم البدوية في المجتمع العراقي التي ساهمت مساهمة فاعلة في خلقها بين صفوفه ويضيف الكبت الى جانب هذه الاسباب . وكذلك محاولة الوردي احصاء بعض الدوافع المتأصلة والمكتسبة عند الانسان التي غالباً مايظهر بعضها على سلوكه مهما حاول التنصل منها أو التستر عليها ويورد عددا منها ابرزها : الحسد ، الوسوسة ، الشكاسة ، دافع السرقة ، دافع المماطلة ، دافع الحرص وغيرها ، ثم يسلط الضوء على اهم كتب الوردي ومنها دراسة شخصية الفرد العراقي و دراسة في طبيعية المجتمع العراقي وكذلك رأي الوردي في موضوع الخلافة مشيرا الى ان موقفه في هذا الحقل قد استعاره من ابي حيان التوحيدي الذي يرى ان ( العصمة في الدين لاتحتمل الخصومة ) .
ويرى ” الروازق ” ان الوردي مفكر واقعي ، وفي نظرته استشراف للمستقبل ، ففيها اشارة الى آلام المخاض التي ترافق انتقال المجتمعات الى النهج الديمقراطي بعد سنوات طويلة من الثقافة الاستبدادية كما انه ديمقراطي في نهجه ورسالته حيث يرى ( ان رأس مال الحياة هو الانسان ، وخلق الانسان حرا فلا يمكن اجباره على اعتناق مذهب أو دين او عقيدة خلاف مايعتقد به فضلا عن اعتقاده الكامل بحركية الاجتهاد عند الفقهاء ومراعاة الظرفين المكاني والزماني وأثرهما في دلائل الاستنباط ص  174 ) .
ان ” وعّاظ السلاطين ” هو واحد من اهم كتب الدكتورالوردي المثيرة للجدل فقد اتهم فيه رجال الدين بأنهم لم يستطيعوا ان يجاروا التغيير الفكري الذي حدث في العصر الحديث ، الامر الذي أثار حفيظتهم ونقمتهم ، كما يرى الباحث ان الوردي لم يكن متطرفا في نظرته الى رجال الدين بالشكل المطلق ويورد لاثبات ذلك عددا من آراء الفقهاء والمجتهدين الذين انصفوه والتي خففت كثيراً من غلواء الوعاّظ عليه .
ويتوقف الباحث ايضاً عند رؤية الوردي للدين وحركيته في المجتمع فيرى ( ان الوردي من المفكرين والعلماء الذين يجعلون من الدين ايديولوجيا تتضمن الايديولوجيات الدنيوية ، اي انه يبتغى من الدين نظاما اجتماعيا تتوفر فيه العدالة والمساواة  ص 204 ) دون ان يؤمن بحاكمية السلطة الدينية في المجتمع وبهذه الرؤية يلتقي مع كثير من المفكرين الاسلاميين الذين يرون عدم مسايرة بعض الاحكام الشرعية الاجتهادية ، كما انه ينظر الى الدين كوسيلة للتحرر من الانعتاق والعبودية ويرى الوردي وعالم الاجتماع علي شريعتي يتفقان على الاختلاف بين الفهم والعلم للقراءة الدينية فكللاهما يبحثان عن الوجدان الذي يقف فاصلا بين العلم بالدين وبين فهم الدين  كما يرى موقف الوردي من المرأة موقفا ايجابيا  فقد تعاطف مع اوضاعها وبحث كثيرا في عادات وتقاليد المجتمع وأثرهما في عطاء المرأة وساخرا من النظرة المتخلفة لها ومؤمنا بأن ( القيم الحضارية لابد ان تنتصر في نهاية المطاف ، شئنا ام أبينا ص 228 ) .
 ان قراءة الباحث والمحقق ” صادق جعفر الروازق ” للنص لم تكن قراءة تقليدية داخل محيط التداول المألوف وبعيدة عن الاجتهاد والتدخل في حيثياته انما هي قراءة تعتمد على مناهج حديثة في البحث وهو مالمسناه في تحقيقه لكتابي عزيز السيد جاسم ( علي … سلطة الحق ) و ( محمد الحقيقة العظمى ) وهذا ما يؤكده كتابه الجديد ( الدكتور علي الوردي ….. ) الذي يعد اسهامة طيبة في تسليط الضوء على منجز هذا المفكر المثير للجدل .