الدكتورة زينة الشبيبي نَفَسُ المسرح العراقي ونبض نقده الجمالي

الدكتورة زينة الشبيبي نَفَسُ المسرح العراقي ونبض نقده الجمالي

في مدينة الحلة، حيث تهجع بقايا التاريخ على ضفاف الفرات وتتنفس الجمال ببطءٍ النخيل وهدوء السنين، وُلدت زينة كفاح الشبيبي يوم الثاني من تشرين الأول عام 1976، لتغدو فيما بعد إحدى العلامات البارزة في المشهد المسرحي العراقي، لا كممثلة أو مخرجة وحسب، بل بوصفها ناقدة حفرت اسمها في الصخر، ورفعت من شأن النقد بوصفه فعلاً إبداعياً لا يقل عن التأليف والإخراج والتمثيل.

درجت زينة على عتبات المسرح منذ نعومة فكرها، فبعد أن أتمّت دراستها الأولية والثانوية في مدينتها، التحقت بكلية الفنون الجميلة – قسم المسرح، وتخرجت فيها عام 1998، وقد بدا منذ بداياتها أن المسرح ليس مجرد تخصّص أكاديمي بل قدرٌ وعشقٌ ومسؤولية. هذا الشغف دفعها لإكمال دراستها العليا، فنالت شهادة الماجستير في الفنون المسرحية من جامعة بابل عام 2006 بدرجة امتياز، ثم واصلت الرحلة إلى ذروة العلم لتنال شهادة الدكتوراه في فلسفة الإخراج المسرحي عام 2013، وبدرجة امتياز أيضاً.

لكن زينة الشبيبي لم تكن باحثة فحسب، بل كانت مشروعاً ثقافياً يتفتّح في أكثر من جهة. فهي أستاذة في كلية الفنون الجميلة – جامعة بابل، وعضو فعّال في اتحاد الأدباء والكتّاب، ونقابتي الفنانين والمعلمين، وقد رفدت المشهد المسرحي والثقافي العراقي بعدد من المؤلفات المحكمة التي تقف عند تخوم الجمال والسيمياء والفكر الحداثي. فمن جدلية الرحلة وتناصاتها في النص المسرحي، إلى تحولات المنظومة الجمالية في العرض المسرحي العراقي، وجماليات السرد في العرض المسرحي المونودرامي، وصولاً إلى آخر أعمالها فضاءات ما بعد الحداثة في العرض المسرحي العراقي)عن منشورات اتحاد الأدباء لعام ٢٠٢٤. ،فهي تكتب كما يُنقش الضوء على الورق، بلغة علمية لا تجفّ، ورؤية نقدية لا تهادن.

رأى فيها بعض النقّاد والمسرحيين مشروعات واعدا للبحث الاكاديمي الذي لم ينفصل عن الحضور الفني، إذ جمعَت بين التجربة النظرية والتطبيق العملي، فكان لها أثرٌ في تأطير رؤية جديدة للعرض المسرحي العراقي المعاصر، كما أنها شاركت بصوتها النقدي في مهرجانات محلية ووطنية عدّة، من ينابيع الشهادة إلى مسرح كربلاء والمسرح الأكاديمي، وأشرفت على بحوث وناقشت أطاريح، وقدّمت عروضًا مسرحية ذات طابع تجريبي ومعاصر، منها سامي / سافل وهامش وplay station، وهي عروض تحمل التباس الواقع العراقي وتفتح كوى على هشاشة الإنسان أمام الفوضى.

 

وفي هذا التداخل بين النظرية والممارسة، بين النص والعرض، بين الجمال والسؤال، تتبلور شخصية زينة الشبيبي ناقدة ومخرجة وأستاذة، لا تستسهل المقولات ولا تُغريها الشعارات، بل تسير في الدرب الأصعب: درب التحليل العميق والرؤية المتأنية، حيث الكلمة ميزان، والموقف مسؤولية.

من قرأ كتاباتها أو تابع أطاريحها أو سمع مداخلاتها، أدرك أن ثمة مشروعاً متكاملاً تنهض به هذه الباحثة، لا ينفصل فيه الجمالي عن السياسي، ولا الإبداع عن الواجب التربوي والأكاديمي. فهي ترى في المسرح رسالة كبرى، وفي النقد ضميراً يجب أن يبقى متيقظاً، وفي الجمال طريقاً لوعي الذات والمجتمع معاً.

إن زينة الشبيبي ليست صفحة في كتاب النقد المسرحي العراقي فحسب، بل هي فصلٌ حيويٌ من فصوله المتقدمة، تتقدم بعقلها الهادئ ولسانها الحاد وحسّها الراصد، لتقول لجيل جديد من الطلبة والمبدعين: إن المسرح ليس خشبة فحسب، بل حياة كاملة تنتظر من يقرأها، ويعيد كتابتها، ويمنحها ضوءًا آخر.

أحدث المقالات

أحدث المقالات