23 ديسمبر، 2024 2:56 ص

الدكتور خلف بين بحبوبة العيش وكابوس الموت المتدلي

الدكتور خلف بين بحبوبة العيش وكابوس الموت المتدلي

مذكراتي _ حلقة 2
الدكتور خلف بين بحبوبة العيش وكابوس الموت المتدلي…………….
المذكرات تعتبر في العالم المتحضر من أهم المرايا العاكسة لثقافة المجتمع ومدى قدرته على قراءة مسيرة الحياة ومسار الأحداث ، وتقدر المجتمعات المتمدنة هذا النمط من الكتابة باعتبارها من المستندات التي توثق قضايا العصر وشؤون المجتمع ،كما أنها في نفس الوقت وسيلة رائعة للتخلص من الآلام واللحظات العصبية التي يمر بها الكاتب ، حيث يكتب جزءيات الحالة التي يمر بها أو يقتنص مسلسل حياته واهم المحطات التي اثرت على تراكماته العقلية والعملية ، حتى لا يفقدها وينساها، كما تساعد المذكرات اليومية على تنشيط الذاكرة حتى يسهل الرجوع إلى هذه الأحداث في يوم من الايام ، وبالتالي هي محاولة للتنفيس عما يعتمل في النفس لتعكس حالة صحية نفسية راقية ….
وقد لجات مراكز البحوث والدراسات في الغرب إلى المذكرات للتوثيق السياسي والتاريخي والقانوني وحتى الاجتماعي لتكون بذلك المذكرات نافذة تطل على احداث المجتمعات ووقاءع التطورات ، وتستقرء الحياة بادوات ثقافة صاحب المذكرات وباسقاطاته النفسية وادواته الفكربة لتكون مصدرا وعطاءا للاجيال القادمة لتطالع تلك الأحداث وتفك طلاسمها وتحل الغازها وتفهم الواقع المعاش آنذاك والمؤثرات التي لعبت في بلورته وصقله.
هذه الحقيقة شجعتني لاسبر اغوار مذكرات الدكتور خلف عبدالصمد باعتبارها نابعة من تجارب حياتية تصور لنا طبيعة الحياة في البصرة وهو طفل يحبو في احضان العاءلة الكريمة ، ويرتاد ازقة البصرة ويتنفس هواءها المعطر براءحة النخيل والسدر والنبقات والطيبة….
المذكرات باجواءها وظلالها تكشف لنا بيءة الطفل الذي تقلب بین بحبوحة الحياة في حي المعقل ذلك الصرح الجميل واهم مناطق البصرة الغناء في ذلك الوقت ، وكابوس الموت الذي كان يتدلى ليلتقم اخوته واحدا تلو الاخر ، الأسرة المنكوبة باعزاءها وابناءها الخمسة عشر لابد أن تعكس شحوبا في نفسية العاءلة ولابد أن تترك ندبا غاءرة في العمق لتحفر دروبها في مجريات الأحداث القادمة ، ولابد أن تختزل في نفس الشخص الأخير تلك الجرعة المرة وان تلقي بكاهلها على مسيرته ونفسيته ونمط مشاعره…..
السبر السيكولوجي للشخصية التي عايشت هكذا احداث يؤكد أن الواقع القاسي بهذا الشكل من جرعات المخاوف لابد اما أن يتنج شخصية انطوائية قلقة مضطربة ، تعاني من رهاب الموت، واما أن يجسد شخصية أخرى سلبية تتمتع بحالة من اللامبالاة وتحاول الاستمتاع بالحياة في محاولة للتهرب من كابوس الموت الزاحف في حنايا النفس وفي خبايا اللاعقل…..
لكن متابعة المذكرات توحي بشيء آخر وهو أن هذه المحنة وهذا الكابوس شكل رافعة معنوية راكمت القوة الارادية لدى صاحب المذكرات لانه استلهم من هذه المعاناة فلسفة الحياة ولغة الحقيقة ، لان الموت حق وان الوصول للنعيم لابد أن يمر بطريق المعاناة والالم المضني ، باعتبار ان التجربة تصقل الانسان وتمنحه القوة الروحية للوصول إلى الأهداف السامية الكبرى …
هذه المعادلة الصعبة هي التي أنتجت شخصية الدكتور خلف سيما وان العاءلة كانت متمسكة به باعتباره آخر العنقود وانه بقية الحصاد لذلك سمته باسم الجد تيمنا به من اجل ان يستمد التواصل مع جذور العاءلة ومع سماتها الاريحية ويحمل رسالتها في الحياة وفي الوجود …..