19 ديسمبر، 2024 12:54 ص

الدكتور طه جزاع : أرسطو كان يمشي بالفلسفة على الارض.. وأفلاطون سار بها الى الأعالي!!

الدكتور طه جزاع : أرسطو كان يمشي بالفلسفة على الارض.. وأفلاطون سار بها الى الأعالي!!

لقاء تلفزيوني ، أكثر من ممتع ، أطل به  الدكتور وزميل العمر الاستاذ طه جزاع ، في برنامج (بصمة) ليلة الاثنين 26 كانون الاول 2016 ، من على منبر قناة (ديوان) الفضائية،التي كانت المبادرة في إستضافة كبار الباحثين والشخصيات الثقافية والاعلامية والادبية والفلسفية التي شغلت الفكر السياسي والصحفي والثقافي عموما، وكانت لها مكانتها المرموقة، وهي كنوز العراق وذهبه النقي ومعادنه النفيسة ، ومن يرتقي بهم كل متطلع الى المثل الرفيعة الى علياء السماء!!
الدكتور طه جزاع في هذا الحوار الجميل ، وضع النقاط على الحروف ، في شرحه لمفهوم الفلسفة واصولها وكبار مفكريها ، وقد أبدع الرجل في شرح مضامينها ، وتبسيط معانيها حتى اعاد الى الاذهان ان الفلسفة تعني (حب الحكمة) اي ان الفيلسوف ليس حكيما كما كان يعتقد البعض ، بل ان الفيلسوف هو من يهوى الفلسفة ويحبها او يعشقها ،وقد أوضح ان الفلسفة تعني التواضع وان استاذ الفلسفة يبقى (طالب فلسفة) مهما علت مكانته ، ولا يسمى فيلسوفا ربما الا للرعيل الاول من الكبار الذين سبقونا في هذا المضمار وكانت لهم نظرياتهم التي اصطرع العالم من اجلها لسنوات ، لكنها الان تشهد حالات خفوت، بعد أن أفل نجم الفلسفة لصالح طغيان المادة والطبيعة على القيم المثالية والروحية التي هبطت بنا الى مادون سطح الارض ، وتعد الولايات المتحدة ودول اخرى احدى من أنهت هذا الصراع الفكري وغيبت عقول البشر، وكأن البشر والكون أصبح مرهون الارداة لها، وهو الان كما يبدو ، غير قادر على الخروج من طغيانها الرهيب!!
لقد اوضح الدكتور طه جزاع حقيقة تيارين او اتجاهين للفلسفة احدهما مثله افلاطون وهو يسير بالقيم العليا المثالية الى الأعالي ، وهو يهتم بالروح والنفس الانسانية وما تسمو وتطمح اليه في الرفعة والعلو والمكانة المرموقة، وبين أرسطو الذي حاول ان يهبط بالفلسفة ليجعلها تمشي على الارض ، واطلق على نظريات أرسطو وفلسفته، بـ (الفلسفة المشائية) أي تلك التي تمشي على الارض، ويقصد بها تطويع  المنطق المادي الجدلي وقوانين الطبيعة ، التي ارست دعائم الفلسفة الواقعية المادية، على عكس مفهوم أرسطو العيا، التي طار بها ترفرف في الأعالي ، لتسمو القيم الانسانية والمثل الرفيعة وتزدهر الافكار وتصطرع في اطار قيمي مثالي ، يحاكي الروح والنفس الانسانية التي يصعب التكهن في سبر أغوارها، وقد قرب لنا الدكتور طه جزاع الكثير مما خفي او كان غامضا ، او مما يصعب تفسيره ، وكان الرجل بسيطا ، في توضيحه للكثير مما خفي عن كثيرين من الاجيال الحالية التي لم تهتم منذ عقد من الزمان بجدل من هذا النوع، بعد أن اصيبت الفلسفة بموت بطيء ، يوم أنهت الدول الكبرى وعلى رأسها الولايات المتحدة ، في ظل عصر الهيمنة والتسلط أي مفهوم لصراع فكري أو جدلي او روحي او مثالي، وانتقلت بالقيم الى الرفيق الأعلى ، وحملت نعشها الى مثواها الأخير، من وجهة نظري!!
وكان اللقاء الاخير مع الدكتور طع جزاع ، فيه اضافات نوعية وقراءات فلسفية ، أنستنا هموم الحياة عن التمعن في مضامينها وصراعاتها الفكرية التي كانت تحرك فينا جذوة العقل وشعلة التوقد الفكري الجدلي، ليعيد بنا الحياة الى أيام السبعينات والثمانينات ، يوم كانت تعد العصر الذهبي للفلسفة وللصراع الفكري ، وهو نفسه من اوصل كل أؤلئك الشباب بعد كل تلك السنوات الى ان يصعدوا قمم المجد ، ليكونوا اعمدة البلد وأركانه المشعة نورا وألقاء ومجدا وكبرياء، لتعانق عقولهم كبرياء السماء الى حيث القيم العليا والمثل الرفيعة وهم يحدوهم الأمل بأن عراق المجد والحضارة لحري به أن يبقى في الأعالي ، وهو يمتلك كل هذا الارث الحضاري الشامخ ، ما يرفع رؤوسنا الى السماء!!
الدكتور طه جزاع، الذي دخل غمار الصحافة وسلطتها الرابعة منذ منتصف السبعينات ، وما يزال قلمه حتى هذه اللحظة ، يركب خيله ليصهل بجواده بين ربوع عرش صاحبة الجلالة ، وكانت له بصمته في انه بقي وفيا لحرفته الصحفية بالرغم من ان اختصاصه كان في الفلسفة ، وهو وان طغى الجانب الصحفي والمهني الصحفي على أغلب فترات حياته ، وكانت همه الشاغل الا ان الرجل أظهر لنا انه مايزال طالب فلسفة مجتهد ومبدع ، يعيد صياغة مفاهيم الفلسفة ويبسط معانيها ، الى الدرجة التي بمقدور أي مثقف بسيط ان يفهمها او نشجعه على سبر أغوارها، وقد أجاد الدكتور طه جزاع في هذا الحوار الممتع أيما إبداع، وأعاد بنا تلك الايام الجميلة ، التي اشتركنا نحن ابناء الاسرة الصحفية في السبعينات مع احد مواد الصحافة المهمة وهو درس الفلسفة ، الذي كان يعد من وجهة نظري من افضل الدروس التي أججت عقولنا نحو ركوب معالم الابداع ، وهي من غذت فينا كل هذه العلوم الروحية المادية وصراعاتها وتشبعنا بها حد انها كانت معيننا الذي لاينضب، وهي من أوصلتنا الى كل تلك المكانة التي تشكل مصدر اعتزازنا ، وفخرنا وما يغذي كوامن الروح الانسانية بالقيم والمثل العليا ، التي ضاعت للاسف في الزمن الجديد!!
لقد سرد الدكتور طه جزاع الكثير من اساتذة الفلسفة ممن تتلمذ على ايديهم في منتصف السبعينات او الثمانينات وعدد فضائلهم وسماتهم الابداعية والاخلاقية الفريدة ، لكنه نسي دون قصد ان يشير الى الاستاذ المرحوم حازم طالب مشتاق ، الذي يعد من وجهة نظري احد من أرسى بين جنباتنا معالم الفكر القومي العربي الأصيل،ووضع العدالة الاجتماعية او ما سمي بـ (الاشتراكية) هي المضمون الاكثر تعبيرا عن تلك العدالة الاجتماعية ، والرقي بها الى حيث القيم العليا والمثل الرفيعة، فله منا كل تحية وتقدير!!
شكرا للدكتور طه جزاع (طالب الحكمة) الذي بقي أمينا لمهمته ، وقد أوضح للكثيرين ممن غابت عنهم الكثير من الرؤى عن مفهوم الفلسفة ان الفيلسوف انسان بسيط متواضع ، وهو كلما غطس في عمق الفلسفة زاد جهلا بحقائق كثيرة ..فله منا كل تحية وتقدير.. وعسى ان نكون قد وفقنا في عرض  بعض ما حاول الاستاذ طه جزاع ان يسبر أغواره ، في هذا الحوار الجميل ، وقد أمتعنا كثيرا وسار بنا الى حيث ترتقي الكلمة والعقل البشري ، لتبخر عباب بحور العلم والفلسفة في أبهى صورها!!